بقلم: عبد الحميد بيليجي
أتمنى التوفيق للسيد أحمد داود أوغلو الذي اختاره الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان ليتولى منصب رئيس الوزراء خلفًا له، وأدعو الله ألا يخذله في هذه المرحلة العصيبة التي نشهد خلالها مشاكل كبيرة وخطيرة في الداخل والخارج.
يرى أغلب الناس أن داود أوغلو يمكن أن يكون وزيرًا، سفيرًا، كبيرًا للمستشارين، رئيسًا للوزراء، لكن بالنسبة لي فيعتبر البروفيسور أحمد الذي عرفته قبل 20 عاما عندما كان أكاديميًا ناجحًا ومتواضعًا، تربطني به عدة نقاط مثل أننا تخرجنا في القسم نفسه بالجامعة ذاتها وانشغلنا بدراسة مواضيع متشابهة، كما أننا جلسنا على مائدة واحدة نتبادل وجهات النظر عندما تأسست مجلة “أكسيون” عام 1994.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا نظرنا إلى اعتبار تركيا على المستوى العالمي، وثقلها الإقليمي، وأزمات السياسة الخارجية الثقيلة من حولنا، ووتيرة الانضمام للاتحاد الأوروبي التي وصلت إلى مرحلة متردية؛ نفهم أنني أخطأت عندما قمت بتوقع متفائل مقدمًا بشكل زائد عن اللزوم أثناء تولي داود أوغلو لمهمة وزير الخارجية.[/box][/one_third]وأذكر أنني كان لي نصيب أن أكتب في مجلة” أكسيون” أول التقييمات لكتابه “العمق الإستراتيجي” الذي ألفه الأستاذ داود أوغلو وتُرجم إلى عدد من اللغات وزاد انتشاره بعدما زاد تأثير داود أوغلو في السياسة الخارجية لتركيا.
وأتذكر أن الأستاذ داود أوغلو ثمن المقال الذي كتبته بصفتي صحفيًا شابًا وحمل عنوان “قراءة للنظام العالمي من نافذة تركيا: وطنية، عميقة، إستراتيجية”. وكنت قد بدأت مقالي بجملة “هل قرأتم قبل ذلك لمولانا جلال الدين الرومي والكاتب الأمريكي فرانسيس فوكوياما والشاعر التركي محمد عاكف أرصوي والسياسي الأمريكي هنري كسنجر في كتاب واحد؟”، وقد انتهى المقال بمقولة ” العمق الاستراتيجي ليس عولمة خيالية وليس عالماً ثالثاً، بل إنه كتاب يلخص رؤيتنا الواردة في المجلة، وربما لهذا السبب أصابني الكتاب بالحماس “.
عندما انضم داود أوغلو بصفته كبيرًا للمستشارين إلى فريق السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية، الذي ما إن تولى السلطة في تركيا حتى وجد نفسه أمام ملفات خارجية عويصة مثل القضية القبرصية والملف العراقي ومفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، أُضيفت حلقة أخرى إلى العلاقة الفكرية التي تجمعنا، فهو يعمل في المطبخ الذي جهزته السياسة الخارجية، وأما أنا فأحاول، بصفتي صحفيًا يتابع هذا المجال، أن أفهم وأحلل ما يحدث. سافرت إلى العديد من البلدان في الشرق والغرب بصحبة داود أوغلو، وحضرنا العديد من المؤتمرات معًا. ورأيت بأم عيني كيف أنه كان يطوف بين العواصم العالمية على رأس فريقه المجتهد بشكل متواصل دون انقطاع.
إن حزب العدالة والتنمية تبنى تطبيق مخطط خاص به في السياسة الخارجية، وإن كان قد عمد إلى تطبيق برنامج اقتصادي حدد معاييره صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. واستطاع الحزب التغلب على صعاب كبيرة واجهته في هذا الطريق. وقد وصلت السياسة التركية التي رسم خطوطها عبد الله جول ورجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان ويشار ياكش، وصلت إلى ذروتها في مرحلة كانت تركيا يُشار إليها بالبنان في الشرق والغرب، حيث ازداد اعتبارها على المستوى العالمي، وتسارعت وتيرة مفاوضاتها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وزادت سرعة الإصلاحات الديمقراطية، وكان الجميع في منطقة الشرق الأوسط يتحدث عن تركيا وما حققته على المستويات كافة. ومن أكبر المؤشرات الملموسة للنجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في تلك الفترة هو دعم 151 دولة لتركيا في ترشحها لعضوية مجلس الأمن بالأمم المتحدة. وكان علي باباجان هو الذي يتولى حقيبة وزارة الخارجية عندما أجري التصويت على عضوية تركيا بمجلس الأمن في أكتوبر / تشرين الأول 2008. فيما كان الأستاذ داود أوغلو أبرز الأسماء المؤثرة في الفريق التركي بصفته كبيرًا للمستشارين ( سفيرًا)، لقد تولى داود أوغلو وزارة الخارجية التي [one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا ازداد اعتبار تركيا وتأثيرها في الشرق والغرب، وحُلت المشاكل الوخيمة في مجالات الديمقراطية والقانون والحريات، وهدأت وطأة التوترات الاجتماعية غير المفهومة، وانتعشت مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتغلبنا على المعوقات التي تقف أمام الاقتصاد الوطني؛ حينها سنشعر جميعاً بالفخر والاعتزاز برئيس الوزراء السادس والعشرين للجمهورية التركية أحمد داود أوغلو.[/box][/one_third]أدارها لخمس سنوات، خلال أنجح فترات حزب العدالة والتنمية في الحكم (مايو / أيار 2009). وبعدما تولى داود أوغلو شؤون تركيا الخارجية التي كان يدعمها من المقاعد الخلفية حتى ذلك التاريخ، شهدت الساحة ظهور أحداث في الشرق الأوسط ركّز عليها داود أوغلو كثيرًا مثل الحرب على غزة، والهجوم على سفينة مافي مرمرة (مرمرة الزرقاء)، والدرع الصاروخي في كورجيك، والربيع العربي … إلخ، حيث دُمرت التوازنات على المستويين العالمي والإقليمي تحت تأثير بعض السياسات الخاطئة. وفي ظل مشاكل مثل الأزمات السورية والعراقية والمصرية وتنظيم داعش، تحولت السياسة الخارجية التركية، التي كانت تظهر ناجحة دائمًا وتتفوق حتى على متوسط أداء الحكومة في العديد من استطلاعات الرأي، إلى أكبر المشكلات التي تعاني منها أنقرة. وبينما يرغب الأستاذ داود أوغلو في العودة إلى التدريس بالجامعة في خضم هذه الأحداث، أُسندت إليه وظيفة سياسية أعلى وأرفع مقامًا، ألا وهي رئاسة الوزراء.
سعيت خلال هذه الفترة التي بلغت 12 عامًا من متابعتي لتطورات الأحداث عن كثب لأن أصف الحق بأوصافه والخطأ بأوصافه دون تحيز وبحيادية تامة. ومقالاتي والسيد داود أوغلو يشهدون على هذا، وربما الاستثناء الوحيد لهذا الأمر من ناحية التوازن هي مقالاتي الثلاثة الإيجابية جدًا التي كتبتها عندما تولى داود أوغلو منصب وزير الخارجية (جريدة زمان 6 – 9 – 10 مايو / أيار 2009). وربما لم أكتب ثلاث مقالات متتالية حول موضوع واحد من قبل، وعندما قرأت مقالات بعض الكتّاب المقربين من الحكومة اليوم، انتباني شعور وكأنني شاهدت هذا المشهد من قبل، وأحسست حينها بالقلق والتوتر، ذلك أن بعض هؤلاء الكتّاب اختار صفة “الفيلسوف” لوضعها في عنوان مقاله، بالضبط كما فعلت أنا أيضًا قبل 5 سنوات.
إذا نظرنا إلى اعتبار تركيا على المستوى العالمي، وثقلها الإقليمي، وأزمات السياسة الخارجية الثقيلة من حولنا، ووتيرة الانضمام للاتحاد الأوروبي التي وصلت إلى مرحلة متردية؛ نفهم أنني أخطأت عندما قمت بتوقع متفائل مقدمًا بشكل زائد عن اللزوم أثناء تولي داود أوغلو لمهمة وزير الخارجية. لستُ من مؤيدي الأحكام المسبقة، على الرغم من كل شيء، ذلك أن كل تغيير يعتبر بداية وأملًا جديدًا، لكن انطلاقًا من العبرة التي أخذتها من الماضي، سأنتظر من داود أوغلو أن يختار لنفسه اسمًا بحسب الأداء الذي سيقدمه خلال المرحلة المقبلة، كما هي العادة التاريخية لدى الأتراك بأن يمنحوا للأطفال أسماءً، بدلًا من أن أمنحه قرضًا مقدمًا. وإذا ازداد اعتبار تركيا وتأثيرها في الشرق والغرب، وحُلت المشاكل الوخيمة في مجالات الديمقراطية والقانون والحريات، وهدأت وطأة التوترات الاجتماعية غير المفهومة، وانتعشت مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتغلبنا على المعوقات التي تقف أمام الاقتصاد الوطني؛ حينها سنشعر جميعاً بالفخر والاعتزاز برئيس الوزراء السادس والعشرين للجمهورية التركية أحمد داود أوغلو.
صحيفة” زمان” التركية