بقلم: محمد كاميش
لم تمر 24 ساعة على تهديد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لمجموعة شركات “دوغان” صراحةً في ميادين الدعاية الانتخابية حتى سمعنا أمس، الجمعة، خبر اضطرار رئيس تحرير جريدة حرّيّت أنيس بربر أوغلو إلى للاستقالة من منصبه.
وكان فاتح آلطايلي، رئيس تحرير جريدة خبر تُرك التي تعتبر من أبرز الصحف في تركيا، قد اضطر للاستقالة من منصبه قبيل الانتخابات المحلية التي أجريت يوم 30 مارس / آذار الماضي. وقبل ذلك كانت ملكية صحيفة “آكشام” وقناتي “شو تي في” و”سكاي تُرك” قد انتقلت إلى صندوق تأمين ودائع المدخرات بحجة ديون أصحابها.
وقد غير الصندوق جميع الكوادر العاملة في هذه المؤسسات الإعلامية التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى صحف وقنوات تليفزيونية مملوكة وداعمة للحكومة. وإذا عدنا إلى الوراء قليلًا نشاهد الوضع نفسه يتجسد في واقعة عزل رئيس تحرير صحيفة ملّيّت “دريا سازاك” من منصبه.
ذهب المواطن التركي اليوم، الأحد، للإدلاء بصوته في أول انتخابات رئاسية تجري بالاقتراع المباشر من قبل الشعب. تلك الانتخابات تبدو وكأنها ديمقراطية جدًا؛ إذ سيكون بإمكان الناخب منح صوته للمرشح الذي يريد. لكن إذا تطرقنا إلى الحديث عن مضمون هذه الانتخابات وعن كونها عادلة أو غير ذلك، فهذا الموضوع يحتاج إلى النقاش والجدال كثيرًا.
نحن أمام مرشح للانتخابات الرئاسية استغل جميع إمكانات الدولة للاستعداد لخوض غمار المعركة الانتخابية. لكن هذه الإمكانات تفقد أهميتها إذا ما نظرنا للأحداث الأخرى. قبل كل شيء، هناك عشرات القنوات التليفزيونية التي تقطع بثها الطبيعي وتنقل خطاب رئيس الوزراء أردوغان عندما يخاطب الجماهير، مهما كان موقع الحدث. فجميع القنوات التي يشرف عليها أردوغان بنفسه، إضافة إلى كل قنوات التليفزيون الرسمي للدولة (TRT)، تنقل خطاب رئيس الوزراء على الهواء مباشرة.
وتتحول كلماته وادعاءاته بالحرف الواحد إلى لغة الأخبار على القنوات الإخبارية سالفة الذكر. ويفهم الناس كل ما يقال على قنوات التليفزيون الرسمي (TRT)، المتغلغل في جميع مدن تركيا وربوعها، على أنه كلام الدولة. وللأسف فإن التليفزيون الرسمي، الذي يقف على قدميه بفضل ضرائب الشعب، أصبح يبث برامجه وكأنه قناة الحزب الحاكم.
وكانت قنوات تليفزيونية مثل إن تي في وخبر تُرك تعتبر قنوات إعلامية محايدة في الماضي، أمّا اليوم فقد أصبحت قنوات مؤيدة للحكومة ذات مظهر محايد بعدما هُدِّد مالكوها أو بسبب علاقاتهم التجارية. وتضم كل قناة من هذه القنوات إداريين رفيعي المستوى معيين من قبل الحكومة. ونرى أن مالكي جميع القنوات التليفزيونية والصحف التي تسعى لأن تكون مستقلة ومحايدة، يوضعون تحت الرقابة والسيطرة من خلال مراجعة حساباتهم المالية.
وفي نهاية المطاف أصبح جزءًا كبيرًا من الصحف والقنوات التليفزيونية مضطرين لدعم حكومة حزب العدالة والتنمية! وربما يحدث لكل من يسعى لأن يكون محايدًا وموضوعيًا ما حدث لرئيس تحرير جريدة حرّيّت أنيس بربر أوغلو في أي لحظة. أو على الأقل يتعرض مالكو هذه المؤسسات الإعلامية للتهديد في ميادين الدعاية الانتخابية، لتقوم المؤسسات الأخرى في الدولة بما يلزم لتنفيذ هذا التهديد والوعيد. ولا ينكر أحد أن هناك ظلمًا بيّنًا بين المرشحين الثلاثة في الانتخابات الرئاسية فيما يتعلق بالظهور في وسائل الإعلام.
وإذا انتقلنا بالحديث عن التبرعات التي يتلقاها المرشحون، فهذا موضوع منفصل تمامًا! وبالرغم من أن أردوغان ليس بحاجة للدعم المادي، فإن كل شخص تربطه علاقة عمل بالحكومة عليه أن يقتطع من رواتب العاملين لديه لتقديم الدعم لرئيس الوزراء – على الأقل – حتى تسير أعماله بطريقة طبيعية.
وأما المرشحان الآخران أكمل الدين إحسان أوغلو وصلاح الدين دميرطاش فليس لديهما الإمكانيات نفسها التي يتمتع بها أردوغان. بل إن أحدًا لا يمكنه بالضبط أن يتوقع ما يمكن أن يحدث لأي رجل أعمال يتجرّأ على تقديم الدعم لأحد هذين المرشحين. والاحتمال الأكبر الذي يمكن لأي شخص أن يتوقعه أن من يفعل هذا سيتعرض لمراقبة ضريبية صارمة ولن يستطيع أن يسيّر أي عمل له بالدولة.
وكأن المرشحَين الآخرين لخوض الانتخابات الرئاسية، اللذين حُرما من إدارة حملتهما الانتخابية من خلال تلقي الدعم المادي الشعبي، ليس لديهما أية إمكانية لعرض وجهات نظرهما أمام الناخبين.
وهل يمكنكم القول إنه من السهل منافسة مرشح يدير حملاته الدعائية بميزانيات طائلة، وتعلَّق صوره في المدن الكبرى على مسافات متقاربة جدًا، ويضطر 80% من وسائل الإعلام لدعم حملته الانتخابية، ويعاقَب كل من يدعم منافسَيه في الانتخابات! وهل يمكن أن نصف هذه الانتخابات بالعادلة؟!
جريدة زمان 9/8/2014