بقلم: ممتاز أرتركونه
حوّل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اللقاء الجماهيري الذي عقده في منطقة مالتبه بإسطنبول قبل يومين إلى مشهدِ وداع. وتكون الجماهير في الاتصالات المباشرة في اللقاءات الجماهيرية في الميدان منفتحة بشكل أكبر على الرسائل العاطفية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن أردوغان الآن يقف تمامًا عند قمة منحدر حادٍّ، وينظر إلى الطريق الصعب الذي بذل جهدًا كبيرًا لقطعه وأفلح، وإلى الطريق القصير المؤدِّي إلى السهل المنبسط عند أطراف هاوية. فالمصير الذي ينتظرنا جميعاً هو الموت. وهو بذلك يذكّرنا بالمستقبل حين يعلن وصيته.[/box][/one_third]ذكّر أردوغان الحشد الذي اجتمع أمامه بأن الدنيا فانية، وبعث إليهم رسائل الوداع، وقال إنه يرغب في أن يوارى جسده ثرى إسطنبول عندما يموت. وكان الحضور في المؤتمر كبيرًا جدًا، والتنظيم ناجحًا للغاية، والرسائل من النوع المؤثّر. وفي الحقيقة لن يستطيع أردوغان أن يخاطب حشدًا جماهيريًا غفيرًا كهذا في إسطنبول مرة ثانية.
وإذا انتُخب رئيسًا للجمهورية فسيغلق دفتر اللقاءات الجماهيرية الخاصة بالدعاية الانتخابية. وإن لم يُنتخب فلن يتمكن من الظهور في الميادين في الانتخابات البرلمانية التي ستجري سنة 2015 بسبب شرط الحد الأقصى لتوليه منصبه لثلاث دورات متتالية، وهو ما تحقق بالفعل.
إن أردوغان الآن يقف تمامًا عند قمة منحدر حادٍّ، وينظر إلى الطريق الصعب الذي بذل جهدًا كبيرًا لقطعه وأفلح، وإلى الطريق القصير المؤدِّي إلى السهل المنبسط عند أطراف هاوية. فالمصير الذي ينتظرنا جميعاً هو الموت. وهو بذلك يذكّرنا بالمستقبل حين يعلن وصيته.
إن النجاح هو المعيار الأوحد للسياسة. كما أن وصفة “فن قيادة الإنسان” لدى أردوغان من أجل ممارسة العمل السياسي رومانسية جدًا وغير واقعية. السياسة هي فن الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها. وأردوغان سياسي ناجح؛ إذ إن دليل نجاحه هو زيادة معدل القوة التي يمتلكها على مدار 12 عامًا منذ توليه منصبه بشكل مستمر. ولا ريب أنه سيخلّف وراءه حكاية نجاح مؤثّرة، بغض النظر عن حجم كلفة هذا بالنسبة له ولتركيا.
والسياسة هي في الوقت نفسه فن الإمكانيات. ولقد خاض أردوغان انتخابات صعبة واستنفد الإمكانيات المتاحة أمامه. ولن تكون لديه إمكانية الحفاظ على قوته القديمة بعدما يصبح رئيسًا للجمهورية. وإن لم يُنتخب فإن جاذبيته، التي سيكون حملها صعبًا جدًا، ستتلقى ضربة موجعة، ولن تستطيع أن تستعيد بريقها كما كانت في الماضي.
إن مدة 12 عامًا من وجود أردوغان على رأس الحكومة مدة طويلة جدًا من ناحية بقائه قويًا باستمرار في ظل ظروف تشهد تحقيق الحد الأدنى من مبادئ الديمقراطية. وأخيرًا فقد انتهت هذه الفترة ليس بسبب انتخابات رئاسة الجمهورية، بل بسبب فضيحة الفساد التي كُشف عنها يوم 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي.
لقد قضت تحقيقات الفساد التي انطلقت يومي 17 – 25 ديسمبر الماضي على المستقبل السياسي لأردوغان بالمعنى الحقيقي. وانهارت جميع المخططات التي كانت في ذهنه. وانتهت فعالية إنشاء المجتمع والحياة السياسية. ومنذ ذلك التاريخ لا يستطيع أردوغان إنشاء أي لعبة نفوذ وسلطة جديدة، بل يحاول فقط الصمود وتحويل القوة التي يمتلكها إلى درع يحمي به نفسه. كما أنه لا يستطيع أن يقوم بأي تخطيط سياسي، حتى إنه لم يعد بمقدوره قيادة النظام الذي شكله مع المحيطين به كقائد الفرقة الموسيقية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد قضت تحقيقات الفساد التي انطلقت يومي 17 – 25 ديسمبر الماضي على المستقبل السياسي لأردوغان بالمعنى الحقيقي. وانهارت جميع المخططات التي كانت في ذهنه. وانتهت فعالية إنشاء المجتمع والحياة السياسية. ومنذ ذلك التاريخ لا يستطيع أردوغان إنشاء أي لعبة نفوذ وسلطة جديدة، بل يحاول فقط الصمود وتحويل القوة التي يمتلكها إلى درع يحمي به نفسه. كما أنه لا يستطيع أن يقوم بأي تخطيط سياسي، حتى إنه لم يعد بمقدوره قيادة النظام الذي شكله مع المحيطين به كقائد الفرقة الموسيقية.[/box][/one_third]ولم يعد نظام توزيع المصالح يعمل كما كان قبل 17 ديسمبر. حتى إن مشروع تشكيل كتلة من الناخبين الأقوياء بأيدي “الأجيال المؤمنة” قد انهار وذهب أدراج الرياح. وإن الإقبال الضعيف في التسجيل في مدارس الأئمة والخطباء يمكن أن يعطيكم فكرة كافية عن الموضوع.
وإن أكبر مشروع يمكن له أن يطوِّره في هذا الصدد هو عبارة عن إنشاء محاكم الصلح الجزائية وتعيين قضاة لها فحسب، من أجل فتح تحقيقات لإثبات وجود “الدولة الموازية”. وقد يغيب عن أذهان معظم الناس، أن أردوغان زعيم لا يستطيع الحركة من مكانه أو التخطيط بسبب الحدبة الضخمة التي على ظهره. فهو الآن يصارع من أجل البقاء والصمود. هل كان أردوغان أكثر استبدادًا أمس أو اليوم؟ من أجل تحقيق هذه المقارنة ينبغي لنا الفصل بين سعيه للتستُّر على جرائمه عبر العديد من الانتهاكات القانونية، وسعيه لاستغلال السلطة على حسب أهوائه.
إن يوم 17 ديسمبر هو في الوقت نفسه تاريخ تشكيل أردوغان تحالفًا مع أعدائه الذين صارعهم بكل ما أوتي من قوة في وقت من الأوقات في أعماق الدولة. وكما تعلمون فإن تشكيل التحالف يعني تقاسم السلطة؟ تقاسم السلطة مع من؟ مع الانقلابيين الذين حاولوا الإطاحة به سابقًا.
وإذا تمت الحرب بالتعاون مع أعدائكم القدامى ضد الإسلامي المدني صاحب القوة والجذور القوية في تركيا، فإن مشروع “الجيل المتدين” الذي تسعون لتنفيذه سيتحول تلقائيًا إلى حساب رد فعل سياسي. وإذا مزقتم المجتمع من أجل تقوية الدعم الشعبي الذي يقف ورائكم بينما تقاومون التحقيق في قضية الفساد، فإنكم تفقدون موقعكم الأخلاقي وتغلقون مجال المناورات السياسية.
إن أردوغان يمارس سياسة طائفية بشكل رسمي. وهل يمكن لزعيم كهذا أن يدير دولة؟ وإن الاستقطاب هو نتيجة طبيعية لقلة الحيلة. وهو يقوم بتنفيذ مخطط مذهبي طائفي من أجل الحصول على دعم الشعب.
لقد فقد أردوغان كل شيء منذ يوم 17 ديسمبر الماضي. وفي الحقيقة إن تركيا هي التي فقدت أشياء كثيرة بسببه. أوليس الكتاب الذين يبحثون عن ذرائع لتسويغ الفساد، وبراهينَ لإدانة الدولة الموازية، يستنفدون في الحقيقة رأس مالهم الثقافي كالنقود المعدنية؟ أوليس هذا خسارة كبيرة؟