بقلم: مصطفى أونال
ينطلق ماراثون الانتخابات الرئاسية في تركيا الأسبوع المقبل، غير أن الأجواء هادئة وليس هناك أي مظهر من مظاهر الحماس أو الفرحة، بل ثمة صمت عجيب يسيطر على شوارع البلاد. لا تجد في الشوارع المظاهر الملونة إلا نادرًا. وبالطبع فهناك علامات تدلك على الناخب، لكنها ليست كافية. ترى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في الميادين، فيما لم تنزل المعارضة إلى الساحة كما ينبغي. فهل تتغير هذه الأجواء في الأسبوع الأخير قبل إجراء الانتخابات؟ وهل تهبّ رياح الانتخابات تدفع البلاد بأسرها إلى الوقوع تحت تأثيرها؟ لم لا؟
لكن هذا ليس بالأمر الهيّن. فهذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي تشهدها تركيا وينتخب فيها الشعب رئيسه بطريقة الاقتراع المباشر وليس عن طريق البرلمان. والمواطن التركي معتاد على منح صوته للأحزاب والشعارات الانتخابية. غير أنه لم ينتخب رئيسه بطريقة مباشرة في أي انتخابات مضت. ولهذا السبب فإن الدعاية الانتخابية تسير بطريقة قليلة الخبرة من قبل الشعب والأحزاب على حد سواء.
إن حزب العدالة والتنمية الحاكم يعي جيدًا ما عليه فعله، ذلك أن مرشحه في الانتخابات هو رئيسه أردوغان. ولا يعاني الحزب من أزمة في التحفيز. لكن الوضع مختلف تمامًا بالنسبة لأحزاب المعارضة؛ إذ إن أكمل الدين إحسان أوغلو، أقوى المرشحَين لمواجهة أردوغان، ليس شخصية سياسية قادمة من داخل الأحزاب. فالدافع الأكبر بالنسبة لهم هو إيقاف تقدم الخصم، بمعني الحيلولة دون انتخاب أردوغان. وهذه هي الفكرة التي جمعت أحزاب المعارضة حول مرشح واحد.
علينا أن نتقبل بسعة صدر عدم التمكن من دخول البلاد أجواء الانتخابات، وكذلك قلة الخبرة التي نشهدها هذه الأيام. وبطبيعة الحال فإن الجميع قلق بشأن تأثير هذه الأجواء في نسبة المشاركة في الانتخابات. وما أعداد الناخبين المشاركين في الانتخابات في الخارج إلا خيبة أمل بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فالمشاركة أقل من 10%، وهو ما يصعب تصديقه. وقد شهدت أماكن إقامة الجاليات التركية في الخارج واقعتين للمرة الأولى، أولهما إجراء الانتخابات الرئاسية عن طريق الاقتراع المباشر من الشعب، وثانيهما تصويت الناخبين في صناديق الاقتراع بمكان إقامتهم.
للمرة الأولى يذهب المواطن التركي المغترب إلى صناديق الاقتراع؛ إذ كان في الماضي يذهب للإدلاء بصوته في بوابات الجمارك. وبطبيعة الحال ثمة أسباب كامنة تراجع الإقبال على صناديق الاقتراع في الخارج، أحدها عامل نظام تحديد موعد للمقابلة، وثانيها عدم اعتياد الكثير من المواطنين على استخدام الإنترنت، وأما ثالثها هو إجراء الانتخابات في أشهر الصيف التي تعني الراحة والاسترخاء وقضاء العطلات في تركيا بالنسبة للمغتربين. فتجد مدن الأناضول تمتلئ بالسيارات التي تحمل لوحات معدنية من دول أوروبية، كما هي العادة كل صيف.
وهذه رسالة لانخفاض نسبة المشاركين في الانتخابات من الخارج. ومن الصعب أن نحدد نسبة الناخبين الذين سيقطعون إجازتهم في تركيا للتصويت في مكان إقامتهم في دول أوروبا. إلا أنه من المحقق أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ستكون أقل من أي انتخابات كانت في الماضي.
حسنًا، كيف هو تقييم أداء المرشحين في الدعاية الانتخابية؟ إن الأعين كافةً موجَّهة نحو أردوغان المرشح الأقوى والأوفر حظًا. وليس من المفاجأة أن يواصل أردوغان طريقه من المكان الذي توقف عنده في الانتخابات المحلية التي أجريت نهاية مارس / آذار الماضي. وهو لا يشعر بالملل عندما يقول الأشياء ذاتها بالكلمات نفسها بنغمة الصوت عينه. ولم يغير “جو رمضان” أسلوبه في انتقاد منافسيه.
إن أردوغان سلقي خطابات ويوجِّه رسائل إلى الشعب وكأنه يخوض غمار الانتخابات البرلمانية وليس الانتخابات الرئاسية. فرئاسة الجمهورية ليست منصبًا لمزاولة العمل السياسي في تركيا، لكن بالرغم من ذلك، إلا أن “سياسة الحزب” تسيطر على كل ما يتفوه به السيد أردوغان. هذا فضلًا عن أن إمكانيات الدولة لم تُستغَلَّ لهذه الدرجة في أي انتخابات سابقة. وقد سخرَت جميع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها التليفزيون والإذاعة الحكومية (TRT)، لخدمة الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء.
إن أردوغان متوتر للغاية، وهو ما ينعكس على صوته وكلامه. فهم يتكلم وكأنه يتشاجر مع شخص ما. صحيح أن السياسة كفاح وصراع، لكن ليس لهذه الدرجة. نجده يتعارك مع الجميع باستثناء حزبه، المعارضةِ، أنصارِ جيزي بارك، الكيانِ الموازي… ولا تجمعه علاقة طيبة إلا بأعضاء حزبه وأنصاره، إضافة إلى تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي بالطبع… إن أسلوب أردوغان بعيد كل البعد عن احتضان جميع أفراد المجتمع، كما شهدنا هذا في أحداث بلدة سوما المنكوبة.
فإذا رُشح السياسي في أي انتخابات، لا سيما انتخابات رئاسة الجمهورية، فعليه أن يكون قادرًا على التجول في كل مكان، وليس في الحيّ الخاص به فقط. ولكن لا نرى منه حتى مزاحاً أو فكاهة. فكبرياؤه يمنعه حتى من تلفظ أسماء المرشحَين الآخرين. فهل من الصعب أن يخاطب منافسَيه بقوله “السيد إحسان أوغلو” أو “السيد دميرطاش”؟ إن أسلوب أردوغان بعيد كل البعد عن احتضان جميع طياف الشعب؟
حسنًا، ما هو وضع المرشحَين الآخرين؟ إذا عقدنا مقارنة بينهما وبين رئيس الوزراء سنجدهما ليسا متوترين مثله. فكلا المرشحين لا يمتنعان عن المزاح والدعاية عند اللزوم. فعلى سبيل المثال، طرح السيد إحسان أوغلو إحدى النكات في مرة بقوله “إذا أردت الخبز فعليك بأكمل الدين، وإذا أردت الخبز السوري (اللافاش) فعليك بمنصور ياواش”. كما رد دميرطاش على منافسه إحسان أوغلو الذي قدم بعض التبرعات له ولأردوغان بقوله “شكرًا جزيلًا يا أستاذي! لقد أتعبت نفسك، لكن لدى أردوغان كثير من هذه الأموال، فبإمكانك تحويلها جميعًا إليّ”.
نعيش الأسبوع الأخير قبل الانتخابات. أردوغان متوتر، وأما إحسان أوغلو فهادئ، فيما نجد دميرطاش يسيطر على مشاعره. والشارع صامت. فهذه الأيام السبعة لن تحدد مستقبل الناخب فقط، بل مستقبل تركيا أيضًا.