بقلم: مصطفى أونال
أشعل الكفار نارًا عظيمة في وسط المدينة من أجل إحراق سيدنا إبراهيم – عليه السلام – الذي أعلن الحرب على الأصنام. بادر طائر السنونو إلى نقل قطرة من الماء بمنقاره الصغير، ليتركها فوق النار بعدما أجرى ألعابًا بهلوانية في الهواء. يعلم الطائر أن قطرة الماء التي ألقاها فوق النار لن تطفئها، فهو لم يفعل ذلك إلا من أجل إثبات حسن نيته وصدقه وتحديد صفه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا يوجد أي شيء عادي؛ إذ إن “الطيور تحلق في السماء بقدرها”. والغيوم تغطي سماء المدينة. والدنيا الشائخة تعاني المخاض. ونحن منذ فترة على حافة طريق التاريخ. والزمان ليس كما كان في الماضي، والوقت يسير بسرعة صاروخية. ولقد تسارعت وتيرة التاريخ بشكل لم نشهده من قبل. ونحاول أن نجد الاتجاه الصحيح بينما نقف في مفترق الطرق.[/box][/one_third]ويأتي طائر سنونو آخر يحمل في منقاره بقايا قشّ، ليتسلل ويلقي ما يحمله داخل النار. وغايته ليست زيادة لهيب النيران، بل الإشارة إلى مكانه وصفه وإظهار عداوته. والنتيجة معلومة، فلا قطرة الماء أطفأت الحريق، ولا بقايا القشّ زادته لهيبًا. وقد قال خليلُ إبراهيم، ربُّ العزّة، للنار “كوني برداً وسلاماً على إبراهيم”، ليتحول مكان الحريق في لحظة إلى “حديقة غنّاء”.
ليس هناك سبب خاص لبدء كلامي بسرد حكاية دينية. فأردت فقط أن أشاطركم هذه القصة التي تتبادر إلى ذهني كثيرًا في الآونة الأخيرة.
لا يوجد أي شيء عادي؛ إذ إن “الطيور تحلق في السماء بقدرها”. والغيوم تغطي سماء المدينة. والدنيا الشائخة تعاني المخاض. ونحن منذ فترة على حافة طريق التاريخ. والزمان ليس كما كان في الماضي، والوقت يسير بسرعة صاروخية. ولقد تسارعت وتيرة التاريخ بشكل لم نشهده من قبل. ونحاول أن نجد الاتجاه الصحيح بينما نقف في مفترق الطرق.
يعتبر اليوم يومًا خاصًا بالنسبة للشعب التركي الذي سيذهب ليدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية التي ستكون بدورها “نقطة تحول” مفصلية في تاريخ تركيا. وستختلط الهزيمة بالنصر. والأصل في المسألة هو حكم القدر الذي لا يتبين بسرعة البرق وإنما بالتدرج ومع مرور الزمان. لذا فإن تجلياته المستقبلية المحتملة مجهولة بالنسبة لنا، وليست معلومة إلا لأهله. ومن يدري ربما سيعدّ الغالب مغلومًا والمغلوب غالبًا في نهاية هذا المطاف. فكل الانتخابات تشير بلسان حالها إلى هذا القدر، لا سيما في فترة مؤلمة مثلما نعيشها حاليًا.
لا ريب أن هناك دلالة للانتخابات أبعد من مسألة الوصول إلى قصر جانقايا الجمهوري في أنقرة. ففي هذه الفترة الزمنية “الساحرة” من هذا التاريخ سيتحدد من سيكون رئيسًا للجمهورية. وهناك ما سيحدث بعد ذلك، فالكلمة الأخيرة للشعب، وأما القرار النهائي لتقدير الله.
ماذا سيُكتَب في وسائل الإعلام يوم الانتخابات واضح بين إلى حد كبير، ولا يتغير كثيرًا. فينشَر عنوان عريض على صفحات الجرائد يقول “اليوم هو اليوم الذي سيتكلم فيه الشعب وليس السياسيون”، ويتحدَّث عن صناديق الاقتراع، وفضائل الديمقراطية، والإرادة الوطنية. وتطلَق تعبيرات من قبيل “المهرجان، العيد”. والشعب يجد لنفسه مكانًا ضمن “لعبة السلطة” فقط من خلال صناديق الاقتراع. فاليوم هو يوم الشعب الذي سيغادر مقاعده في المدرجات لينزل الملعب.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الأصوات التي سيدلي بها الناخبون اليوم ليس ترجيحًا لمرشح على مرشح فقط، بل هي بيان للإرادة داخل مجرى التاريخ. فهيا إلى صناديق الاقتراع دون التفكير في النتيجة أو شغل البال بمسألة الفوز أو الخسارة. ولا حاجة للكلام الكثير… صندوق الاقتراع، بوصلة التصويت، الختم. فالوقت هو وقت تحديد موقعنا في مخطط القدر والإشارة إلى صفّنا.[/box][/one_third]يمكننا أن نلخص اليوم بثلاث كلمات؛ صندوق الاقتراع، البوصلة، الختم. فصندوق الاقتراع لم يعد من الخشب، وواكب العصر الذي نعيشه، وأصبح شفافًا. ولا أعرف لماذا تطلَق كلمة “البوصلة” (باللغة التركية) على قطعة الورق التي تضم أسماء المرشحين وصورهم. فهذه البوصلة ليست آلة بسيطة، فهي تحدد الاتجاه الصحيح؛ إذ بإمكانكم إدراك إلى أين تتجهون من خلال النظر إلى تلك البوصلة.
وفي الواقع، إن بوصلة الأصوات تحدد الاتجاه الذي ستسلكه الدولة. وأرى أن إطلاق اسم “بوصلة التصويت” على قطعة من الورق يحمل في طياته معانيَ كثيرة. وستحدد “بوصلة التصويت”، التي تضاءل حجهما في هذه الانتخابات، الاتجاه الذي سيسير فيه المجتمع.
إن الختم المستخدم في الانتخابات بسيط، لكنه ليس عاديًا. فالناخب يشير إلى من يختاره في بوصلة التصويت بهذا “الختم” داخل كابينة لا تتعدى مساحتها المتر الواحد، بعيدًا عن المؤثرات الخارجية. بيد أنه كان يمكن أن يختار الناخب مرشحه بطرق أخرى مثل وضع إشارة بالقلم على ورقة التصويت. ولحسن الحظ أن الاختيار لا يتم إلا بالختم. ذلك أن “من يمتلك الختم فهو السلطان”.
واليوم الختم في يد السلطان سليمان، أي في يد الشعب الذي يمتلك السلطنة وإن كان ليوم واحد. فالسلطان سليمان اليوم هو الشعب، وهو راعي الغنم في الجبال والضابط في ثكنته… الجميع سواسية كأسنان المشط. وعلينا أن نعطيه حق السلطنة ليوم واحد.
وهناك من يقفون بعيدًا عن السلطنة بسبب موسم الصيف وتأثير انتخابات 30 مارس / آذار الماضي. وتعيش الجاليات المقيمة في خارج تركيا خيبة أمل بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ. فنسبة المشاركين في الانتخابات الرئاسية بين أبناء الجاليات في الخارج منخفضة للغاية. وإن نتيجة الانتخابات لن تحددها أصوات المشاركين فحسب، بل ستحددها في الوقت نفسه نسبة الممتنعين عن التصويت، فالخبراء يحللون معطيات الانتخابات منذ أيام وفق “نسبة المشاركة”. فمن لا يتكلم اليوم بصوته فليس له الحق أن يتكلم بالألفاظ غدًا.
إن الأصوات التي سيدلي بها الناخبون اليوم ليس ترجيحًا لمرشح على مرشح فقط، بل هي بيان للإرادة داخل مجرى التاريخ. فهيا إلى صناديق الاقتراع دون التفكير في النتيجة أو شغل البال بمسألة الفوز أو الخسارة. ولا حاجة للكلام الكثير… صندوق الاقتراع، بوصلة التصويت، الختم. فالوقت هو وقت تحديد موقعنا في مخطط القدر والإشارة إلى صفّنا.
لا بد أنكم قد فهمتم وأدركتم: أن صوتًا واحدًا لا يمكن أن يكون صوتًا واحدًا فقط…