بقلم: محمد كاميش
كلما شعرت بالضيق جراء الاستماع إلى بعض الأشخاص الذين لا يتفوهون إلا بالكراهية والحقد كلما أمسكوا ميكروفونًا بأيديهم، أجد نفسيتسارع إلى الاستماع للكلمات التي قالها “قدري جميل يكيت“ في أثناء اعتقاله؛ إذ يقول “أنا شرطي! أقبض على اللص إذا رأيته.
ولقد تربيتُحسب التقاليد الإسلامية – التركية. وتعلمت تقاليد الدولة في أكاديمية الشرطة. ولقد استدعتني دولتي، فلبيت النداء وجئت للمحاسبة. ولم أفعل شيئًا أخشى أن أحاسَب عليه. وأدعو الله أن ينزِّل بلاءً على مَنْجاروا على أبناء هذه الأمة من أجل أن لا يحاسَب أبناؤهم”. ثم أعيد الاستماع لهذه الكلمات، وأقول في نفسي إن هناك أشخاصاً شجعان في هذا البلدولكن لا نعرفهم.
يبادر مدرب الفريق إلى إخراج اللاعبين الذين نجحوا في تأدية مهامهم على ساحة الملعب، في الدقائق الأخيرة من نهاية المباراة. وهو لا يخرجهم لأنهم لميلعبوا جيدًا، بل لرغبته في إكرامهم ومكافئتهم. كما يبدو ذلك من لون أيدي الآلاف من المتفرجين، إذيتحول إلى اللون الأحمر من كثرة التصفيق بينما يسيرهؤلاء اللاعبون إلى خارج الملعب.
وهناك هدف واحد يسعى المدرب لتحقيقه من وراء سحب هؤلاء اللاعبين من الملعب، وهو تقدير هؤلاء اللاعبين أمام المشجعين. وإن كان في الظاهر أن هذا اللاعب يخرجمن الملعب، فإن ما يرنو المدرب لتحقيقه هو مكافأةمن صالوا وجالوا في الملعب لتسعين دقيقة وبذلوا جهدًا كبيرًا إلى أن فاز الفريق بالمباراة…
لو لم تقع هذه الأحداث لما كنَّا رأينا هؤلاء الشرطيين الذين تركوا بصماتهم على العقد الأخير من بلدنا، ولما كنا صفقنا لهم بقلوبنا، ولما كنا قد علمنا بوجود هذا الفريق، صاحب التربية والخبرة والتعليم والشخصية المتميزة، ولَكُنَّا نواصل الظنَّ بأن أفكاراً سيئة وصورة سلبية غطَّت أفق بلدنا.
فلقد علمنا بأنهناك العديد من القلوب الشجاعة لم نكن نعرفها أو نتخيلها في تركيا، وأن لدينا أبناء في هذا الوطن شجعان يضحون بأنفسهم من أجل بلدهم وشعبهمولا يلهثون وراء الشهرة.
لم تصب هذه الواقعة أحدًا بالخوف أو الهلع، ولم يفكر أحد في تقديم الاعتذار وتقبيل الأيادي كما يريد نائب رئيس الوزراء بولنت آرينتش. وأثبتت هذه الواقعة للبعض أنهم محقون في دعواهم. وأما نحن فقد فهمنا أن هناك عددًا كبيرًا من الشجعان بحيث لا نتخيله في تركيا. وازداد إيماننا وثقتنا بهذا البلد.
لقد تمَّ الكشف قبل عدة أيام عن هدف المساعيالرامية إلى تلفيق التهم ضد الأبرياء في المحاكم المنشأة لأداء مهمة معينة: اطلب الصفح وقبِّل الأياديحتى نلغي هذه المحاكم. وفي مقابل هذه الكلمات التي قد يكون صاحبها قالها بنية طيبة، يؤكد رئيسُالوزراء أردوغان أن هذه التحقيقات ستستمروسيتسع نطاقها.
وهو يفكر في ما هو أبعد من ذلك. ويملي عليه غضبه أن يواصل كفاحه إلى أن لا يبقى أي شخص أو مدرسة أو نزل طلابي على صلة بحركة الخدمة. لماذا؟ توجد إجابة واحدة على هذا السؤال، ألا وهي ظهور الممارسات والأعمال التييشتغل بها مَن يحوزون سلطة الدولة.
لقد حاسب التاريخ جميع عهود الظلم في يوم من الأيام. ولا يمكن تدمير ادعاءات الفساد والرشوة، ولو بدت اليوم وكأنها تم التستر عليها وتوقّفت التحقيقاتالجارية في إطارها. وقد ضمُّوا إلى ذلك الظلمَ الذيارتكبوه في سبيل التستر على ادعاءات الفساد والرشوة.
وسيكتب التاريخ في صفحته السوداء هذه الحقب وهؤلاء المسؤولين في تلك الفترة. ولقد ازداد إيماني كثيرًا بأن هذه الأيام التي نعيشها ستمر خلال وقت قصير عندما رأيتُ الشرطيين الشجعان. وأعتقد أن هذه التطورات إنما حدثت لننتبه – من زاويةالقضاء والقدر – لهؤلاء الشرطيين الذين اجتثُّوا جذورحوادث الخطف والإرهاب في المدن والجرائم مجهولة الجاني ومحاولات الانقلاب على الحكومة خلال العقد الأخير، وإلا لما كنا قد لاحظنا هؤلاء الأشخاص الشجعان أصحاب القلوب الجريئة.