مصطفى أونال
لا أودُّ الكتابة عن تاريخ حزب العدالة والتنمية، لكنني علمتُ أخيرًا أن البارحة هو ذكرى يوم تأسيس هذا الحزب، وعدتُ بالذاكرة إلى 13 عاما خلت. يا لها من أيام! كانت سنوات مليئة بآلام التدخل العسكري في السياسة بعد 28 فبراير / شباط، ولم يكن نشوءُ حزبٍ جديدٍ مفاجئًا بل متوقَّعًا، فهذا الحزب ليس ظاهرة جديدة، إذ إن جذوره في حركة “الرؤية الوطنية”، وقد نشأ على أيدي مجموعة من الحداثيين فيها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ما يجري الحديث عنه اليوم هو الانتخابات ونسبة الأصوات، وليت قيادة الحزب تستطيع فعلاً أن تجري محاسبة على الماضي، فالنقد الذاتي أمر لا بدَّ منه، ولكن مع الأسف الأرقام تَحُول دون النقد الذاتي. وبغض النظر عمَّا كان عليه حزب العدالة والتنمية في سنة 2002 فإن هناك هوة هائلة بين حالته في سنة 2002 وما صار عليه سنة 2014. فقد تغيَّر تغيُّرًا جذريًّا غير مفهوم، وأصبح غريبًا عما كان عليه سابقًا.[/box][/one_third]وكان لهؤلاء انتقادات لسياسة وأسلوب زعيم الحركة نجم الدين أربكان، فقد كانوا يزعمون أن أربكان لا يتماشى مع العصر، وكان الانتقاد الأقوى موجَّهًا لشخصه بحجة إدارته الفردية للحزب بسبب حظره من ممارسة العمل السياسي آنذاك.
ولم يكن بالإمكان السير مع رجائي قوطان (الرئيس السابق لحزب السعادة) في طريق معقَّد، كما لم يكن بالإمكان إدارة الحزب عن بعد. وما كان بوسعهم التهرب من التعامل على أساس الحقائق السياسية لا الأفكار. وبسبب عدم رضا الدولة أُغلقت الأحزاب المنبثقة عن حركة “الرؤية الوطنية” واحدة تلو الأخرى، وحينها كانت الفرصة سانحة أمامهم. فالحركة الحداثية تركت أستاذها الأساسي أربكان، وخطت لنفسها طريقًا جديدة، فقد تخلَّوا عن جذورهم وارتدوا لباسا جديدًا. ونشأ حزب العدالة والتنمية قبل 13 عاما على مبدأ العمل الحزبي الجماعي والابتعاد عن الفردية، والعزم على رعاية شروط السياسة.
والقصة معروفة، استمرت السلطة من 2002 إلى الآن عام 2014، ومن السهل الحديث عن قصة 13 سنة من حكم الحزب بِعَدِّ أرقام صناديق الاقتراع، وما يجري الحديث عنه اليوم هو الانتخابات، ونسبة الأصوات، وليت قيادة الحزب تستطيع فعلاً أن تجري محاسبة على الماضي، فالنقد الذاتي أمر لا بدَّ منه، ولكن مع الأسف الأرقام تَحُول دون النقد الذاتي. وبغض النظر عمَّا كان عليه حزب العدالة والتنمية في سنة 2002 فإن هناك هوة هائلة بين حالته في سنة 2002 وما صار عليه سنة 2014. فقد تغيَّر تغيُّرًا جذريًّا غير مفهوم، وأصبح غريبًا عما كان عليه سابقًا.
أصبح هذا الحزب تحت قيادة تيار مجهول منذ فترة، وهو يسلك طريقًا إلى المجهول. ويرى أن صندوق الاقتراع هو كل شيء، وتعلق بسحر الأرقام. فقد تغيرت سياستهم تمامًا، وساء أسلوبهم، واختفت سجيتهم الإصلاحية. أما مصطلح “الثورة الصامتة” الذي أطلقوه للتعبير عن الإصلاحات لم يبقَ منه إلا الصدى، وما عاد يصلح إلا ليكون عنوانًا لكتاب.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أصبح هذا الحزب تحت قيادة تيار مجهول منذ فترة، وهو يسلك طريقًا إلى المجهول. ويرى أن صندوق الاقتراع هو كل شيء، وتعلق بسحر الأرقام. فقد تغيرت سياستهم تمامًا، وساء أسلوبهم، واختفت سجيتهم الإصلاحية. أما مصطلح “الثورة الصامتة” الذي أطلقوه للتعبير عن الإصلاحات لم يبقَ منه إلا الصدى، وما عاد يصلح إلا ليكون عنوانًا لكتاب.[/box][/one_third]وقد نُسيت معايير الاتحاد الأوروبي، وتُركت المواصفات العالمية. وتحول هذا الحزب إلى حزب أنقرة. وحتى القيم والمقدَّسات فقدت قيمتها. فقد اتَّخذ الحزب معايير خاصة به، وأصبحت القيم بالية.. وهذا مثال صارخ على ذلك فقد تم التغاضي عن إساءة أحد الوزراء للرسول (ص). وما اهتم أحد لذلك.
ولهذا الحزب قضية راهنة اليوم، حيث انتُخب أردوغان رئيسًا للجمهورية الأسبوع الماضي. فمن الذي سيحل مكانه في رئاسة الوزراء. وما الذي سيفعله الحزب دون أردوغان في أثناء البحث عن رئيس للوزراء. وهل ثمة مكان لعبد الله جول في الحزب؟ فليس ثمة خريطةُ طريقٍ متَّفقٌ عليها. وكل الإجابات عند أردوغان.
فحداثيو سنة 2002 أصبحوا اليوم قدامى، وأغلبهم سيُبعَدون عن السياسة لأنهم أتموا ثلاث مراحل انتخابية، فما من مجموعة حداثية في الحزب اليوم. بل هناك حديثو عهد بالسياسة يسببون التذمُّر بالنسبة للعقلاء القدامى، ولم يتكتَّل بعدُ الذين يريدون عبد الله جول رئيسًا للوزراء وللحزب، ولكن يمكن القول إن أصواتهم بدأت تُسمع. فأمامنا سنوات مخاض سياسي.
وسيعيِّن أردوغان، الذي يستمرُّ بممارسة أعماله السياسية، خليفته عبر الاستشارة بوصفه رئيسًا للجمهورية. فقد استشار أردوغان قياديي الحزب كما فعل أربكان من قبل. حيث التقى البارحة مع رؤساء الفروع في المحافظات. فهو يريد أن يستمع لآراء الجميع. وفي 27 أغسطس/ آب سيُكشف النقاب عن مرشَّح وحيد من قِبل أردوغان في مؤتمر استثنائي ليُعرَض على الناخبين.
وما من مفاجأة بانتظارنا. فالأمور واضحة، وإن عددَ المرشَّحين لا يتجاوز الثلاثة. والأسماء التي تُذكر خلف الكواليس وفي دهاليز السياسة والصحف أقل من ذلك.
وإني أنظر إلى التيار الذي يؤثِّر في الحزب الحاكم منذ فترة، إن غدًا لناظره قريب، فليس من الصعب توقُّع من سيتربع على سدة الحكم، وما الذي سيجري فيما بعد.