بقلم: علي بولاج
إن كل شخص ينتقد حكومةً ما في إطار المرجعية التي يتبناها. فانتقادات اليساريين تختلف عن انتقادات الاشتراكيين، وانتقادات القوميين تختلف عن انتقادات الليبراليين، ويجب أن تكون مختلفة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا إسلاميًا؛ إذ كان قد أعلن إبان تأسيسه أنه لا يتخذ الدين مرجعية له ولا يتبنى هوية سياسية إسلامية. إذن لا يستطيع أي إسلامي أن ينتقد الحزب بسبب السياسيات الإسلامية الصحيحة – الخاطئة التي ينتهجها. فهذا يعتبر ظلمًا للحزب والإسلاموية على حد سواء.[/box][/one_third]إن مرجعية كاتب هذه السطور هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، حسبما يفهمها، والتوجه الإسلامي هو تصوره الوجودي وإدراكه للناس والعالم ووجهات نظره الاجتماعية والسياسية. وأؤمن أنني أعرب عن وجهات نظري وانتقاداتي في إطار وعيي بالمسؤولية التي يحمّلني إياها ولائي للحق والحقيقة. وأعتقد أنه يجب عليّ دائماً مراجعة وجهات نظري وأفكاري نظراً لأنني من الممكن أن أخطئ. لا أشك في المصادر الصحيحة لديني أو في إيماني، لكن أشك دائمًا في معلوماتي وأفكاري.
إن أساس مشكلتنا مع حزب العدالة والتنمية يتلخص في التالي:
إن حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا إسلاميًا؛ إذ كان قد أعلن إبان تأسيسه أنه لا يتخذ الدين مرجعية له ولا يتبنى هوية سياسية إسلامية. إذن لا يستطيع أي إسلامي أن ينتقد الحزب بسبب السياسيات الإسلامية الصحيحة – الخاطئة التي ينتهجها. فهذا يعتبر ظلمًا للحزب والإسلاموية على حد سواء. ولقد شاهدنا في الآونة الأخيرة بعض الكتاب، من الذين لم ينتبهوا بما فيه الكفاية إلى مسألة الفصل بين المفاهيم، يحملون جميع الانتقادات الموجهة للحزب لمفهوم الإسلاموية أو الإسلام السياسي، وهذا بلا شك خطأ وظلم بيّن.
لكن حزب العدالة والتنمية رفض الإسلاموية وظهر على الساحة بهوية سياسية “ديمقراطية محافظة”، غير أن هذا لا يعني أن الحزب لم “يغمز” للإسلاموية خلال الأشهر القليلة الماضية أو أن بعض الجماعات لم تحاول إضفاء صبغة إسلامية على الحزب. وإن بعض الليبراليين من عشاق السلطة، باستثناء الليبراليين المنحدرين من أصل يساري، عمدوا إلى تنفيذ مخططاتهم ورغباتهم من خلال حزب العدالة والتنمية وبادروا اليوم إلى تحويل عجلة القيادة لتأييد السلطة على الفور، كما هو الحال في مصر.
كذلك فإن هناك زمرةً لم تكن في أي وقت سابق من الإسلاميين الحقيقيين، وعارضت حركة الفكر الوطني بزعامة نجم الدين أربكان الراحل وأنصار جماعات النور المختلفة، وجماعة الشيخ “سليمان حلمي توناخان” ومجموعة “إيشيقتشي” وغيرها من الطرق الصوفية والجماعات الراديكالية، وانتهجت إستراتيجية جمع السلطة من خلال رئاسة الشؤون الدينية والدولة، تستغلّ (هذه الزمرة) اليوم أيضًا ورقة الإسلاميوية. والهدف الرئيس من وجود هذه الزمرة، التي قد يوجد بينها بضعة إسلاميين صادقين، هو قطع الطريق أمام الإسلاموية باسم الدولة.
يظل فكر كل شخص وخياراته السياسية لنفسه. وإن مشكلتنا مع أصدقائنا في شارعنا الإسلامي تكمن في عدم تقبُّلهم لانتقاداتنا من منظور إسلامي لحكومة غير إسلامية، وإن كنا محقين في ذلك، وردود أفعالهم التي تصل أحيانًا إلى انتهاك الحقوق.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا أردتم أن تقدموا خيرًا لحزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على فئة من المتدينين، أنصتوا لمنتقديه. وإن لم تفعلوا ذلك فسترون أن الناس بينما “يهربون من المتديِّن” يهرعون نحو “من أخرجوا الدين من الحياة بالكلية”. وإن تجربة العلمانية والعدمية التي تمخضت عن السياسات الخاطئة في إيران يجب أن تكون درسًا محذرًا لنا جميعًا. ولا يمكن أن نوقف هذه الوتيرة من خلال مشاريع “الجيل المتدين من خريجي مدارس الأئمة والخطباء”.[/box][/one_third]ولا شك أنه مشروع أن يوجَّه النقد لحكومةٍ أعضاؤها من “الإسلاميين”، بل هو ضروري وحتمي. ذلك أن هذه الحكومة لا تتخذ “أحكام الدين الخاصة بالمعاملات والعقوبات” مرجعية لها، لكنها تزاول مهامها من خلال “رموز الدين وطقوسه على غرار رئاسة الشؤون الدينية”. وإن لم يعترض إسلامي على ذلك بصوت عال فما هي إذن مهمته؟ نعم، ينبغي لأي إسلامي أن يكون منصفًا، ويتجنب الافتراءات، ليس فقط عند انتقاده حزب العدالة والتنمية، وإنما أيضاً، أيَّ حكومة أخرى. بل عليه أن يكون محذرًا ومرشدًا ومعارضًا للظلم فقط. وإن تجاوزتُ هذه الحدود في انتقاداتي فهذا يعني أنني أستحق النقد أيضًا.
أن تزعم هذه المجموعة أو تلك أنها وحدها من تمسك بناصية الحق والحقيقة، وأن تقدِّم ما تتبناه من تفسير ديني واجتهاد وما يرتبط به من مذهب أو فرقة تشكلت في الماضي على أنه التعريف الأوحد للدين، وأن ترى كلَّ من يخالفونه كفاراً ومشركين ومنافقين قد ضلوا ضلالًا بعيدًا، وأن تحاول معاقبتهم انطلاقاً من ذلك…من الأسباب الرئيسية التي تقف خلف الحروب الطائفية التي تعصف بالشرق الأوسط.
لكن القضية في الواقع هي صراع على سلطة. وإن كل صراع على السلطة لا يجرِي في إطار الأخلاق والأحكام الإسلامية يتسم بالظلم والوحشية. فهناك وقائع ظلم تحدث باسم الدين، حتى يأتي اليوم الذي يقول فيه الجماهير “الكفر يدوم والظلم لا يدوم”، وتُبادر إلى البحث عن “أنوشيروان” ليحلّ محل الحجاج. وكان الحجاج، الذي قتل عشرات الآلاف ممن كانوا تحت سلطة “الخليفة” الأموي حافظًا لكتاب الله، بل هو من وضع التشكيل للقرآن الكريم. لكن المسلمين، الذين عانوا الأمرّين بسبب ظلمه، أصبحوا وكأنهم يبحثون عن الملك الإيراني أنوشيروان عابد النار ليحل مكانه.
إذا أردتم أن تقدموا خيرًا لحزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على فئة من المتدينين، أنصتوا لمنتقديه. وإن لم تفعلوا ذلك فسترون أن الناس بينما “يهربون من المتديِّن” يهرعون نحو “من أخرجوا الدين من الحياة بالكلية”. وإن تجربة العلمانية والعدمية التي تمخضت عن السياسات الخاطئة في إيران يجب أن تكون درسًا محذرًا لنا جميعًا. ولا يمكن أن نوقف هذه الوتيرة من خلال مشاريع “الجيل المتدين من خريجي مدارس الأئمة والخطباء”. وسنكمل الحديث عن هذا الموضوع في وقت لاحق إن شاء الله.