بقلم: محمد كاميش
بدأت موجة من البلبلة والاضطرابات داخل أروقة حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وهذا شيء طبيعي يمكن أن يعيشه الحزب، بل يجب أن يحدث في أي حزب سياسي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كانت السياسات التي انتهجها حزب الشعب الجمهوري في الماضي خاطئة منذ البداية، وكان خطأ فادحًا أن يهدر حزب المعارضة الأم في تركيا مهمته هذه في طرق أيديولوجية مسدودة، بينما كان ينبغي له أن يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والسياسات الاجتماعية، وكان ينتظَر أن يطوّر سياسات موجَّهة لمكافحة الفساد والرشوة وترسيخ دعائم شفافية الدولة، وبالتالي يكون الحزب في موضع المراقب المتابِع لعملية استغلال موارد الدولة عن كثب.[/box][/one_third]ربما يكون من الضروري أن يتناول الحزب الأخطاء التي ارتكبها، في إطار مناقشة سياساته لإصلاح هذه الأخطاء، لكن لا يجب أن يسفر هذا الاضطراب الذي يشهده الحزب عن عودته مجددًا إلى قالب الحزب الأيديولوجي، ذلك أن تطورًا كهذا يعتبر خطأ كبيرًا من وجهة نظر الديمقراطية في تركيا.
يعرف الجميع أن تركيا تعاني من عدم وجود حزب معارض قوي منذ سنوات طويلة، وكان حزب الشعب الجمهوري، الذي ينجز مهامه بواسطة بيروقراطية الدولة منذ قيام الجمهورية إلى اليوم، يواصل طريقه كشريك سري في السلطة في كل الانتخابات دون أن يحرك ساكنا تقريبًا. وكان الحزب يزاول العمل السياسي الحزبي بناءً على الأيديولوجية حتى وقت قريب، الأمر الذي جعله غريبًا على القيم الأساسية للمجتمع التركي، وكان من المستحيل تقريبًا أن يصل إلى السلطة من خلال تلك الخطابات، غير أنه وبالرغم من كل هذا، لم يكن ذلك يشكل معضلة كبيرة بالنسبة للحزب الذي استطاع تحقيق ما يريد بواسطة بيروقراطيته الرفيعة، غير أن كل شيء تغير بالاستفتاء الشعبي الذي أجرته الحكومة بتاريخ 12 سبتمبر/ أيلول 2010، حيث فرّط حزب الشعب الجمهوري في كل الإمكانيات التي كان قد استغلها حتى ذلك التاريخ.
كانت السياسات التي انتهجها حزب الشعب الجمهوري في الماضي خاطئة منذ البداية، وكان خطأ فادحًا أن يهدر حزب المعارضة الأم في تركيا مهمته هذه في طرق أيديولوجية مسدودة، بينما كان ينبغي له أن يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والسياسات الاجتماعية، وكان ينتظَر أن يطوّر سياسات موجَّهة لمكافحة الفساد والرشوة وترسيخ دعائم شفافية الدولة، وبالتالي يكون الحزب في موضع المراقب المتابِع لعملية استغلال موارد الدولة عن كثب.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لن يصل حزب الشعب الجمهوري إلى بر الأمان سوى من خلال طريق واحد، ألا وهو أن يكون حزبًا لا يجبر أحدًا على تبني أيديولوجية معينة، ولا يدخل في صدام مع المشاعر الدينية للمجتمع، ويكون مراقبًا شديدًا لاستغلال المال العام، ويكافح الظلم والإجراءات المخالفة للقانون بالضبط كما يفعل السيد محمود تانال.[/box][/one_third]ولم يربح الحزب أي شيء من وراء الصراع غير المفهوم، عديم الجدوى، مع قيم المجتمع. بل على العكس تمامًا، فإن هذا الموقف الذي ظهرت به المعارضة مهّد أرضية خصبة من أجل التستر على ما تفعله حكومة حزب العدالة والتنمية التي وصلت بسياسات الفساد والرشوة والإقصاء إلى أعلى درجاتها. لا يزال بعض من الذين شهدوا ظهور ادعاءات الفساد والرشوة، وعجز ديوان المحاسبات عن مراقبة النفقات الحكومية، ونهب المدن، لا يزالون يقولون إلى الآن: “ماذا عسانا أن نفعل؟ هل نعطي أصواتنا في الانتخابات إلى حزب الشعب الجمهوري الذي حظر ارتداء الحجاب؟”.
ولأن ممارسات حزب الشعب الجمهوري في الماضي لا تزال تؤرق الشعب، يفهم البعض أن التصويت للحزب في الانتخابات يساوي عودة الحظر الذي كان مفروضًا على ارتداء الحجاب في تركيا.
بيد أنه ليست المهمة الرئيسية لأي حكومة إجبار الشعب على اعتناق فكر أيديولوجي أو عقدي معين، بل إن مهمتها الأساسية تكمن في الإجراءات، أليس كذلك؟ وإن إجبار الدولة للشعب على اعتناق فكر معين في دولة تتنوع فيها البنى العرقية والعقدية كثيرًا، مثل تركيا، لا يتسبب إلا في حدوث اضطرابات وصراعات.
أما الشيء الذي يجب أن تفعله أية دولة عصرية حديثة، فهو تقديم الحريات في مسألة المعتقدات والأفكار، قدر المستطاع، لا سيما وأننا إذا فكرنا في بنية تركيا المجتمعية ندرك أن هذا الأمر يحمل أهمية أكبر من تلك التي يتمتع بها في أية دولة أخرى.
من أكبر الخطوات التي تحتاجها تركيا هي إنتاج سياسات متصالحة مع كل الأفكار والمعتقدات السياسية، وليس مع الإسلام فقط، وهو ما نراه يسعى إليه السيد كمال كيلتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، في السنوات القليلة الماضية، ولن يصل حزب الشعب الجمهوري إلى بر الأمان سوى من خلال طريق واحد، ألا وهو أن يكون حزبًا لا يجبر أحدًا على تبني أيديولوجية معينة، ولا يدخل في صدام مع المشاعر الدينية للمجتمع، ويكون مراقبًا شديدًا لاستغلال المال العام، ويكافح الظلم والإجراءات المخالفة للقانون بالضبط كما يفعل السيد محمود تانال(نائب برلماني من حزب الشعب الجمهوري).
وإذا نظرنا لنسبة الأصوات التي حصل عليها مرشح المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ودافعنا عن النظرية التي تقول إن الحزب فشل في الوصول إلى مراده، نكون لا نعرف التاريخ حقًا، ذلك أن الحزب لم يصل إلى نسبة 39% من إجمالي أصوات الناخبين في أي انتخابات، وهي النسبة التي حصل عليها إحسان أوغلو، باستثناء نسبة 41% التي حصدها رئيس الوزراء الأسبق بولنت أجاويد في انتخابات عام 1974.
لو افترضنا أن المعارضة رشحت كليجدار أوغلوا لخوض سباق الرئاسة، هل كان سيحصل على نسبة أعلى من إحسان أوغلو؟ إن ما حصل عليه مرشح المعارضة هو نجاح في حد ذاته ولا بد أنه يسجل لصالح حزب الشعب الجمهوري ولا ينسى أحد أن الانتخابات لم تجر على أرضية عادلة.
يجب على حزب الشعب الجمهوري أن يواصل خط التصالح مع أصحاب المعتقدات المختلفة الذي اتبعه في الفترة الأخيرة، وأن يكون حزبًا عصريًا يدافع عن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، ويراقب نفقات الدولة، وينتج سياسة بديلة للحكومة، ولا ينبغي له أن يحيد عن هذا الطريق.