بقلم: عبد الحميد بيليجي
أصيب العالم بأسره بصدمة كبيرة عندما شاهد المقطع المصور الذي يظهر أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وهو يعدم الصحفي الأمريكي جيمس فولي ذبحًا، فالعواصم العالمية التي ظلت تشاهد العنف في سوريا منذ ثلاثة أعوام ونصف العام دون أن تحرك ساكنًا، بدأت تأخذ حذرها وتتأهب الآن.
إن الرأي العام في بريطانيا حاليًا منشغل في المقام الأول بالادعاء الذي يشير إلى أن عنصر داعش، الملثم طويل القامة والذي كان يرتدي قميصًا أسود، الذي أعدم الصحفي الأمريكي المحتجز لدى التنظيم منذ عام 2012، إنجليزي الأصل، وتتداول الصحف الإنجليزية منذ أيام أخبارًا معنونة بعبارة “الجلّاد الإنجليزي”، وقد حلل الخبراء لكنته الإنجليزية، وتوصلوا إلى أنه ينحدر من شرق لندن، ليبدأ البحث عن أصله ومحل إقامته بالتحديد، وقطع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عطلته وعاد إلى لندن عقب وقوع الحادث، غير أن المسؤولين في أنقرة لم ينبسوا ببنت شفة حول الواقعة، وكأنها لا تهمنا على الإطلاق، بالرغم من حدوثها في العراق المتاخمة حدوده لأراضي تركيا، والتنظيم نفسه يحتجز القنصل العام التركي في الموصل ومعه 49 مواطنًا تركيًّا.
كان كثيرون يتحدثون قبل فترة ليست طويلة، قبل حوالي عامين، عن سيناريو يفترض أن سوريا ستتحول إلى أفغانستان جديدة، وأما تركيا فستتحول إلى باكستان جديدة بسبب علاقتها بالجماعات المعارضة للنظام السوري، وإن لم نكن مدركين حجم الخطر الداهم الذي يهدد أمننا، بسبب تضليلنا بالأجندات المصطنعة وعمليات تغيير الإدراك، فإن هذا السيناريو بدأ يتحول إلى كابوس ويتحقق على أرض الواقع، فالوضع في العراق وسوريا، جارتا تركيا، صار أسوأ من أفغانستان جرّاء أحداث العنف والفوضى التي يشهدها البلدان كل يوم، وبعدما بادرت باكستان إلى التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لأفغانستان بالأمس من خلال الجماعات المسلحة المختلفة، بتشجيع من القوى الدولية، ها هي باكستان اليوم تعاني من مشاكل عدة مثل التفجيرات التي تهزّ العديد من مدنها، والمشاكل التي يتسبب بها المنضمون للجماعات الإرهابية في أفغانستان عقب عودتهم إلى باكستان، وانتشار الأيديولوجيات المتطرفة بين أفراد المجتمع. ونجد أن المشاكل ذاتها تقرع أو ستقرع باب تركيا عن قريب.
وفي الواقع، لم تكن مسألة سير التطورات بشكل سيئ سرًا، وكان يمكن للمسؤولين في أنقرة اتخاذ التدابير اللازمة في الوقت المناسب، وكان يكفيهم فقط أن ينظروا إلى الأخبار التي انتشرت في الصحف قبل عام لتقدير حجم الكارثة: “نقل السيارات المسروقة في إسطنبول إلى مدينة هطاي الحدودية، وقد تأهبت القوات الأمنية لمواجهة احتمال استغلال هذه السيارات، البالغ عددها 25 سيارة، في هجمات إرهابية”. (15/11/2013) “وصلت استخبارات جهاز الجاندرما( الدرك) إلى معلومات حول 300 سيارة سُرقت في تركيا وهُرّبت إلى سوريا بلوحات معدنية مزورة، وتوصلت السلطات إلى أن المتهمين في هذه الواقعة تربطهم علاقة بتنظيمات القاعدة وجبهة النصر وداعش”. (28/11/2013) “عُثر على خريطة عسكرية خاصة بولاية مالاطيا التركية بحوزة شخص يحمل الجنسية السورية ألقي القبض عليه في منطقة عسكرية محظورة بولاية كيليس الحدودية جنوب تركيا”. (2/12/2013) “تأهبت وحدات الاستخبارات التركية عقب انتشار ادعاء مفاده أن 47 تنظيم على صلة بتنظيم القاعدة الذي يقاتل في سوريا يستعدون لشن عمليات في تركيا”. (3/12/2013)
نشرت وزارة الداخلية التركية العام الماضي تقريرًا أفاد بأن 500 شخص غادروا تركيا متوجهين إلى سوريا للانضمام إلى صفوف جبهة النصرة وتنظيم داعش، وإذا نظرنا إلى ما قاله المواطن التركي وقّاص دوغان، الذي انضم ابنه إلى صفوف داعش، نجد أن عدد الذين انضموا للجماعات المتطرفة في سوريا يزيد أضعافًا مضاعفة، وقال دوغان، الذي يقيم في مدينة غازي عنتب، إن البعض يحشد الشباب للقتال ضمن صفوف داعش علانية بالمدينة، مشيرًا إلى أنهم استطاعوا خداع ابنه البالغ من العمر 28 عامًا في إحدى الجمعيات بالحي الذي يقطنون به، ولم يستطع أن يحبس دموعه حزنًا على ابنه. وتابع بقوله: “ابني سيترك ابنه الذي يبلغ عمره 4 أشهر، وسيذهب إلى العراق للانضمام إلى صفوف داعش، وسيقاتل المسلمين هناك، وكانت مجموعة من الشباب قد ذهبت إلى العراق قبل ذلك عن طريق هذه الجمعية. كما انضم خال ابني وابنه إلى صفوف داعش قبل شهر ، وترك عمله. ونعرف العديد من الأشخاص حولنا من الذين ساروا في الطريق نفسه”. وقد تقدم دوغان ببلاغ إلى حاكم الولاية ومديرية الأمن، لكن أحدًا لم يغثه، وكأنه يعيش في مدينة بيشاور الباكستانية وليس غازي عنتب التركية.
وكان جلال الدين لكاسيز والي مدينة هطاي، والذي كان من بين الذين شاهدوا الخطر بنفسه، حذر من داعش في التقرير الذي قدمه إلى وزارة الداخلية. وتشرح العبارات التي كتبها لكاسيز كل شيء، حيث قال: “إذا سيطر تنظيم داعش، الذي يشكل تهديدًا حقيقيًا بالنسبة لتركيا، على المناطق الحدودية وبسط نفوذه في تلك الأراضي القريبة من أراضينا، فإنه سيستهدف تركيا التي لا تطبق قواعد الشريعة الإسلامية حسب ما يعتقده التنظيم”.
إذن، ماذا تفعل تركيا في مواجهة هذا الخطر الداهم؟ ففي الوقت الذي تكافئ فيه الحكومة المسؤولين المتورطين في الأزمة (ارتقاء وزير الخارجية إلى رئاسة الوزراء)، يقصى أصحاب الخبرة في مجال مكافحة الإرهاب من خلال عمليات “مطاردة الساحرات”.
إن الموقف الذي أعلنه الأستاذ فتح الله كولن بتنديده بممارسات تنظيم داعش الوحشية التي تستهدف التركمان والأكراد والشيعة واليزيديين، يعتبر مثالًا مهمًا جدًا يعلمنا كيف يجب أن ننظر إلى هذا الموضوع من الناحيتين الدينية والإنسانية، حيث يقول: “إن الهجوم على الأقليات والمدنيين العزّل الأبرياء، بغض النظر عن عرقهم أو مذهبهم، مضاد تمامًا لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وإذا كانت عناصر تنظيم داعش لا يتصرفون بصفتهم أداة في أيدي بعض القوى، فيمكن أن نصفهم بالجهلاء الذين لم يعرفوا روح الإسلام وصفات نبيه صلى الله عليه وسلم، إن ما يفعلونه، مهما كانت ماهيته، يندرج تحت مصطلح الإرهاب، ويجب تسميته هكذا”.
وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الشيء الآخر الذي يجب أن يحدث حتى تستيقظ تركيا من سباتها العميق وترى هذا الخطر الذي يحدق بها؟!