بقلم: عبد الحميد بيليجي
سيتوجه الناخب التركي غدًا، الأحد، إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، عقب حملة انتخابية متوترة كالعادة.
وتعتبر هذه الانتخابات من النوع التاريخي ليس فقط لأن رئيس الجمهورية سيختاره الشعب عن طريق الاقتراع المباشر للمرة الأولى في تاريخ تركيا، بل في الوقت نفسه، لأن نتيجة الانتخابات ستؤثر بشكل كبير في مستقبل البلاد. وآمل أن تكون هذه الانتخابات فاتحة خير على الشعب التركي.
تشهد تركيا في هذه الفترة أحداثًا مؤسفة كازدراء شخصيات محترمة وفئات مجتمعية في الميادين، والإقدام على ارتكاب جميع أنواع المخالفات القانونية دون حياء، واستغلال الأكاذيب والافتراءات بلا رحمة، ونشر وثائق فساد الحكومة والمقربين منها على مرأى ومسمع الجميع. ومن المفترض أن يشارك المواطن في الانتخابات ويدلي بصوته في ظل هذه الأحداث بحسب تقاليده الخاصة. هناك جوانب وأبعاد متعددة لهذا الموضوع، لكن يجب على الناخب الانتباه لنقطتين مهمتين بينما يدلي بصوته.
النقطة الأولى هي أن هناك شخصيات ديمقراطية دعمت حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، مثل هاشم كيليتش وأرجون أوزبودون وسامي سلجوق وطه آقيول وحسن جمال ومصطفى أردوغان وكمال كاربات، أعربوا عن قلقهم إزاء ابتعاد تركيا عن المسار الديمقراطي والقانوني للدولة فيما يتعلق ببعض الأحداث التي كان من بينها محاولات الانقلاب وإخطار منتصف الليل ودعاوى إغلاق الأحزاب.
والنقطة الثانية هي أن أردوغان صوّر حركة الخدمة على أنها أكبر عدو للمجتمع، وذلك رغبة منه في تغيير أجندة الرأي العام عقب ظهور مزاعم الفساد التي أسفرت عن استقالة أربعة من وزراء حكومته. لدرجة أن العديد من الأوساط في تركيا بدأت تراودها فكرة أن الصراع بين حزب العدالة والتنمية وجماعة الخدمة هي أكبر مشاكل تركيا. بيد أن كل مَن يمتلك رؤية مخالفة ومنتقدة لأداء الحكومة يعاني الأمرّين في الحصول على حقوقه وحرياته. ولا يخفى على أحد أن صحيفة “يني آسيا” المملوكة لجماعة النورسيين، وصحيفة “ملّي غازيته” المملوكة لأتباع الفكر الوطني، الذي قاده المرحوم نجم الدين أربكان، تَستغيثان، كما أن محبي الشيخ سليمان أفندي والقوميين يعانون مشاكل عدة. تحمل كل أجنحة اليسار الهمّ، كما يشعر الديمقراطيون والليبراليون بالقلق. هذا فضلًا عن المعاناة الكبيرة التي تعيشها دنيا الأعمال والإعلام المستقل.
يصعب على المرء التفريق بين الحقائق والأكاذيب في ظل هذا الوهم الذي يجسَّد على الساحة. لكني سأتطرق للحديث عن موضوع واحد فقط من أجل إثبات كيف أن الأكاذيب تصوَّر كحقائق من خلال الصورة التي تقدَّم إلى المجتمع. إذا نظرنا إلى أردوغان ووسائل الإعلام المؤيدة لحكومته نجد أنهم حسّاسون جدًا فيما يتعلق بمسألة التنصت المخالف للقانون والحياة الخاصة. وهم يشتكون دائمًا من عمليات التنصت غير القانوني من أجل تغيير أجندة الرأي العام المركزة على واقعة الفساد وضمان وقوف الجميع إلى جانب أردوغان في مواجهة حركة الخدمة.
وأنا من جانبي ألعن كل من قام بعملية تنصت بشكل مخالف للقوانين. وإذا كان ثمة مرتكبون لهذه الواقعة، فيجب الكشف عن أدلة واقعية ملموسة وتقديمهم للعدالة. لكني لدي شكوك حول صدق أولئك الذين لا يتورّعون عن الحديث عن هذه القضية باستمرار.
أولًا؛ لو كانوا صادقين فعلًا، لما كانوا استغلوا التسجيلات المصورة لرئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنير بايكال وحزب الحركة القومية (تتضمن مقاطع مخلة بالأخلاق) ليجعلوا منها مادة لدعاياتهم الانتخابية، ولكانوا عاقبوا المسؤولين عن هذه الواقعة. حسنًا، ماذا فعل أردوغان إزاء ذلك؟ ولازلنا نذكر ما قاله في إحدى مؤتمراته الانتخابية: “يقولون إن الإعلام والسياسيين يتدخلون في الحياة الشخصية للأفراد. وهل ما شاهدناه يحدث بينه وبين زوجته حتى يكون شيئًا خاصًا؟ هذا ليس شيء خاص، بل يحدث أمام العامة”. ثم ظهر تسجيل صوتي يدّعي أن أردوغان هو الذي أصدر تعليمات عرض هذا التسجيل المصور في الإعلام.
وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قيليجدار أوغلو قد صرح قائلًا “لا يمكن لشخص أوصل انعدام الأخلاق إلى هذه الدرجة أن يبقى في منصب رئيس الوزراء”. كما طرح بايكال، في تصريح أصدره بالأمس، أسئلة صعبة: “من أصدر تعليمات المؤامرة؟ هل شاركت المؤسسات الحساسة بالدولة في هذا الحادث بتعليمات تلقتها من أحدهم؟ من أصدر تعليمات نشر التسجيل؟ من استغل هذه المبادرة السافلة سياسيًا في اللقاءات الجماهيرية؟ ماذا سيحدث إن ظهر غدًا تسجيلات صوتية ومصورة تبرهن على أن التعليمات صدرت من أعلى منصب سياسي بالدولة إلى مسؤولي أكثر أجهز الدولة حساسية؟”
ثانيًا؛ انتشرت على شبكة الإنترنت في شهر يناير / كانون الثاني الماضي تسجيلات صوتية لمكالمات الأستاذ فتح الله كولن الهاتفية تم تسجيلها بشكل غير قانوني. ولو كان هناك صدق لدى البعض لكانت تمت معاقبة مرتكبي هذه الجريمة. لكن أردوغان استغل هذه المحادثات الخاصة، التي لا تتضمن أي جريمة، لاستخدامها في دعاياته الانتخابية، ناهيك عن أنها لم تصدر بحقها أي إجراءات قانونية.
ثالثًا؛ اتضح أن جهاز الاستخبارات التركي تنصَّت على شخصيات مثل الكتاب الصحفيين المرموقين ياسمين تشونجار ومحمد آلطان وأمبيرن زمان بتهمة الإرهاب والتجسس، تحت أسماء مستعارة مثل ديمي وباستور. وقد أُغلق ملف التحقيق في هذه الواقعة بعدما رفض أردوغان طلب النيابة العامة بإسطنبول محاكمة الموظفين الذين قاموا بعملية التنصت، وذلك من خلال رد أصدره بتاريخ مايو / أيار 2013.
رابعًا؛ وفي الوقت الذي ظهرت فيه فضيحة جهاز الاستخبارات الذي أصبح يمتلك صلاحيات استثنائية بفضل القانون الجديد، أعلن أردوغان أن هيئة الاتصالات، التي أُسست لتكون هيئة مراقبة لعمليات التنصت القانونية، سيجري إغلاقها، لتنتقل صلاحياتها إلى جهاز الاستخبارات. من الجميل انتقاد التدخل في الحياة الخاصة وعمليات التنصت غير القانونية، لكن إذا كان هناك تضاد بين ما يقال وما يُفعل، فمن يؤمن بصدق هؤلاء؟
جريدة زمان 9/8/2014