بقلم: ويسال آيهان
محاولة التغلب على فضائح من شأنها أن تطيح بمئة رئيس وزراء في العالم بواسطة “هراء الكيان الموازي” هل هي إستراتيجية للتستر على جريمة أم هي مسألة طبية نفسية متعلقة بـ”مرض البارانويا الموازي”؟ صار رئيس الوزراء رئيسًا للجمهورية، غير أن ذهنه لا يزال مشغولاً بـ”هراء الدولة الموازية”، ونفهم من هذه الحالة أنه لا يفكر إلا في “الكيان الموازي” صباح مساء، وفي الواقع، لو نظر إلى المرآة سيظهر بشكل جليّ من هو الكيان الموازي على وجه الحقيقة:
هو رئيس المحاسبة الموازي:
هناك وزارة المالية وهيئات المراقبة على الحسابات العامة التابعة للدولة من جهة، ومن جهة أخرى، توجد هناك “خزينة” أو “صندوق أسود موازٍ” لا تنفد موارده، وحتى إن زعمنا أن منابعه جفت فإنه لا يزال تبقى هناك 30 مليون يورو من ميزانيته بعد الإخفاء! صندوق أسود لا يستطيع أن يدخله من يملك أقل من 10 ملايين يورو، ولا يستطيع أحد تكذيب ذلك بالتسجيلات الصوتية أو المشاهد المسجلة، أو حتى من خلال معلومات خطوط الهواتف المحمولة، إذ يدفع المقاول العمولة إلى رئيس المحاسبة الموازي، كما يدفع رجل الأعمال العمولة، لتفادي الإقصاء من المناقصات، مع غضبه على ذلك، ولكنه يشتم الشعب ويتعهَّد على نفسه بأنه سيجعله (أي الشعب) من يدفع ثمن ذلك، كما جاء في التسجيلات الصوتية المسربة.
رئيس القضاة الموازي:
النواب العامون يحققون ويصدرون أحكامهم، ولكن رئيس الوزراء لا تعجبه قراراتهم، فيوجه تهديدات لهم أمام الملايين، وإذا أعجبه أحد قراراتهم يقول: “فلننتظر حتى نرى ما ستسفر عنه المحاكمة…” أو شيء من هذا القبيل، وعندما تعطى المناقصات لشخص لا يعجبه، يكلّف الجهات المختصة بإلغائها، كما صار لأحد رجال الأعمال المعروفين، ويقول: “اعتقلوا باشبوغ” (الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش )، ثم يأمر بإطلاق سراح آخر، ويتابع جلسات محاكمة رجل الأعمال آيدن دوغان لحظة بلحظة.
رئيس النيابة والنائب العام الموازي:
يقول رئيس الوزراء: “نمهد الطريق والأرضية لإطلاق هذه العملية.. وستتواصل العملية وسيتسع نطاقها يوماً بعد يوم”، وتنطلق العملية وسط موجات من الظلم والفضائح والانتهاكات القانونية، من خلال المحاكم ذات “المهمة الخاصة”، التي شهدت فضائح على غرار نداء القاضي لشخص “اهرب يا إسماعيل!”، الشخص الذي لم يتم الكشف حتى الآن عن هويته الحقيقية.
مدير الأمن الموازي:
يقدم إلى مدراء الأمن قائمة تضمّ الأسماء الواجب اعتقالهم، دون انتظار قرار المحكمة، ويمطرهم بوابل من الأوامر لشنّ حملات دهم واعتقال رجال الشرطة.
رئيس البنك المركزي الموازي:
سيتمّ خفض الفوائد أو رفعها. هو أفضل من يعرف كل شيء. والبنك المركزي، يعمل بشكل مستقل في جميع الدول الديمقراطية، لكنه في تركيا تحت رحمة سيف رئيس الوزراء، وقد قطَّعه إلى مائة قطعة، إذ يصدر أوامره بخفض الفوائد دون أن ينظر إلى توازنات السوق، ويهاجم رئيس البنك المركزي “أردم باشجي” من خلال وسائل الإعلام الموالية له.
وزير الاقتصاد الموازي:
لا يتصرف نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الشؤون الاقتصادية “علي باباجان” كالمستشارين المتملقين المنمقين، هو يعمل ما يعرف، وما يمليه عليه ضميره ومهنته، وهو (رئيس الوزراء) لا يتحمل هذا، ويبادر إلى وقفه عند حده في أول فرصة، مدعياً أنه يعرف الاقتصاد أحسن من غيره، ودرس علومه، بيد أنه لا يملك أي شهادة موقعة أو صديقًا من أيام الدراسة يشهد على ذلك. غير أنه صاحب عبقرية في “الاقتصاد الموازي” لخبرته الكبيرة بحسابات “الصندوق الأسود”.
وزير البيئة والتخطيط العمراني الموازي ومدير السجل العقاري الموازي:
لا يمكنبيع الأراضي ذات القيمة العالية دون الحصول على إذن منه، وإلا وجد البائع نفسه على الباب، وقال وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق أردوغان بيراقدار عندما طُلب منه الاستقالة من منصبه: “ألم تكن أنت الذي أصدرت الأوامر لي بالقيام بهذا؟”. وعندما يتحدث مع السيد صاحب السمو تسقط جميع أحكام الوزراء وقوانين الإعمار والمناطق المحمية.
رئيس البلدية الموازي:
يرى رئيس البلدية الموازي لافتة مركز (FEM) التعليمي الخاص ومبناه بينما يسير في الطريق، فيصدر أوامره بقوله “لا أريد أن أراها في الصباح!”. فتبادر فرق البلدية على الفور إلى إزالة لافتة المركز في الساعة الثانية صباحا، دون أن يعرف رئيس البلدية بالأمر، وتتوالى أوامره بإنشاء مركز للتسوق في هذا المتنزه، وثكنة عسكرية في ذاك المتنزه.. حتى إنه هو الذي يصدر الأوامر بشأن تحديد عدد طوابق ناطحات السحاب.
رئيس التحرير وصاحب وسائل الإعلام الموازية:
يراقب حتى عناوين الأخبار الفرعية التي ترد أسفل شاشات التلفاز. يقول لماذا نشرتهم الخبر الصحي الفلاني، ويوبّخ المسؤول عن ذلك. يجعل صاحب إحدى الصحف البالغ من العمر 80 عامًا يبكي خلال مكالمة هاتفية. وبعد فضيحة “ألو فاتح وألو نرمين”، الآن بدأ يهدد اليوم مجموعة دوغان الإعلامية. ولا يمكن تعيين رئيس تحرير دون إذن منه. ويُطرَد شهريًا صحفيان أو ثلاثة صحفيين ممن أساؤوا إليه.
الدستور الموازي:
المحكمة توقف أعمال إنشاء مبنى رئاسة الوزراء الجديد، إلا أنه يقول “فليهدموها إن استطاعوا، سأفتتحها وأدخلها وأجلس بداخلها”. ينتهك الدستور، وبعدما أصبح رئيسًا للجمهورية، يقول إنه لن يترك رئاسة الوزراء، ليضع الدستور تحت حذائه مرة ثانية. إنه هو القانون الأوحد في البلاد.
وزير التعليم الموازي:
يتكون كل شيء منه ومن “دائرته الضيقة”، يدير جميع الوزارات بشكل موازٍ بواسطة مستشاريه. وقد ظهر في الأيام القليلة الماضية أنه يدير وزارة التعليم بنفسه من خلال ابنه.
أكثر من 300 نائب موازٍ بالبرلمان:
أخذ من 300 نائب عريضة فارغة خاصة بمرشح رئاسة الجمهورية لاختيار نفسه. وكان يقول: “أفكر في عدة شخصيات لتولي رئاسة الوزراء”. واختار رئيس الوزراء أيضًا، بشكل موازٍ لإرادة نواب البرلمان. ولا يوجد أي هيئة أو مؤسسة حكومية إلا وهو موازٍ في صلاحياتها. فكل شخص يحمل تصديقًا من السيد الموقر موازٍ لكل منصب وسلطة.
أتاتورك الموازي:
قال إنه سيبدأ كفاحًا وطنيًا جديدًا، ذهب إلى مدينة سامسون، وعقد مؤتمرات في مدينتي سيواس وأرضروم. وأنشأ محاكم الاستقلال الخاصة به تحت مسمى محاكم الصلح والجزاء. أنزل لافتة مطار أتاتورك التي تحمل اسم مؤسس الجمهورية، ليصبح اسم المطار “مطار رجب طيب أردوغان”.
كل “الكيانات الموازية” كانت تعمل بشكل جيد معه حتى انفجر الجهاز المركزي الموازي لمراقبة الحسابات العامة مطلع العام الجاري، فتعكر مزاجه وجنّ جنونه، وحاول التغلب على فضائح كفيلة بإعفاء 100 رئيس وزراء من مناصبهم من خلال “هراء الكيان الموازي”. تغافل عن كياناته الموازية، وأعلن مجموعة ضخمة مؤلفة من آلاف المدعين العامين ورجال الأمن أصحاب السمعة الطيبة “كيانًا موازيًا”. وترك خلفه مناصب زائفة خاضعة لـ”مراقبته المستمرة”، وحمل على ظهره جميع المناصب وصعد بها إلى قصر تشانكايا الجمهوري في أنقرة. وإذا كان قد فعل كل ذلك باعتباره مناورات سياسية، فإنه يستحق المدح والثناء لنجاحه، وإن لم يفعل ذلك لتحقيق أغراض سياسية، بل فعَله بموجب اعتقاده، فإنه حينئذٍ يجب علينا أن نضع مفهوماً ومصطلحاً طبيًا مماثلًا للبارانويا نشخّص به هذه الحالة ونفسر جميع ما يحدث في البلاد في الفترة الأخيرة، مثل مصطلح “جنون الارتياب الموازي”.
وعلينا أن نلجأ إلى الأطباء النفسانيين لنسألهم عن ماهية الأعراض التي تجعله يتلفظ بكلمة “موازٍ” 8 آلاف مرة في 8 أشهر، ومع أننا لا نقول ذلك، إلا أن رئيس حزب الحركة القومية المعارض دولت بهشلي قد قال ما هو أبعد من ذلك حين أكّد: “لقد أصبح أردوغان حالة مرضية لن تستجيب للعلاج بعد الآن”.
صحيفة” زمان ” التركية