بقلم: علي بولاج
غادر 500 لاجئ سوري الأراضي التركية عبر منفذ آكجة قلعة الجمركي يوم 18 أغسطس / آب الجاري متوجهين إلى سوريا.
تتواصل المظاهرات المخزية ضد السوريين في تركيا. ولقد صادفنا العديد من هذه المظاهرات التي تستهدفهم في مدن مثل كهرمان مرعش وغازي عنتب وأضنة وإسكندرون: المظاهرات التي تجري تحت إشراف العناصر شبه العسكرية، مطاردة السوريين بالعصيّ، اللكمات والصفعات العلنية، تدمير أماكن عملهم ومقار إقامتهم، حرق منازلهم، وأخيرًا قتل ثلاث سوريين في منزلهم.
يجب البحث عن هدف هذه العمليات. التي نفهم منها أن هذه الأحداث يلعب بها عاملان، أحدهما ديموجرافي والآخر سياسي، الدور الأبرز:
1– المنتسبون للدولة العميقة.
أ – يريدون أن يعود السوريون إلى بلدهم في أسرع وقت.
ب – يحاولون استغلال الوضعية الدرامية التي يعيشها السوريون ضد الحكومة. هذا فضلًا عن أن “حزب العمال الكردستاني العميق” قد ولّى وجهته شطر الهدف نفسه بُغية الإضرار بمفاوضات السلام.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا يمكن لأحد في تركيا أن يقدم على تنفيذ كل هذه العمليات دون عِلم القوات العميقة للدولة وتوجيهها وموافقتها. وهذا لا يعني أبدًا أن الحكومة أو موظفي القطاع العام يخرجون “عن الروتين” والقانون عمدًا؛ إذ ربما يكون مَنْ يقوم بهذه العمليات هي القوى المرتكزة في أعماق الدولة رغمًا عن الحكومة والسلطة العامة المشروعة. ولقد شهدنا أمثلة على ذلك في العديد من المدن التركية شرقًا وغربًا.[/box][/one_third]تشير الإحصائيات الرسمية في تركيا إلى أن عدد السوريين المقيمين في مخيمات اللجوء المؤقتة يبلغ 218 ألفًا و121 شخصًا، فيما يقطن المدن التركية المختلفة مليون و127 ألفًا و970 شخصًا. ويمكن أن نفترض أن هذا العدد يمكن أن يقفز إلى معدل مليون ونصف المليون لاجئ. هذا إضافة إلى أن العراق والأردن ولبنان تحتضن ثلاثة أضعاف أعداد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
لا يمكن لأحد في تركيا أن يقدم على تنفيذ كل هذه العمليات دون عِلم القوات العميقة للدولة وتوجيهها وموافقتها. وهذا لا يعني أبدًا أن الحكومة أو موظفي القطاع العام يخرجون “عن الروتين” والقانون عمدًا؛ إذ ربما يكون مَنْ يقوم بهذه العمليات هي القوى المرتكزة في أعماق الدولة رغمًا عن الحكومة والسلطة العامة المشروعة. ولقد شهدنا أمثلة على ذلك في العديد من المدن التركية شرقًا وغربًا.
إن السبب الأساسي الكامن وراء الانزعاج الذي تشعر به القوى العميقة في تركيا إزاء السوريين، والتي تريد أن تضطرهم إلى مغادرة البلاد عن طريق الاعتداء عليهم وتنظيم مظاهرات حاشدة ضدهم وشن هجمات على منازلهم وأماكن إقامتهم، هو سبب ديموجرافي في المقام الأول، فضلًا عن خوف هذه القوى من تحول البنية السكانية في تركيا لصالح العرب والأكراد. وكان الأكراد الذين فرّوا هاربين من بطش صدام حسين خلال حرب الخليج قد أُجبروا على الإقامة بما يشبه معسكرات الاعتقال خارج المدن التركية، ولم يسمَح لهم بدخول المدن والعيش وسط السكان المحليين. وبالتأكيد لم تكن هذه المعاملة هي التي كان من المفترض أن تقابل بها دولة مسلمة شعبًا مسلمًا هرب من الظلم والاضطهاد، لكن البعض خشي من أن “يستقر جزء من اللاجئين الأكراد في تركيا بشكل دائم”، ولهذا تم ترحيلهم خارج تركيا في أسرع وقت ممكن.
تختلف وضعية تدفق اللاجئين الناجم عن الحرب الأهلية في سوريا إلى حد ما عن وضعية اللاجئين الأكراد قبل أكثر من عقدين من الزمان. الحالة الأولى تشير إلى تواجد لاجئين عرب وأكراد ونصيريين بشكل كبير. وعلى أية حال، لا تتناسب زيادة هذه العناصر العرقية الثلاثة في البنية الديموجرافية مع النموذج الرسمي الكلاسيكي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]نعم، يجب على الحكومة التركية أولًا أن تركز على المعنى العميق لهذه الهجمات ضد السوريين. غير أنه ينبغي للجماعات الإسلامية في تركيا أن تأخذ زمام المبادرة أكثر من أي جهة أخرى، ويجب أن تكون هذه الجماعات هي الأنصار للمهاجرين السوريين. وإلا فإن الشعبين التركي والسوري ستسوء علاقتهما لمئات السنين. وبكل تأكيد هناك جماعات تعمل بكل إخلاص في هذا الإطار، وعلينا تقديم الدعم لها. وينبغي لنا في الوقت ذاته أن نظهر الوعي نفسه إزاء التركمان واليزيديين الذين يحاولون النجاة بأرواحهم.[/box][/one_third]أما الحالة الثانية، فتركيا، كدولة، هي طرف في الحرب الأهلية في سوريا، حيث كانت الحكومة التركية قد أعلنت في وقت مبكر من اندلاع المظاهرات المدنية في سوريا أنه من الممكن استضافة 70 ألف لاجئ سوري في المنازل الجاهزة التي جلبتها من ولاية فان شرق البلاد إلى الولايات الحدودية المتاخمة للأراضي السورية. وكانت حسابات المسؤولين الأتراك تشير إلى أن نظام بشار الأسد سيسقط خلال ثلاثة أشهر، وأن أعداد اللاجئين لن تزيد على 100 ألف شخص كحد أقصى.
وللأسف لم تصدق هذه التوقعات والحسابات، حيث أن نظام الأسد لا يزال صامدًا، ووصل الحال بتركيا إلى أن تحسن علاقاتها بحلفائها الغربيين لمواجهة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، كما تضاعفت أعداد اللاجئين السوريين لنحو 15 ضعفًا عما كان متوقعًا.
2– إلى جانب مفهوم العمليات العميقة التي تجري ضد السوريين، هناك بُعد آخر للمسألة يهمّ الناس العاديين من عامة الشعب. وهذا البُعد ذو مغزى ويدفع الإنسان للتفكير وأخذ العبرة كما هو الحال بالنسبة للجانب الأول. ونفهم أن الذين يشاركون في هذه الهجمات على السوريين قليلي الحيلة ويقومون بإحراق منازلهم وارتكاب جميع أنواع الجرائم ضدهم هم فئة من شعب لم يكن في يوم من الأيام متسامحًا ومحبًا للخير والمساعدة وعطوفًا في معاملته للأجانب، كما يروَّج له. وإذا تذكرتم العنصريين الألمان، فستجدون وضعية هذه الفئة من الشعب الألماني أكثر خطورة. حيث نرى العصابات العنصرية الصغيرة في ألمانيا تشن هجمات على المهاجرين الأتراك، غير أننا لم نرَ الشعب الألماني يحتشد بالآلاف ليشن هجومًا على الأتراك هناك. ولم يطارد الشعب الألماني الأتراك بالعصيّ في شوارع برلين مثلًا. وللأسف فإن التعصب والعنصرية والفاشية التي تحقنها الدولة في تركيا على المستوى الرسمي منذ مائة عام لاقت ترحيبًا شعبيًا.
نعم، يجب على الحكومة التركية أولًا أن تركز على المعنى العميق لهذه الهجمات ضد السوريين. غير أنه ينبغي للجماعات الإسلامية في تركيا أن تأخذ زمام المبادرة أكثر من أي جهة أخرى، ويجب أن تكون هذه الجماعات هي الأنصار للمهاجرين السوريين. وإلا فإن الشعبين التركي والسوري ستسوء علاقتهما لمئات السنين. وبكل تأكيد هناك جماعات تعمل بكل إخلاص في هذا الإطار، وعلينا تقديم الدعم لها. وينبغي لنا في الوقت ذاته أن نظهر الوعي نفسه إزاء التركمان واليزيديين الذين يحاولون النجاة بأرواحهم.
صحيفة “زمان” التركية