بقلم: علي بولاج
بعد أن سلمنا بأن حزب العدالة والتنمية “ليس حزبًا إسلامياً، ولا ينتهج سياسات إسلامية، وبالتالي فلا يمكن تحميل الإسلام والإسلاموية أخطائه وزلّاته بطبيعة الحال”، يبقى لنا أن نتناول “الهويات المتدينة” لمؤسسي الحزب وسياسييه و”انتسابهم إلى التيار الإسلامي”.
لا ريب أن تديّن كوادر حزب العدالة والتنمية وانتسابهم إلى التيار الإسلامي أمر مهم. فتجمعنا بهم حقوق وواجبات، وعملنا معًا، وتربطنا بهم صداقات وعلاقات مقربة. وبالرغم من ذلك قيل “أحب أستاذي / شيخي، لكن حبي للحق أكبر من حبي له”، و”إن الحق يعلو ولا يُعلى عليه”.
وإذا كان الأمر كذلك، ينبغي لأي إسلامي أن يظهر الأخطاء التي يراها، نصرةً للحق، وعليه أن يتجنّب الاشتراك في أخطاء يرتكبها حزب محافظ لا يتخذ الإسلام والإسلاموية مرجعية له.وإن القضية ليست عبارة عن هذا الأمر أيضًا. وسأوضح لكم التفاصيل فيما يلي؛
لا يمكن تكفير مؤسسي حزب العدالة والتنمية بسبب اجتهاداتهم الخاطئة، بناءً على نواياهم الحسنة. لكن الأضرار التي يلحقها “مظهرهم المتديّن” بالدين نفسه أكثر بكثير من تلك التي يتسبب بها تديّن السياسيين المنتمين إلى التيار اليميني الوسطي أو القومي. ذلك أنهم يفرّغون الدين من محتواه جرّاء خياراتهم السياسية الأساسية والسياسات التي ينتهجونها، ويتسببون في تحميل الإسلام والمسلمين فاتورة ظلم تسببت به حكومة لا يصدّق عليها الإسلام أبدًا من حيث فرضياته الفلسفية. ولقد التصق التدين بهم، وإن لم يرغبوا في ذلك بصدق، بسبب تاريخهم ومظهرهم المتدين.
نفهم بالتجربة أن الدين الإسلامي، بهذا المنوال، يتحول إلى البروتستانتينية بأيدي السياسيين المتدينين، ويُنزع منه طابعه الإلهي ليكتسي بطابع دنيوي علماني مادي. وهذا يفتح الباب ليقع العالم الإسلامي لسنوات طويلة تحت الهيمنة الغربية. وكنا قد لفتنا الانتباه إلى خطر البروتستانيتية والعلمنة بشكل مفصل في مجلة “الحكمة والمعرفة” التركية عام 1993.
إن انتقادي الأساسي هو: نحن أمام سلطة تحددها الدولة القومية الحديثة. ولا يمكن لهذه السلطة أن تكون ملكاً لنا. وينبغي للمزاولين للعمل السياسي تحت شعار الإسلاموية أن يفهموا أولًا السلطة المعاصرة بشكل جيد، ومن ثم يحددون معاييرهم في إطار أرضيتها الكلامية والفقهية، وليس من خلال الشعارات المحفوظة.
نحن لا ننتظر هذا ممن يزاولون العمل السياسي داخل حزب العدالة والتنمية، لكن ألا يجب عليهم – على الأقل- أن يتعاملوا بشكل متسامح مع من يلفتون الانتباه نحو الأهمية الحيوية لهذه المسألة؟ غير أنهم لم يفعلوا ذلك، بل إنهم يقولون إن “هويتها المتدينة تكفينا”، ويشوهون صورة من ينصحونهم ويمارسون ضدهم كل أنواع الضغط.
وثمة سؤال مهم متعلق بهذه القضية، ألا وهو: إلى أي هدف من الأهداف الإسلامية الثلاثة اقتربنا بشكل أكبر خلال الاثني عشر عامًا الماضية تحت حكم حزب العدالة والتنمية؟
1- أين وصل المجتمع التركي في نظرته وفهمه وتفسيره للعالم والوجود والحياة والدنيا ومفهوم الإنسان وغايته من منظور إسلامي؟ وكم عدد المثقفين الذين نشؤا في فضاء السلطة السابحة في الموارد العامة، وعدد المؤلفات المهمة المطبوعة في هذه الفترة.
2- هل قرّبت السياسيات الاجتماعية والاقتصادية المتبعَة المجتمعَ نحو طراز معيشة حر وأخلاقي وعادل كما يهدف إليه الإسلام؟ أو أبعدته عن ذلك؟ وهل الحشد الاجتماعي يسير في طريق السلام والعيش جنبًا إلى جنب؟ أم يسير في طريق الاستقطاب والصراع العميق؟
3- إلى أي مدى خدمت حكومة حزب العدالة والتنمية فكرة التكامل الإقليمي أولًا، ومن ثم اتحاد الدول الإسلامية؟ وهل قرّبتنا من هذه الفكرة المثالية أو أبعدتنا عنها؟ وهل بقيت أي منطقة في العالم الإسلامي اليوم تأخذ تركيا على محمل الجد، ليس على مستوى الإدارات السياسية فحسب، بل في الوقت نفسه على مستوى المثقفين الصادقين وزعماء الفكر والرأي العام؟
شبّهتنا سلطة لا تعود إلينا بنفسها، وتحولنا إلى تنين بينما كنا في طريقنا لقتل التنين. يتفكك المجتمع، وتمر الأسرة بمعاناة كبيرة، وتجرح الضمائرُ بسبب التقسيم الظالم للدخول، وتستأسد زمرة محمية بالصلاحيات والسلطات، وتتعالى على التقاليد المجتمعية بفضل الموارد التي تحصل عليها من الحكومة، ويقل وعيها بأوضاع الفقراء والمحتاجين، ويجري تحريض المجتمع بالاسهتلاك المحروم من الفهم والهدف، وتشجَّع القومية والطائفية، ويتم تحويل الملايين من الأشخاص أصحاب الدخول المنخفضة والثابتة إلى مدمني القروض المصرفية بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة.
تتحول مدننا إلى عشوائيات الغرب في هيئة غابات من ناطحات السحاب. وتنجر تركيا، وراء القوى العالمية كأوراق الخريف التي تسقط من على الأشجار، مع وجود خطابات فارغة منتقدة لها في الظاهر، وتستدعي حلف شمال الأطلسي (ناتو) كلما شعرت بالخوف أو الخطر. هذا فضلًا عن ربط الجماعات الدينية والطرق الصوفية والمجموعات المدنية، التي من المفترض أن تقوي المجتمع من الناحيتين الأخلاقية والاجتماعية، بالدولة من خلال المصادر العامة.
أوجه سؤالًا للسيد عمر لكاسيز: أي هذه الانتقادات ظالم أو غير منصف؟ وكلامي لم يتنه بعد