بقلم: علي بولاج
لا يخفى على أحد أن قسمًا من الإسلاميين أصحاب السياسة أو الأفكار الراديكالية لا يحبون جماعة النور، التي نعلم أن قسمًا منها هو الآخر يحمل شعورًا مماثلا تجاه الفريق المقابل، لكن قراءتي الشخصية للمشهد تؤكد أن كلا التيارين كانا حركتين سعيتا للقضاء على هزيمتنا العسكرية والسياسية والاجتماعية التي تعرضنا لها في مواجهة الغرب اعتبارًا من القرن التاسع عشر، ولم يكن أي واحد من أتباع هذين التيارين يحمل أية غاية أخرى سوى تحقيق هذا الهدف. وإذا كانت إضافة لاحقة “ي” إلى كلمة “إسلام”؛ لتكون “إسلامي”، أمراً خطيراً من الناحية الدينية، فلا بد أن تكون إضافة اللاحقة نفسها إلى “نور”؛ لتكون “نوري” خطيراً على المستوى ذاته.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا يخفى على أحد أن قسمًا من الإسلاميين أصحاب السياسة أو الأفكار الراديكالية لا يحبون جماعة النور، التي نعلم أن قسمًا منها هو الآخر يحمل شعورًا مماثلا تجاه الفريق المقابل، لكن قراءتي الشخصية للمشهد تؤكد أن كلا التيارين كانا حركتين سعيتا للقضاء على هزيمتنا العسكرية والسياسية والاجتماعية التي تعرضنا لها في مواجهة الغرب اعتبارًا من القرن التاسع عشر، ولم يكن أي واحد من أتباع هذين التيارين يحمل أية غاية أخرى سوى تحقيق هذا الهدف. [/box][/one_third]إن المشكلة نابعة في الأساس من الأولويات المختارَة، فكون الأولوية لدى فريق مختلفة عن الفريق الآخر هو أمر مشروع وضروري، ذلك أن الحياة نفسها متعدد الأبعاد. وعلى سبيل المثال، فإن “السياسة” هي حدث اجتماعي، كما أن العوامل التي أوجدت ما هو اجتماعًا تستمدّ وجودها ومواقفها من الأفكار والمعتقدات المختارَة، ولا يمنحنا انتسابنا لهذه الفرقة أو تلك الحقَّ في أن نعلن كيان الآخرين على أنه غير شرعي ونسعى لتدميره، كما لا يلزِم اعتبار كل معتقد أو فكر على أنه الحق بصفته حقيقة واقعة، فهذا الأمر سارِ بين الجماعات صاحبة الأديان والمعتقدات المختلفة، كما أنه معمول به كذلك بين الجماعات المختلفة المنتسبة لدين واحد (المذاهب، الطرق، الجماعات، الفرق).
تعتبر جماعة النور واحدة من التيارين الرئيسين للإسلام الاجتماعي في تركيا، والتيار الآخر هو الطرق الصوفية، وتشكّل الجماعة البنية الأساسية لحياتنا الاجتماعية، وتتخذ الأناضول مركزًا لأنشطتها، بالضبط كما أن جماعة الإخوان تتخذ مصر؛ والجماعة الإسلامية وجماعة التبليغ والدعوة تتخذان شبه الجزيرة الهندية (الهند وباكستان) مركزين لهما. غير أن أهداف هذه الجماعات ومُثلها واحدة، وهي خط الدفاع عن المركز الاجتماعي، وتختار قواعد من الطبقتين الدنيا والوسطى، وقد ظهرت على الساحة كمنتج للمدارس الدينية التقليدية دون الأخذ بعين الاعتبار الإسلام الرسمي (كليات الإلهيات، ورئاسة الشؤون الدينية، والهيئات الأكاديمية). وللأسف فإن أتباع هذه الحركات فرّوا هاربين من المدرسة التقليدية، وعقدوا الآمال العريضة على المدارس والجامعات الحديثة، وإذا أردنا أن نعدل فعلينا القول بأن هذه الجماعات تمتلك خبرة ثقافية وكلامية أعمق بكثير من تلك التي تمتلكها الأوساط العلمانية والإسلام الفكري والسياسي. مع ذلك، وللأسف، فإننا لا نرى هذه الخبرة القوية لدى أتباع هذه الجماعات.
غير أنني أرى أن أبرز خاصية لدى جماعة النور هي تمحورها حول “الكتاب”، ويرتبط تمحور الحركة حول الكتاب بشكل كبير ببصيرة وفراسة الشخصية التي ألّفت “رسائل النور” التي تعتبر هي المؤلفات الرئيسة التي تعتمد عليها الجماعة، وبفضل هذه البصيرة والفراسة، تخطّت هذه الجماعة وحركتها الحدود القومية لتركيا وبدأت تبثّ رسالتها على مستوى العالم، بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على وفاة قائدها وملهمها الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي، ولو كانت هذه الحركة ترتكز حول شخص أو تنظيم ما، لما كانت أتيحت لها هذه الفرصة للانفتاح على العالم والاستمرار إلى يومنا هذا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الشيء الوحيد في العالم الذي يقلق كاتب هذه السطور هو الوضع الحالي والمستقبلي للفكر والمبادئ الإسلامية التي تسيطر على العالم الإسلامي بأسره، فيجري فهم الأشخاص والأحداث وتناولها من هذا المنظور، وأنا أعير اعتبارًا لكل نقد يوجهه شخص يحافظ على جهد النقد والتفاوض عند مستوى “الفكر”، ولا “يشخصن” القضية، ولا يضرب “تحت الحزام”، ولا ينشر الافتراءات والإهانات، ولا يخرج الموضوع عن أصله، وبالطبع يتحدث عن علم وعمق ثقافي، وأما من هم خارج هذا الإطار فهم بالنسبة لي في حكم المعدوم.[/box][/one_third]ومن هذا المنطلق، فإن تأميم”رسائل النور” يعني إخضاع جماعة النورسية لإمرة الدولة، ويجب على جماعات النورسية وسائر الجماعات الإسلامية الأخرى معارضة هذا الطرح، فعندما عرض الخليفة هارون الرشيد إعلان كتاب” الموطأ” الذي ألفه الإمام مالك بن أنس كتاب الفقه الرسمي للدولة، عارض الإمام على الفور، وينبغي أن تكون واقعة عدم طبع كتاب” التجريد الصريح” ،الذي تسيطر عليه الدولة، بسبب احتوائه على بضعة أحاديث مخالفة للرؤية الرسمية للدولة، محذِّرة بما فيه الكفاية فيما يتعلق بمسألة “إسلام الدولة”.
ملاحظة: علينا أن نصبر على الأحداث الصعبة التي تعيشها تركيا والشرق الأوسط، وأن نستخرج الدروس والعبر اللازمة منها. يقيس الفيلسوف الصيني كونفوشيوس مستويات الناس الذهنية والأخلاقية من خلال مراتب “الأشخاص والأحداث والأفكار”، فيرى أن الأشخاص قليلي الفكر يهتمون بالأشخاص، والأشخاص متوسطي التفكير يهتمون بالأحداث، وأن الأصل هو الأفكار، وهذا لا يعني أبدًا أن نتغاضى عن الأشخاص والأحداث، بل هو على العكس تمامًا ينصحنا بتناول الأشخاص والأحداث من منظور الأفكار.
إن الشيء الوحيد في العالم الذي يقلق كاتب هذه السطور هو الوضع الحالي والمستقبلي للفكر والمبادئ الإسلامية التي تسيطر على العالم الإسلامي بأسره، فيجري فهم الأشخاص والأحداث وتناولها من هذا المنظور، وأنا أعير اعتبارًا لكل نقد يوجهه شخص يحافظ على جهد النقد والتفاوض عند مستوى “الفكر”، ولا “يشخصن” القضية، ولا يضرب “تحت الحزام”، ولا ينشر الافتراءات والإهانات، ولا يخرج الموضوع عن أصله، وبالطبع يتحدث عن علم وعمق ثقافي، وأما من هم خارج هذا الإطار فهم بالنسبة لي في حكم المعدوم (كأنهم لم يكونوا)، وسأتناول في وقت لاحق إن شاء الله أسئلة الأستاذ عمر لكاسز الذي وجّه أسئلته ونقده في إطار هذه المبادئ.
صحيفة “زمان” التركية