بقلم: محمد كاميش
إن تصنيف الأشخاص حسب انتماءاتهم هو سعي لتكوين جبهة مقابلة، فمن يستغلون السلطة يصنفون من لا يشبهونهم ومن لا يجدونهم مناسبين لتوجهاتهم ومنافسيهم في خانة الأعداء.
إن عملية تصنيف الأشخاص حسب انتماءاتهم ربما تنبع من الخوف والقلق وعدم الثقة بالنفس، كما أن الرغبة الملحّة في التمسك بالسلطة، مهما كلف الأمر، ربما تدفع البعض إلى تصنيف الناس حسب انتماءاتهم.
توجد قواعد قانونية مكتوبة تنظم العلاقات الاجتماعية في الدول الحديثة، فمن يستخدمون السلطة باسم الشعب وكذلك المواطنين العاديون ملزمون بالتصرف وفق الدستور والقوانين المكتوبة، ويستمد الجميع، بمن فيهم مستخدمو سلطة الدولة، شرعيته من هذه القواعد المكتوبة. والخروج على الشرعية يعني ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذه القواعد، ولا يمكن لمن يديرون شؤون البلاد، وحتى المحاكم، أن يطلقوا وصف المجرم على أي شخص لم يرتكب هذه الجرائم، كما لا يمكن اتهامه بأي شكل من الأشكال. وهذا لم يحدث في الدول الحديثة فقط، بل لم يحدث في مهد الإسلام؛ إذ لم يصدر أي حكم على أي شخص بسبب جريمة لم يرتكبها، ولم يدن الناس أو يقصَوا جراء انتماءاتهم الشخصية.
ويعتبر حزب العدالة والتنمية أيضًا حركة سياسة انطلقت من أجل إصلاح الدولة، ومن أجل أن يشعر كل شخص يعيش في تركيا بأنه أحد العناصر الأساسية في هذا البلد، وكنا نرى ذلك بينما كنا ننظر من الخارج، وكان النساء المحجبات والمتدينون والعلويون والأكراد والأرمن والسريانيون قد ملّوا من التعرض لضغوط الدولة أو إقصائهم من الحياة العامة. وكان رواد هذه الحركة السياسية يرفعون شعار “لن يكون هناك قانون السادة، بل ستكون هناك سيادة القانون “. ولن يتم إقصاء أحد أو تصفيته من الدولة أو التجارة بسبب هويته أو انتمائه.
وفي الواقع، قطعت حكومة العدالة والتنمية مسافة كبيرة على طريق الحيلولة دون عملية الإقصاء هذه في بادئ الأمر. وسعت إلى مد يدها إلى جميع طبقات المجتمع، وسارت في طريق التخلص من القطيعة التي كان بين الشعب والدولة، غير أنها بقدر ما وصلت إلى سلطة الدولة ابتعدت عن الشعارات التي انطلقت بها في بدايتها، وهضمت تقليد الدولة القديم، وبدأت تظهر التقاليد الأخرى الخاصة بها. ووبقدر ما نسيت أنها ما هي إلا حكومة بدأت ترى نفسها هي الدولة عينها، وبدأت تتحرك على هذا الأساس.
لقد طرح حزب العدالة والتنمية، عقب كل انتخابات يفوز بها، نموذج الإدارة الذي يعطي الأولوية للإنسان، والذي أعلن عنه وتحدث بشأنه كثيرًا عند ظهوره على الساحة السياسة، وراء ظهره، وبدأ يجمع كل شيء في شخص الدولة. وأصبحنا لا نرى المبادئ التي لا غنى عنها في الدول الحديثة مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والمطالب الاجتماعية ترد على ألسنة أعضاء الحزب أو في أفعالهم. ولم يتبقَ من مظاهر الديمقراطية سوى الانتخابات. وهم يديرون الدولة الآن بمبدأ “من يكسب الانتخابات يفعل في الدولة ما يشاء”. يعلَّق العمل بالقانون، ولا تؤدي المحاكم مهامها، ويصنف الناس بحسب انتماءاتهم، ويصفَّى عشرات الآلاف من الأشخاص من مناصبهم بالدولة دون سبب، وتهدد الشركات من خلال وزارة المالية، ويحاولون إغراقها.
وما أن بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية ترى نفسها صاحبة الدولة، حتى بدأت تنظر إلى المجتمع وتصنفه: “نحن والآخرون”، فإذا كان الوضع كذلك، فلم يعد من الكافي أن يكون المواطن يتبع القواعد القانونية ويدفع الضرائب بانتظام حتى لا يتهم بارتكاب الجرائم. وأصبح مبدأ مبايعة الحكومة هو أهم شروط عدم الإقصاء. وكان وزير العدل بكير بوزداغ قد قال في تصريح له: “الدولة لا تريد شريكًا لها”، وهو ما يعكس مفهوم هذا المبدأ على هيئة كلمات.
إن ما ظهر من “تصنيف للجماعات الدينية حسب انتماءاتها” ما هو إلا انعكاس لهذا المفهوم. فالحكومة تعمد إلى تصنيف الجماعات الدينية حسب انتماءاتها حتى في تفاصيلها الدقيقة. وهي اليوم تغلق النزل الطلابية المملوكة للجماعات التي لم تعطها أصواتها في الانتخابات ولم تدعمها في كل شيء، وتهدم مدارسها، وتشن عمليات مالية على مكاتب عملها. كما أن من يدعمون الحكومة يجري تصنيفهم حسب انتماءاتهم، لكنهم لا يتعرضون لهذا النوع من الضغوط الممارسة على غير الداعمين للحكومة.
حسنًا، هل تتوقعون أن تستمر هذه العملية في المستقبل أيضًا؟ وهل يكون دعم حزب العدالة والتنمية كافيًا من أجل النجاة من غضب الدولة؟ أعتقد أن هذا أيضًا لن يكون كافيًا بمرور الوقت، وخلال فترة قصيرة سيتسبب وجود الجماعات الدينية الأخرى في إزعاجهم. وسيقولون: “ليس هناك حاجة إلى وجود أي كيانات أخرى في وجود وقْف خدمة الشباب والتعليم (TÜRGEV)” (يرأسه بلال أردوغان). وستتعرض أي جماعة أو فكرة أو مفهوم لا يقبل الانصهار في بوتقة مفاهيمهم ومبادئهم للمعاملة نفسها التي تتعرض لها حركة” الخدمة”.
صحيفة” زمان” التركية