بقلم: لاله كمال
يحتجز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الإرهابي، الذي غيّر اسمه إلى الدولة الإسلامية قبل فترة قصيرة، 49 شخصًا، من بينهم القنصل التركي العام، منذ 52 يومًا في مدينة الموصل العراقية التي بسط سيطرته عليها.
وقد أصدرت الحكومة التركية تعليمات بفرض حظر قضائي على نشر الأخبار المتعلقة بواقعة الرهائن الأتراك في الموصل، لكنها ارتكبت خطأ فادحًا. وربما إن لم تكن الحكومة قد فرضت حظرًا على نشر الأخبار بشأن هذه القضية لكان الضغط الدولي على داعش قد ازداد نتيجة التناول الإعلامي المتواصل للقضية، ولَكان الرهائن قد أطلق سراحهم قبل فترة طويلة. وفي الواقع، لو كنا قد حصلنا على معلومات استخباراتية حول انتقال عناصر داعش من سوريا، الذي تحارب فيها ضد نظام بشار الأسد، إلى العراق، كما كتبنا في وقت سابق، واستغللنا هذه المعلومات بالطريقة المثلى، لكان من الممكن إجلاء موظفي القنصلية التركية في الموصل قبل أن يهاجمها هؤلاء الإرهابيون وقبل أن يسقطوا في أيديهم كرهائن.
إن واقعة احتجاز تنظيم داعش للمواطنين الأتراك كرهائن في الموصل هي انعكاس لابتعاد أنقرة عن السياسات العقلانية على حساب مخالفتها للمصالح القومية، وكذلك تعتبر نقطة انعكاس أخرى لتحول تركيا من جديد إلى دولة متورطة في صراعات مع جميع جيرانها، فيما يشبه إلى حد كبير الأيام التي ابتدع فيها الوضع الراهن حجة لمواصلة القول بعبارة “ليس للتركيّ صديقٌ إلا التركيّ”.
لقد أصبحت تركيا، في سياستها المنغلقة إزاء الأزمة السورية،كمدمن لعبة البوكر الذي استخدم جميع أوراقه، ولم يكتفِ بذلك، بل بادر إلى استنفاد كل ما يمتلكه على أمل أن يفوز في اللعبة. وإذا كانت الوثائق التي كشف عنها حزب الشعب الجمهوري المعارض قبل وقت قريب صحيحة، فإن الحكومة التركية قدمت الدعم بالسلاح للتنظيمات المتطرفة مثل داعش وجبهة النصرة على أمل إسقاط نظام بشار الأسد. كما انتشرت ادعاءات في جميع دول العالم تفيد بأن أنقرة قدمت السلاح لهذه التنظيمات وسمحت لعناصرها بالمرور إلى سوريا عبر الأراضي التركية.
تشير مصادر دبلوماسية غربية إلى أن أنقرة زادت من تعاونها مع السلطات الغربية لمواجهة عبور العناصر الجهادية الأجنبية من الأراضي التركية للانضمام إلى صفوف تنظيمات مثل داعش، وأن بعض هذه العناصر قُبض عليها وأُودعت السجن. بيد أن تركيا لم تغلق حدودها بالكامل أمام عبور الأفراد، إلى جانب المساعدات الإنسانية؛ إذ إن هناك دلائل واضحة حول عبور عناصر جهادية إلى سوريا عبر الأراضي التركية.
وبالرغم من أن تركيا رفعت من تدابيرها الأمنية على الحدود لمنع عبور العناصر الجهادية إلى سوريا، فإن الأوان قد فات. فإلى جانب الهجمات الإرهابية التي نفذتها عناصر داعش أو النصرة، كما يُدعى، داخل الأراضي التركية في مدينتي ريحانلي ونِيده، تنتشر أنباء في وسائل الإعلام تشير إلى أن أتباع هذه التنظيمات ينشرون الدعوة إلى الجهاد بين الشباب في إسطنبول، أي أنها اتخذت من تركيا مرتعًا لها تفعل بها ما تشاء.
إذن، هل يمكن لتنظيم داعش، الذي ارتكب مجازر وحشية خلال تطبيقه لأحكام الشريعة الإسلامية في المناطق التي سيطر عليها في العراق، أن يتقدم أكثر ويستقر في العراق بشكل دائم؟
إن إجابة هذا السؤال مرتبطة بشكل وثيق بمدى نجاح وفد المستشارين العسكريين المكون من 150 فردًا الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى بغداد لتدريب عناصر جيش الحكومة المركزية على العمليات الخاصة لمواجهة عناصر داعش، وكذلك بمدى قدرة سكان المناطق التي يسيطر عليها داعش على تلبية احتياجاتهم من الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وما إلى ذلك.
ذلك أن داعش يقاتل من جهة في العراق، ومن جهة أخرى في سوريا، أي في جبهتين مختلفتين، ومن ناحية ثالثة يدخل في صراع بين الحين والآخر مع المقاتلين الأكراد التابعين لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهو بذلك يستنفد قواه القتالية. ولهذا السبب، لا يكون من الخطأ إذا قلنا إن سكان المناطق التي يسيطر عليها داعش قد يثورون عليه في أية لحظة بسبب فشله في تقديم خدمات البنية التحتية لهم.
وبالتوازي مع النجاح الذي سيحققه المستشارون العسكريون الأمريكيون في طرد عناصر داعش من الأراضي العراقية، ربما يدخل هذا التنظيم الإرهابي في مفاوضات من أجل الخروج من العراق والهرب عبر الأراضي التركية في مقابل إطلاق سراح الرهائن الأتراك المحتجزين في الموصل.
وفي نهاية المطاف ربما ينسحب داعش من العراق بالسرعة نفسها التي جاء بها إليه. ويبقى لاعب البوكر المدمن يبكي على ما فقده.