بقلم: ممتاز أر توركنه
مع مرور الأيام والأشهر منذ الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة، في 17 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بدأت الحقائق تتجلى عن بعض المفاهيم والمصطلحات مثل: “عمليات ضد تركيا”، و”المؤامرة الخارجية”، و”الخيانة”، وغيرها من الادعاءات التي اعتاد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على ترديدها خلال الفترة الماضية.
وإن كانت ادعاءات أردوغان المذكورة بعيدة عن الواقع وحقائق الدولة التركية، فإن تهديداً حقيقياً محدق بالبلاد. ولكن من المتسبب في هذا التهديد؟ فالحقائق والوقائع تتجلى وتطفو على السطح واحدة تلو الأخرى، والتي سيشهد التاريخ عليها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن السبب في دخولكم إلى هذه السوق السوداء هو القوة الجاذبة التي لا تقاوم لعمليات غسيل الأموال، إذ توفر ربحًا كبيراً في فترة قصيرة، وتحولون هيمنة الدولة إلى أموال بوصفكم السلطة السياسة، وفي النهاية يكون قرار رئيس الوزراء هو ما يُحدد مَنْ، وما هو القدر الذي سيحصلون عليه من هذه العملية، يأتي أحد رجال الأعمال إلى البلاد، ويودع أموالًا ويحقق ربحًا للاقتصاد، ولكن السؤال، إلى أين تذهب هذه الأموال؟ وفي جيب من تتدفق؟[/box][/one_third]فقد أطلقت وزراة العدل والسلطات المالية الأمريكية إجراءات عملية التحقيق حول بنك “الزراعة” التابع للحكومة التركية بتهمة عمليات غسيل الأموال وخرق الحظر المفروض على كلٍ من حكومتي إيران والسودان.
وفي السياق ذاته أفادت الأنباء عن بدء تحقيقات أخرى مع بنكي “الشعب” و”الأوقاف” التركيين. كيف ستكون النتائج؟ كونوا على ثقةٍ بأنه وبدون شك سيحدث انهيارٌ اقتصادي داخل المجتمع التركي، ومن الممكن التوصّل إلى هذه النتيجة من القرار النهائي الصادر مطلع الشهر الجاري حول بنك “بي أن بي باريبا” الفرنسي، والذي يُتهم للأسباب نفسها مع بنك “الزراعة” التركي، إذ يُتهم بخرق الحظر المفروض على كلٍ من إيران، والسودان، وكوبا.
وعلى الرغم من تدخلٍ من الجانب الهولندي، ومحاولات التوسل إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإلغاء القرار، إلا أن كل ذلك لم يجدِ، وتم فرض عقوبةٍ على البنك الفرنسي قُدّرت بـ9 مليارات دولار، تعد أكثر من نصف قيمة العمليات المالية التي تم إنجازها في الفترة الماضية، كما يتم التحقيق مع بنكين فرنسيين آخرين هما “سوسيتيه جنرال” و”كريدي أجريكول” لأسباب مشابهة. ولم تقتصر قضايا التحقيقات مع البنوك المشتبه في تورطها في مثل هذه القضايا على البنوك الفرنسية فقط، بل طالت التحقيقات بعض البنوك الألمانية أيضًا مثل بنكي “Deutscheban” و”Commerzbank” .
وللإجابةً على الأسئلة التي تُطرح حول كيفية تمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من فرض عقوبات بهذا الحجم على البنوك والمؤسسات المالية التابعة للدول الأخرى، فإن الولايات المتحدة تتمتع بهيمنة على شبكة رأس المال العالمية والعمليات المالية التي تُجرى بها، وهذا هو السبب الذي يفسّر حرص الدول ذات الاقتصادات الضخمة على تحقيق أكبر قدر من احتياطيات النقد الأجنبي، وخاصة من الدولار الأمريكي، حيث أن تلك الدول هي التي تموّل الاقتصاد الأمريكي الذي لا ينتج شيئاً، فهي تتبع سياسة:”إما أن تدفع العقوبة المفروضة عليك أو ستتعرض أنت أيضًا لعقوبات وتضييق للخناق”.
وعند تدقيق النظر في المعنى الحقيقي لتدخل وزارة العدل والسلطات الأمريكية في إجراء التحقيقات حول التهم الموجهة لبنك الزراعة التركي، فإن هذا يعني انتقال التحقيقات في قضايا الفساد والرشوة، المعروفة إعلاميًا بفضيحة 17 ديسمبر، إلى الولايات المتحدة. ووفقًا للادعاءات والتهم الموجهة للبنك حول خرق الحظر المفروض على إيران، فإن حيلة بيع ونقل النفط والذهب الإيراني عبر تركيا، تمت بشكلٍ مباشر بغرض التحايل وخرق الحظر المفروض على إيران. والمنطقة تشهد خلال الفترة الحالية مشاكل مشابهة لذلك متمثلة في قضية النفط والغاز الكردي، فالمشكلة تتحول بشكلٍ تلقائي إلى قضية وطنية؛ وذلك لأنكم تعتمدون على قوة الدولة وتستخدمون صلاحياتها في هذه التجارة.
إن السبب في دخولكم إلى هذه السوق السوداء هو القوة الجاذبة التي لا تقاوم لعمليات غسيل الأموال، إذ توفر ربحًا كبيراً في فترة قصيرة، وتحولون هيمنة الدولة إلى أموال بوصفكم السلطة السياسة، وفي النهاية يكون قرار رئيس الوزراء هو ما يُحدد مَنْ، وما هو القدر الذي سيحصلون عليه من هذه العملية، يأتي أحد رجال الأعمال إلى البلاد، ويودع أموالًا ويحقق ربحًا للاقتصاد، ولكن السؤال، إلى أين تذهب هذه الأموال؟ وفي جيب من تتدفق؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان أردوغان أعلن في عام 2010 أن رأس المال في تركيا تغير، وبالفعل فإنه هو من غيّر أصحاب رأس المال في البلاد، ولكن بالطريقة التي ذكرنا أعلاه، فنحن اليوم أمام نظام رأسمالي جديد قائم على ريع الدولة وسياسات المنطقة، لكن الربح الذي تحقق من رأس المال هذا سيدفع الشعب التركي ثمنه، وبأضعاف مضاعفة، للولايات المتحدة، فالبنوك الثلاثة التي يتم التحقيق معها في القضايا التي ذكرناها هي بنوك حكومية، لن تضر الشعب التركي فقط، بل ستضر الدولة أيضًا بهذه التجارة.[/box][/one_third]وبالتوازي مع ذلك، فإن نفط إقليم كردستان العراق الذي يتم تخزينه على الأراضي التركية يتدفق إلى السوق العالمية دون توقف ليحقق ربحًا لبعض الأشخاص، وكما نقلت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة فإن رئيس إقليم كردستان العراق “مسعود برزاني” أعلن خلال زيارته الأخيرة لتركيا أنه قد تم فتح حساب بنكي في بنك “الزراعة” التركي لإيداع أموال بيع البترول الذي سيتم تصديره إلى السوق العالمية، ومن الممكن أن تكونوا واثقين من أن قدر الأموال التي يتم إيداعها في حساب إقليم كرستان العراق الذي أصبح مستقلاً إلى حد ما، يقترب من قدر المبالغ المالية التي يحصل عليها رجال الأعمال المقربين من رئيس الوزراء.
وفي الواقع، فإن تركيا في موقف حرج بسبب هذه التجارة، وأصبحت سياسة الجمهورية التركية في المنطقة رهن هذه التجارة، وإذا نظرنا إلى السياسة الخارجية التركية تجاه المملكة العربية السعودية وقطر، فسنجد أنها عنصر في لعبة رئيس الوزراء، فهو يستمر في رفع إشارة “رابعة” خلال إلقاء السلام في كل المؤتمرات الشعبية التي يشارك فيها، وأيضا لا يهاجم السعوديةَ الحليف الأول للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
كان أردوغان أعلن في عام 2010 أن رأس المال في تركيا تغير، وبالفعل فإنه هو من غيّر أصحاب رأس المال في البلاد، ولكن بالطريقة التي ذكرنا أعلاه، فنحن اليوم أمام نظام رأسمالي جديد قائم على ريع الدولة وسياسات المنطقة، لكن الربح الذي تحقق من رأس المال هذا سيدفع الشعب التركي ثمنه، وبأضعاف مضاعفة، للولايات المتحدة، فالبنوك الثلاثة التي يتم التحقيق معها في القضايا التي ذكرناها هي بنوك حكومية، لن تضر الشعب التركي فقط، بل ستضر الدولة أيضًا بهذه التجارة.
الرأسمالية تعني القوة اليهودية، ولا يصعب علينا أن نربط بين موقفنا العاجز تجاه ما يحدث في قطاع غزة والتحقيقات التي تم فتحها خلال الأيام الأخيرة بالولايات المتحدة، وفي النهاية سيتم فرض العقوبات المالية نتيجة هذه التجارة، وسنعلم جميعا في هذا الوقت بكم بيعت تركيا.
صحيفة” زمان” التركية