بقلم: طورخان بوزقورت
مساعد رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية “علي باباجان” يعرب باختصار عن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها تركيا في 3 تصريحات مهمة نستخلص منها ثلاثة مفاتيح لألغازه الغامضة.
في التصريح الأول، يكشف لنا علي باباجان عن قضيةٍ أثارت ضجة واسعة في الآونة الأخيرة من خلال إنكار سلسلة من أكاذيب رجل الأعمال التركي الثري وهو من أصل إيراني ’رضا ضرّاب‘، والذي وُصِفَ في الآونة الأخيرة بأنه يقوم بعمليات نقل الأموال بين تركيا وإيران وعمليات نقل الذهب مقابل البترول- مثلما رأينا مؤخراً في مسألة ضبط طائرته المحملة بالذهب- بموجب عمله في مجال الصرافة.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى الآن لم يتم مصادفة أي دليل على الادعاءات التي لطالما رددها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مؤخرًا حول أن الملياردير ضرّاب شخصية ’محبة لعمل الخير‘ وأنه سدّ العجز في الحساب الجاري التركي بما قيمته 15%. فيُشير علي باباجان عن طريق الحنكة الدبلوماسية أن رجل الأعمال رضا ضرّاب لم يفد الاقتصاد التركي بمثقال ذرة من العمليات التي قام بها.
إن منْ يتابعون عملية تجارة الذهب بين تركيا وإيران وعملية ضبط طائرة الذهب العائدة لرجل الأعمال الإيراني الأصل رضا ضرّاب في مطار إسطنبول الدولي، يعرفون جيدًا أن عمليات تجارة الذهب بين البلدين لم تكن إلا عمليات مقايضة الذهب بالنفط والغاز الطبيعي الإيراني كطريقة للتحايل على إجراءات الحظر المفروضة على الاقتصاد الإيراني.
فلم يكن ’رضا ضرّاب‘ إلا وسيطًا استخدمته السلطات الإيرانية للتحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الإدارة الأمريكية. وحسب ما أفادت السلطات الإيرانية حول فقدان 14 مليار دولار، فإن هذه الأموال وهذه الآلية لم تنفع إلا في ملء جيوب وخزانات بعض رجال الأعمال.
فلو كان كل شيء شفافًا وواضحًا ورسميًّا كما يُقال، لكان علي باباجان أوضح في إجابته عن الاستجواب الذي تقدم بحقه تفاصيل الفائدة التي عادت على الاقتصاد التركي جراء التجارة التي قام بها الملياردير رضا ضرّاب بين البلدين. فمع مرور الأيام تتضح الرؤية أكثر فأكثر حول تفاصيل الآلية التي تمت من خلالها عمليات التجارة بين البلدين والتي كان رضا ضرّاب مشاركًا فيها.
ولفهم القضية بشكل أوسع وإلقاء نظرة على مدى تورط من يحاولون تجاهل تحقيقات الفساد والرشوة التي أطلقت في ـ17 من ديسمبر/كانون الثاني الماضي، يمكنكم الاطلاع على سلسلة المقالات المنشورة في جريدة ’زمان‘ في وقتٍ سابق تحت عنوان ’فضائح فساد إيران/ 17 ديسمبر/كانون الثاني‘، والربط بين المعلومات وتصريحات علي باباجان الواردة في هذه المقالات. فإن علي باباجان حتى وإن كان قد قدّم معلومات قليلة ومحدودة، إلا إنه يؤكد عدم وجود أنشطة تجارية أو معطيات تدافع عن هذه العمليات.
كالعادة يتحدث باباجان بطريقة مشفرة غير مفهومةِ لا يستطيع حل لغزها إلا من يقرأ تصريحاته وأحاديثه بتمعن وبدقة مستحضرًا الأحداث والتعليقات السابقة في هذا الصدد؛ ليجد أن كلمة السر المستخلصة من أحاديثه هي: ’الفساد‘.
أما في التصريح الثاني الذي يقدمه لنا علي باباجان تحت عنوان ’لم نستطع أن نكون ديمقراطية متقدمة‘ يمكننا أن نستخلص منه أصح وأكثر التعبيرات دقة عن مدة حكم حزب العدالة والتنمية والتي استمرَّت 12 عامًا. وهذا صحيح… فإذا كنا قد وصلنا إلى الديمقراطية المتقدمة لتمكنت الجهات القضائية المختصة من فتح ملفات التحقيق في قضايا الفساد والرشوة التي تم الكشف عنها في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بكل حرية واستقلالية دون أن تكون عرضة لتدخلات الحكومة.
وما كان ليُصرف النظر عن المادة 138 من الدستور التركي التي تنص على استقلال القضاء. وما كان لوزارة المالية أن تعمل على تصنيف أكثر من 100 شركة بحسب توجهات أصحابها. وما كان لبنك آسيا -أقوى البنوك التركية والمقرَّب من حركة ’الخدمة‘- ليكون عُرضةً لانتقادات رئيس الوزراء.
وما كانت مدارس التقوية أُغلقت وأُزيلت لوحات إعلاناتها من قبَلِ البلديات التابعة للحزب الحاكم. فإذا أدرجنا كل ما يتم خلال الفترة الأخيرة من عمليات وقرارات صادرة من هنا وهناك، لأمكننا أن نستخلص كلمة سر جديدة لألغاز باباجان وهي: ’الظلم‘.
أما التصريح الثالث والأخير المعنون بـ’يجب علينا أن نوجِد 220 مليار دولار خلال عامٍ واحد‘ والذي من خلاله يزيل باباجان الستار اللامع عن الاقتصاد التركي ويظهر حقيقة الأوضاع الاقتصادية في البلاد. نعم… لقد نمت تركيا في الـ12 عشر سنة الماضية خلال عهد حكم حزب العدالة والتنمية؛ ولكن هذا النمو المزعوم الذي تتحدث عنه السلطات التركية لم يكن جراء عمليات إنتاج الاقتصاد، فالسواد الأعظم من عمليات تمويل الاستهلاك تمت من خلال قروض خارجية.
فالصناعة التركية مصابة بداء الاستيراد المزمن الذي لا تستطيع التخلص منه. أمّا من ناحية الدين العام الخارجي للبلاد فإن خلال الـ12 عشر عام الماضية قفز الدين الخارجي إلى مراحل خطيرة إذ وصل إلى ما يقرب من نصف إجمالي الدخل القومي، أي ما يقارب 380 مليار دولار، بالإضافة إلى أن 220 مليار منها ديون قصيرة المدى مستحقة…
فمن الذي يمكنه أن يقبل هذا ويكون مرتاح الضمير؟ وكيف لنا أن نجد 220 مليار دولار وقد أعلنت الأرجنتين في سنة 2001 إفلاسها وعدم قدرتها على تسديد الديون المستحقة عليها بعد نزاع قضائي طويل؛ وتصاعدت المخاطر التي تواجهها البنوك البرتغالية الغارقة؛ واتخذ البنك الفدرالي الأمريكي في الآونة الأخيرة سياساتِ التقشف لتقليل النفقات تدريجيًا بمعدل 10 مليارات دولار في كل شهر؟
فقد انتهت وفرة المال التي حققها زعماء المال ورجال الأعمال الهاربين من الأزمات المالية ومعدلات الفوائد المنخفضة. وستزداد معدلات الفائدة سنة 2015 في البنك المركزي الفدرالي الأمريكي. فما هو مدى استعداد القطاعين العام والخاص إزاء احتمال تحوُّل الدولار إلى الدول الغربية. وإن القطاع التجاري مهدَّد بأزمة القطع الأجنبي والفوائد. من خلال ما مدى استعداد المواطن التركي والقطاع الخاص لتحمل عمليات هجرة النقد الأجنبي باتجاه الغرب؟ فمخاطر النقد الأجنبية.
إن حكومة العدالة والتنمية لا تعمل على إعادة تحسين العمل المؤسساتي، ولا تسعى إلى تحقيق الحرية الاقتصادية، وهي عاجزة عن إدراك أن رياح العولمة التي تنفخ أشرعتها منذ 12 عامًا تهب عكس الاتجاه. وهنا يمكننا أن نستخلص كلمة السر الثالثة لفك ألغاز علي باباجان الغامضة؛ ألا وهي: ’الإفلاس‘.
وعند جمع مفاتيح الألغاز الثلاثة (الفساد-الظلم-الإفلاس) جنبًا إلى جنب. وإنه من المفيد أن تُتخذ التدابير اللازمة بعد التوصل لمحتوى الرسالة الذي يعدُّ أمرًا مثيرًا للريبة والقلق.