بقلم: لاله كمال
اتخذ حلف شمال الأطلسي (ناتو) قرارًا بعدم مشاركة تركيا أي معلومات إذا قررت شراء منظومة صواريخ للدفاع الجوي من الصين، مؤكدًا أن هذه الصواريخ ليست متوافقة مع ما يمتلك الحلف من منظومات دفاع جوي، كما أنه لن يتم تحقيق تكامل بينها وبين أنظمة الدفاع الجوي التركية، ولهذا يصرّ الحلف ويدعي أن أنقرة لو اشترت منظومة الدفاع الجوي من الصين فإنها ستضطر لتخزينها في مخازنها فقط.
لقد ثارت ثائرة الغرب، وهذا أمر طبيعي، عندما اختارت تركيا الصين، عدوة الناتو، لاستيراد أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى حساسة وباهظة الثمن في وقت قدمت فيه الدول الحليفة عروضها، ونشر الحلف صواريخ باتريوت في الأراضي التركية بغرض التضامن مع أنقرة في مواجهة الخطر المحتمل القادم من الأراضي السورية. وقد دافع الحلفاء الغربيون لأنقرة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ، عن وجهة النظر التي تقول إن اختيار تركيا للصين من أجل شراء أنظمة دفاع جوي يمثل، من الناحية السياسية، ابتعادها عن الغرب، وأن تركيا عرّضت أمنها للخطر في نهاية المطاف بعدما فضّلت نموذجًا لصواريخ الدفاع الجوي لا يمكن استخدامه في التعاون مع الحلف من الناحية الفنية.
وهناك فائدة في توضيح هذا الجانب، اتخذ حلف شمال الأطلسي (ناتو) قرارًا بعدم مشاركة تركيا أي معلومات إذا قررت شراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي من الصين، مؤكدًا أن هذه الصواريخ ليست متوافقة مع ما يمتلك الحلف من منظومات دفاع جوي، كما أنها لن يتم تحقيق تكامل بينها وبين أنظمة الدفاع الجوي التركية. ولهذا أصرّ الحلف على أن أنقرة لو اشترت ذلك ربما تضطر لتخزينه في مخازنها. وكان الكونجرس الأمريكي قد أصدر قرارًا قبل أشهر يتضمن إشارات تفيد بأنه في حالة إقدام تركيا على إتمام صفقة الصواريخ الصينية، فإنها ستتعرّض لحصار مستتر في مجال توريد الأسلحة الأمريكية إليها.
كانت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية في تركيا، التي عقدت اجتماعًا برئاسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بتاريخ 26/9/2013، قد أعلنت أن المسؤولين سيبدؤون مفاوضات مع شركة CPMIEC الصينية، التي عرضت نظام الدفاع الجوي HQ-9، لتوريد صواريخ تحمل اسم كودي T-Loramids، بحجة أنها قدمت العرض الأرخص بقيمة 3.4 مليار دولار أمريكي، وأنها في مقابل ذلك تعهدت بتزويد تركيا بتكنولوجيا فائقة في هذا المجال.
وإذا نظرنا إلى البيان الصادر عن اللجنة نجد أن أنقرة قد أقصت التحالف الأوروبي “يوروسام”الذي عرض نظام دفاع جوي طراز SAMP/T بشراكة إيطالية – فرنسية، وكذلك شراكة Raytheon – Lockheed الأمريكية التي كانت قد عرضت منظومة صواريخ باتريوت التي تحمي الأراضي التركية ضد أي تهديد محتمل يأتي من سوريا، وكانت العروض التي قدمتها الشركات الأوروبية والأمريكية تبلغ نحو 4 مليارات دولار أمريكي وأكثر بقليل.
وما أن تلقت تركيا ردود أفعال غاضبة من حلفائها، اضطر وزير الدفاع التركي عصمت يلماظ إلى إصدار تصريح قال فيه إنه في حالة فشل المفاوضات الجارية مع الشركة الصينية، سيبدأون المفاوضات مع تحالف “يوروسام” أولًا، وإن لم تنجح سيواصلون المفاوضات مع الشركة الأمريكية لتوريد منظومة الدفاع الجوي، غير أن يلماظ طالب هذه الشركات بأن تحسّن عروضها بالطريقة التي تكسِب تركيا المزيد من المهارات في مجال صناعة الصواريخ التي تتطلب بنية تحتية تكنولوجية فائقة.
هل أجبرت أحداث جيزي بارك تركيا على اللجوء للصين؟
كانت أحداث متنزه جيزي بارك قد بدأت في يونيو/ حزيران 2013 بإعلان عدد من النشطاء اعتراضهم على مشروع حكومي سيضر بالبيئة، غير أن مجرى الأحداث تحول إلى احتجاجات مناهضة لحكومة حزب العدالة والتنمية بسبب عدم تمكنها من إدارة الأزمة بشكل جيد، ويتحدث البعض في كواليس أنقرة عن أن أردوغان اختار الصين لتوريد أنظمة دفاع جوي كرد فعل على الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي اتهمها بالوقوف وراء أحداث جيزي بارك، مشيرين إلى أن التصريحات الرسمية التي تقول إن الاختيار وقع على الصين لتقديمها عرضًا بتزويد تركيا بتكنولوجيا عالية المستوى، ما هي إلا حجة لتبرير هذا الاختيار.
وعقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنفسه، بدلًا عن نائبه، مع أردوغان مطلع العام الجاري، وقعت تركيا عقد استيراد مروحيات متعددة الاستخدامات مع شركة سيكورسكي الأمريكية، وبدأت – بشكل مفاجئ – تتسلم طائرات AWACs من شركة بوينج الأمريكية الأخرى بعدما عُلّقت الصفقتان لسنوات طويلة. ويقال إن أوباما ألمح لأردوغان خلال الاتصال الهاتفي نفسه أنه في حال اختيار تركيا لصفقة الصواريخ الصينية، فإنها ستتعرض لأزمة سياسية وفنية، ولهذا يشير البعض إلى أن أردوغان بدأ مطلع العام الجاري يفصح عن ميله للتراجع عن صفقة استيراد الصواريخ الصينية.
إلغاء صفقة الصواريخ الصينية ومد غصن زيتون إلى الغرب
ترى مصادر قطاع الصناعات الدفاعية أن أردوغان سيأمر بإصدار قرار بوقف المفاوضات مع الصين، وكأنه رئيس لجنة الصناعات الدفاعية، بالرغم من أنه سيتولّى منصب رئيس الجمهورية اعتبارًا من 28 أغسطس/ آب الجاري، وذلك في مواجهة الانتقادات التي أفصح عنها حلفاء تركيا الغربيون، والتي قيل إنه – أي أردوغان – اعتبرها محقة من الناحية الفنية، وكذلك بُغية رغبته في إيصال رسالة سلام إلى حلف الناتو مفادها أن علاقة تركيا لم تنقطع مع الغرب.
حسنًا، ما هو مصير هذا المشروع الضخم الذي تقدَّر ميزانيته بمليارات الدولارات؟
هناك احتمال كبير مفاده أن المفاوضات ستبدأ بين تركيا والتحالف الأوروبي “يوروسام”، الذي بقي في القائمة القصيرة، كما أشارت زيارة الرئيس الجديد لمستشارية الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دمير إلى فرنسا شريكة “يوروسام”، بعد زيارة الصين بوقت قصير، لجس نبض الأوروبيين بشأن نقل الخبرات التكنولوجية. وتنتهي أواخر الشهر الجاري المدة الإضافية لتلقي عروض توريد صواريخ T-Loramids. وعليه، فبدلًا عن تمديد وقت العروض من أجل مواصلة المفاوضات مع الصين نهاية الشهر الحالي، تقطَع المفاوضات مع الصين لتواصل تركيا الطريق مع تحالف “يوروسام”. وإذا وصلت المفاوضات مع التحالف الأوروبي إلى طريق مسدود، تبدأ المفاوضات مع الشركات الأمريكية.
وهناك احتمال آخر ضعيف جدًا، وهو أن تركيا ربما تتمكن من إطالة مدة بقاء صواريخ باتريوت على أراضيها لسنوات طويلة، بحجة استمرار الحرب الأهلية في سوريا، ومن ثم تعلّق مسألة شراء منظومة صواريخ بعيدة المدى.
عودة 50 خبيرًا صينيًا إلى بكين
إذا أوقفت تركيا المفاوضات الجارية مع الصين لتوريد الصواريخ، فإن هذه الأخيرة ربما تبدي رد فعل رسمي صارما. لكننا لا نخطئ إذا قلنا إن الصين ربما تقول خلف الكواليس “لقد أصبنا حلف الناتو في مقتل عندما اختارتنا تركيا – عضو الحلف – لإنجاز مشروع حساس كهذا. وحتى إن أوقفت أنقرة المفاوضات معنا فلن تحدث مشكلة كبيرة، فنحن نتفهم المشاكل التي تعانيها تركيا مع حلفائها”. ومن الأكيد أن الصين، التي بدأت تحجز لنفسها مقعدًا مهمًا في السوق التركي، ستحصل على مكافأة جيدة أخرى بمشروع آخر في مقابل إلغاء مشروع الصواريخ بعيدة المدى.
وربما يعود الفريق المكون من 50 خبيرًا صينيًا إلى بكين بعدما أقاموا في أنقرة منذ سبتمبر / أيلول الماضي للمشاركة في مفاوضات منظومة الدفاع الجوي.