بقلم: عبد الحميد بيليجي
سيطر تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام “داعش” على مدينة الموصل في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، وعلى القنصليّة التركيّة بالموصل في اليوم التالي، على مرأى ومسمع من الإعلام والحكومة والرأي العام، ومضى، حتى الآن، واحد وأربعون يومًا على احتجاز الرهائن الأتراك من الدبلوماسيين بالقنصليّة، البالغ عددهم 49 دبلوماسيًّا، ولا نعرف إلى وقتنا هذا الدافع وراء اختطافهم، ونجهل مكان وطريقة احتجازهم، والسؤال عنهم ممنوع بقرار المحكمة الذي يمنع نشر أي معلومات حولها، وأنسب ما يمكن قوله لوصف هذه الحالة هو أنها أضحت مأساة صامتة.
كانت الرسالة التي نشرها مساعد القنصل التركي “فاروق دنيز”، بمثابة إشارة تنبيه بالخطر المحدق، حيث نوّه في السادس من يونيو/ حزيران على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “ما زال الصراع قائمًا بين داعش والقوات العراقيّة، أعان الله الناس الموجودين بمدينة الموصل” ، ثمّ كتب في اليوم التالي: “داعش ينعت الجنود العراقيين الذين قتلهم في الموصل بأنهم جنود صفويون، من وجهة نظره”. أمّا الرسالة التي كتبها في الثامن من يوليو/ تموز فهي تعكس مدى استشعاره بأن ناقوس الخطر بدأ يدق، حيث قال: “يوم الأحد هو أول يوم لي في العمل، بيد أن هذا التنظيم المدعو داعش لا يجعل النوم يخالط أجفاننا”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ستنجلي الحقيقة إن عاجلا أم آجلا، إلّا أن النتيجة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ هناك 49 دبلوماسيا وأقاربهم محتجزين، من بينهم 31 فردا من أفراد العمليّات الخاصة، في يد “داعش” كرهائن منذ 41 يومًا، ويردد المسؤولون كل يوم على مسامع ذوي الرهائن نفس العبارات، وهم ينتظرون إطلاق سراحهم بفارغ الصبر، حيث أن سبب صبر أهالي الرهائن واحترامهم لهذه الوعود هو خشيتهم من أن يقتل أحد من المحتجزين بوحشيّة، أو أن يتم استخدامهم كدروع بشرية.[/box][/one_third]استشعر محافظ الموصل “أثيل النجيفي” خطر دخول داعش إلى العراق، وسرعان ما هرب برفقة حراسته الخاصة من قصر النجيفي إلى محافظة أربيل بعد أن كانوا مختبئين في أماكن شتى. على أنّ المحافظ كان على اتصال دائم بالقنصل العام في الموصل أوزتُورك يلماز، حتى آخر لحظة، والمحافظ قال لقناة “الجزيرة تُورك” : “أجريتُ اتصالًا هاتفيًا مع القنصل العام قبل سقوط الموصل بيوم، وكنت أرغب في أن يُطلِع أنقرة على خطورة الموقف، وعلى الرغم من أنني سبق وأن ذكرت أن الحالة آلت لوضع سيئ آخذ في الازدياد، رد علي بأن وجود تركيا بالموصل في ظل هذه الأوضاع ضروري. كانوا يثقون بالجيش العراقي وغرفة العمليات المشتركة الموجودة بميناء الموصل الجوي المقرّب منهم، ومهما كانت الظروف، كانوا يعقدون الأمل على أن الموصل لن تسقط”.
وبحنكة من يلماز استطاع أن يستشعر الخطر وقام على الفور بتدمير أجهز الحاسوب والوثائق التي تتضمن معلومات سريّة، ولسبب ما لم يخل مبنى القنصليّة”.
ما كتبه “مراد صابونجو” حول اقتحام القنصلية التركية واختطاف الدبلوماسيين، يظهر أن أنقرة كان لديها علم مسبق بوقوع هذا الخطر، وأنه تم إعلام الجهات المسؤولة بالخطر قبل ثلاثة أيام من اقتحام القنصليّة في الحادي عشر من يونيو/ حزيران، كما قال مسؤول رفيع المستوى لصابونجو: “إن هاكان فيدان مستشار جهاز المخابرات القومي التركي أُخبر بأن خطر” داعش” بات قاب قوسين أو أدنى قبل الحادث بثلاثة أيام، وشدّد على ضرورة إخلاء مبنى القنصلية”.
وكتبت “أصلي أيدنطاش باش” عن الحادث، قائلة إن مصادرها الشخصية تؤكد صحة هذه المعلومة، كما ذكرت أن المخابرات التركية طلبت انسحاب فريق القوات الخاصة من القنصلية.
حسنًا، كيف تعاملت وزارة الخارجيّة التركيّة؟ وما هو موقف وزيرها أحمد داود أوغلو حيال هذا الحادث؟ في اليوم الذي استولى فيه داعش على مدينة الموصل توجّه سيادته إلى نيويورك لحضور اجتماع روتيني، وكان قد كتب على صفحته الخاصة في “تويتر” قبل الاقتحام بأربع وعشرين ساعة: “نتابع عن كثب تطورات الأحداث في العراق على مدى ثمان وأربعين ساعة، بالإضافة إلى أننا على تواصل دائم بسفيرنا في بغداد وقنصلنا العام في أربيل، وتم اتخاذ جميع التدابير الأمنيّة بالقنصليّة، وأتقدم بخالص الشكر إلى الدبلوماسيين وموظفي الأمن في القنصليّة على موقفهم الشجاع النبيل”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]في الوقت الذي تسعى فيه مجموعة إدارة الأزمات بالخارجيّة جاهدة، ليل نهار لإنقاذ الرهائن، جعل هذا الحادث الأليم تركيا تقف مكتوفة الأيدي حيال المجازر التي يرتكبها “داعش” ضدّ الأكراد والتركمان، فضلًا عن أننا بتنا نسمع كل يوم من البعض إتهامات موجهة ضدّ أنقرة لتأييدها “داعش” في فترة من الفترات، كما أن تصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تبدو مثيرة للدهشة والغرابة إذ تحمل في طياتها أسلوب الاستعطاف، حيث يدعو “داعش” إلى إطلاق سراح الرهائن إن كانوا حقًّا مؤمنين.[/box][/one_third]كانت رسالة داود أوغلو علامة ثقة بالنفس بالرغم من التحذيرات الخطيرة وطلبات الإخلاء التي جاءت من الموصل وأنقرة، إلّا أن هذه الثقة سُرعان ما انقلبت ضدّه وجعلته عُرضة لانتقادات لاذعة بمجرد أن اقتحم أعضاء”داعش” القنصليّة في ظرف أربع وعشرين ساعة.
وعليه، قرر داود أوغلو العودة على وجه السرعة إلى أنقرة، بعدما سقطت قنصليته التي زعم أنها في أمن وسلام، وعلق للصحفيين في نيويورك علي هذا الموقف قائلًا: “ليس لأحد أن يختبر قوّة تركيا وصبرها، وإن أية أضرار ستلحق بمواطنينا ودبلوماسيينا ستلقى أشد الرد”، وحول سؤال وجّه له بخصوص عدم إخلاء القنصليّة، قال: “أصدرنا قرار الإخلاء قبل يومين، ولكن تركنا القرار النهائي لتقديرات الدبلوماسيين في القنصليّة”.
ستنجلي الحقيقة إن عاجلا أم آجلا، إلّا أن النتيجة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ هناك 49 دبلوماسيا وأقاربهم محتجزين، من بينهم 31 فردا من أفراد العمليّات الخاصة، في يد “داعش” كرهائن منذ 41 يومًا، ويردد المسؤولون كل يوم على مسامع ذوي الرهائن نفس العبارات، وهم ينتظرون إطلاق سراحهم بفارغ الصبر، حيث أن سبب صبر أهالي الرهائن واحترامهم لهذه الوعود هو خشيتهم من أن يقتل أحد من المحتجزين بوحشيّة، أو أن يتم استخدامهم كدروع بشرية، وقال أحد أقارب الرهائن إنه لو تمكن من الوصول لباقي عائلاتهم سيتظاهر معهم أمام وزارة الخارجيّة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه مجموعة إدارة الأزمات بالخارجيّة جاهدة، ليل نهار لإنقاذ الرهائن، جعل هذا الحادث الأليم تركيا تقف مكتوفة الأيدي حيال المجازر التي يرتكبها “داعش” ضدّ الأكراد والتركمان، فضلًا عن أننا بتنا نسمع كل يوم من البعض إتهامات موجهة ضدّ أنقرة لتأييدها “داعش” في فترة من الفترات، كما أن تصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تبدو مثيرة للدهشة والغرابة إذ تحمل في طياتها أسلوب الاستعطاف، حيث يدعو “داعش” إلى إطلاق سراح الرهائن إن كانوا حقًّا مؤمنين.
إن القضيّة الـمُلحة التي تستوجب الحل على وجه السرعة هي إنقاذ الرهائن، لكن الفضيحة الكبرى التي تبعث على الذهول، هي عدم إخلاء مبنى القنصلية في حين أن محافظ الموصل نفسه هرب لأن وضعه الأمني خرج من تحت سيطرته.
لم تنته الفضيحة عند ذلك فحسب، إنما شهدت تركيا حظر النشر والتغطية الإعلاميّة، على نحو لم تشهده دولة ديمقراطيّة قط، إذ أصدرت الحكومة قرارًا بحظر نشر أو كتابة أي شيء يتعلق بأحداث القنصليّة، وبات من العسير تسليط الضوء على النقاط الـمُظلمة في تلك الأحداث، كما تعذر إفساح المجال لأهالي المحتجزين لأن يسمعوا صوتهم، على أية حال علينا أن ندعو لهم ليتم إطلاق سراحهم ويقضون العيد في منازلهم وسط أهاليهم.