بقلم: علي يورطاجول
سيترك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان منصبه الذي ظل فيه لاثني عشر عامًا دون أن يترك أي أثر بعدما هدم كل الصروح التي كان قد بناها وكانت ستنقل تركيا إلى الديمقراطية والرخاء الاقتصادي والحصول على العضوية الكاملة بالاتحاد الأوروبي.
نحن على وشك نهاية فترة أردوغان ونظامه، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي تجري بعد يومين. وإن حصيلة هذه الفترة تدمي القلوب. ويبدو أن الوتيرة التي بدأت مع حزب العدالة والتنمية ستنتهي في مكان ما خلف الخط الذي رسمه حزب الرفاه الذي أسسه المرحوم نجم الدين أربكان. كما أن تركيا، التي كان الجميع في منطقة الشرق الأوسط يتناقش فيما بينهم حول كونها نموذجًا ومصدر إلهام حتى ثلاث سنوات مضت، أصبحت في وضع لا يحسد عليه بعدما أُغلقت جميع الأبواب في وجهها وغرقت في مستنقع الوحدة والفساد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]نحن على وشك نهاية فترة أردوغان ونظامه، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي تجري بعد يومين. وإن حصيلة هذه الفترة تدمي القلوب. ويبدو أن الوتيرة التي بدأت مع حزب العدالة والتنمية ستنتهي في مكان ما خلف الخط الذي رسمه حزب الرفاه الذي أسسه المرحوم نجم الدين أربكان.[/box][/one_third]بدأ الحدث بشكل مثير للحماس؛ إذ أسس فريق منفصل عن حزب الرفاه حزبًا سياسيًا عام 2002، وانتشر هذا الحزب تنظيميًا بسرعة البرق في عموم تركيا. وكان المجتمع يبحث عن منقذ؛ إذ كان الفساد منتشرًا في كل مكان، وشاعت حوادث اختلاس البنوك، والجرائم مجهولة الجاني، والضغوط التي يمكن أن نسميها بـ”إرهاب الدولة”، وكانت دولة القانون والاقتصاد قد انهارت تمامًا.
وقد عقد الناخب التركي أن يدفن حزبي الطريق القويم (DYP) والوطن الأم (ANAP) ورئيس الوزراء بولنت أجاويد في ظلمات التاريخ. وقد حصل حزب العدالة والتنمية الناشئ حديثًا على حق تشكيل الحكومة بأغلبية يمكن أن نسميها أغلبية دستورية، وإن لم يكن حزب السلطة بعد. وقد اتجه الناخب لاختيار الحزب لأنه اعتبره “جديرًا بالثقة”، وبسبب اتخاذه موقفًا من الظلم والفساد، وانتقاده للنظام القائم في البلاد.
ولم يخطئ الناخبون في توقعهم هذا. إذ بدأت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وانطلقت وتيرة التحول الديمقراطي، وتضاعف نصيب الفرد من الدخل القومي ثلاثة أضعاف، وتراجعت الوصاية العسكرية التي كانت مفروضة على النظام الحاكم لسنوات. هذا إضافة إلى أن تركيا لم تحصل على عضوية مجموعة العشرين (G-20) فحسب، بل أصبحت في الوقت نفسه عنصرًا استقرار في منطقتها. وبالرغم من أن حزب العدالة والتنمية لم يصغ دستورًا جديدًا، إلا أنه عزز استقلال القضاء والحقوق الفردية الأساسية عبر التعديل الدستوري الذي أجراه عام 2010.
ولهذا السبب توجهت الأنظار نحو تركيا عندما بدأت موجات الربيع العربي، وقيل إنها دولة نموذجية ينبغي الاحتذاء بها. ولم يكن حتى معارضو هذا المصطلح من العرب يرون مانعًا في استخدام تعبير “مصدر إلهام” لوصف تركيا. لكن أحدًا لم يعد يردد هذه المصطلحات بعد اليوم، فحصيلة ما شهدناه خلال الأعوام الثلاثة الماضية تدمي القلوب.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يعاني الاقتصاد التركي بطءاً شديدًا، وأما الأزمة الاقتصادية فلم تعبر “عنق الزجاجة”. وكان نصيب المواطن من الدخل القومي قد تضاعف ثلاثة أضعاف من 3 آلاف دولار عام 2002 إلى 10 آلاف دولار عام 2008. ولا يزال عند هذا الرقم ونحن في عام 2014، أي بعد مرور ستة أعوام كاملة. ونفهم أن حزب العدالة والتنمية لم يفعل شيئًا غير أنه جمع ثمار الإصلاحات التي نثر بذورها الاقتصادية كمال درويش، وأنه لا يمتلك رؤية خاصة به.[/box][/one_third]يعاني الاقتصاد التركي بطءاً شديدًا، وأما الأزمة الاقتصادية فلم تعبر “عنق الزجاجة”. وكان نصيب المواطن من الدخل القومي قد تضاعف ثلاثة أضعاف من 3 آلاف دولار عام 2002 إلى 10 آلاف دولار عام 2008. ولا يزال عند هذا الرقم ونحن في عام 2014، أي بعد مرور ستة أعوام كاملة. ونفهم أن حزب العدالة والتنمية لم يفعل شيئًا غير أنه جمع ثمار الإصلاحات التي نثر بذورها الاقتصادية كمال درويش، وأنه لا يمتلك رؤية خاصة به.
وتعاني علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي بطءاً شديدًا خلال العقد الأخير، وفقدت مفاوضات العضوية جديتها بالكامل. ولم يعد أحد يؤمن بأن حزب العدالة والتنمية لديه مشروع جاد خاص بعضوية الاتحاد الأوروبي. وكانت بعض التطورات التي شهدتها تركيا في الأشهر القليلة الماضية كافية لتعليق المفاوضات مثل حظر موقعي يوتيوب وتويتر على شبكة الإنترنت، وقانون جهاز الاستخبارات، وانتهاكات الدستور، وقانون المجلس الأعلى للقضاء.
ولا أحد يبادر إلى “إنهاء” هذه المسيرة حتى لا تلقي بظلالها على العلاقات التجارية. وإن استطاع رئيس الوزراء أردوغان أن يتحمل الفاتورة الاقتصادية لهذه التطورات، فقد دمر جسور التواصل مع بروكسل تمامًا. ولم يعد توجهه يسير نحو الاتحاد الأوروبي، بل صار يخطو نحو الشرق الأوسط كما كان يرنو حزب الرفاه قديمًا.
لم يعد ثمة أمل في منطقة الشرق الأوسط التي كانت تصف تركيا في وقت من الأوقات بأنها “نموذج”، فالمنطقة تغلي على صفيح ساخن، وتركيا صارت وحيدة بلا حليف، بل إنها تمتلك خلافات مع جيرانها، ولم يعد لها سفراء في بعض العواصم. فهي لم تعد الدولة التي يناقَش معها العديد من القضايا الدولية مثل الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية والعلاقات السورية – الإسرائيلية.
كما ولّت الأيام التي كانت فيها العلاقة مع تركيا مهمة بالنسبة لواشنطن، تلك الأيام التي كان الرئيس باراك يجمعه اتصال هاتفي برئيس الوزراء أردوغان بشكل شبه أسبوعي. ولم يعد هناك سوى تركيا الوحيدة وأردوغان الذي يبحث عن اصطياد أصوات الناخبين من خلال الخطاب العدائي المعادي للغرب واللغة التمييزية. وقد تدهور حال تركيا حتى هوجمت قنصليتها في الموصل، وبدأ البعض يساءل أي طرف تدعمه تركيا في سوريا، وأصبحت في حالة صراع مع العواصم الغربية والأوروبية.
لم يعد حزب العدالة والتنمية كما كان في السابق عندما أُسس من أجل مكافحة المحظورات. ولم يعد هناك سوى تركيا الذي أصبحت فيها حرية الإعلام أسوأ مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، وتدار بالضغوط وأموال الإعلام، وتتغير فيها البرامج التليفزيونية بسماعة هاتف يرفعها رئيس الوزراء، ويُطرَد فيها الصحفيون من عملهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لم يعد ثمة أمل في منطقة الشرق الأوسط التي كانت تصف تركيا في وقت من الأوقات بأنها “نموذج”، فالمنطقة تغلي على صفيح ساخن، وتركيا صارت وحيدة بلا حليف، بل إنها تمتلك خلافات مع جيرانها، ولم يعد لها سفراء في بعض العواصم. فهي لم تعد الدولة التي يناقَش معها العديد من القضايا الدولية مثل الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية والعلاقات السورية – الإسرائيلية.[/box][/one_third]فنحن أمام تركيا يصف رئيس وزراءها الإصلاحات الدستورية التي نفَّذها ودعمناها – بالرغم من عدم كفايتها – بقوله “إنها كانت خطأ”، ويُعلَّق فيها العمل بمبدأ دولة القانون، ويُعزَل فيها القضاة والمدعون العامون والموظفون الأمنيون الذين يكافحون الفساد ويعتقلون، ويعارض فيها الحزب الحاكم ملفات الفساد في البرلمان.
ويحكمنا رئيس وزراء يسعى للفوز على منافسيَه في الانتخابات الرئاسية بوصف أحدهما بأنه ينحدر من عرق الظاظا (كردي)، وهو صلاح الدين دميرطاش، والآخرِ بأنه مرشَّح “زعيم علوي”، يقصد بالمرشَّح أكمل الدين إحسان أوغلو وبالزعيم العلوي كمال قيليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، ويلمّح بتصرفاته إلى العنصرية والعرقية.
أوصيكم بإلقاء نظرة على مغامرة أردوغان الدستورية إذا أردتم أن تروا إلى أين تسير تركيا فيما يتعلق بالمسألة الكردية ومفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني. وكان أردوغان قد بنى صروحًا مفعمة بالأمل إبان توليه منصبه، والآن فهو قد دمر هذه الصروح بينما يغادر منصبه.