بقلم: علي بولاج
هناك ثلاثة اتجاهات رئيسة سارت فيها الإسلاموية التي ظهرت على ساحة التاريخ اعتبارًا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أحدها هو الإسلام الفكري (الثقافي) الذي يقترح تحولاً ذهنياً جذرياً على العالم الإسلامي، وأبرز شخصيات هذا الاتجاه محمد عبده، ومحمد إقبال، ومالك بن نبي، وعلي شريعتي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يعتبر الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي واحدًا من أكثر شخصيات الإسلام الفكري والاجتماعي تأثيرًا، حتى إنه يمكن تصنيفه على أنه النموذج الوحيد في هذا المضمار، وأعتقد أن النورسي يعتبر إسلاميًا يقدّم التحول الفكري ذي المركز الإيماني والتعزيز الأخلاقي على الهدف السياسي، أي الإسلام السياسي.[/box][/one_third]أما الاتجاه الثاني فهو الإسلام الاجتماعي الذي يطرح فكرة إعادة تأسيس المجتمع المسلم وترسيخه على أساسِ الإيمان “الصحيح” والأخلاق الرصينة، وأبرز شخصيات هذه الاتجاه هم حسن البنا في مصر، وفتح الله جولن في تركيا.
فيما يركز الاتجاه الثالث على فكرة الإسلام السياسي، الذي يتخذ طريق الكفاح من أجل إعادة الهيمنة الإسلامية باستخدام إمكانيات السياسة وأجهزة الدولة، وأبرز رموز هذا الاتجاه هم جمال الدين الأفغاني، وسيد قطب، وأبو الأعلى المودودي، وآية الله الخميني.
ويعتبر الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي واحدًا من أكثر شخصيات الإسلام الفكري والاجتماعي تأثيرًا، حتى إنه يمكن تصنيفه على أنه النموذج الوحيد في هذا المضمار، وأعتقد أن النورسي يعتبر إسلاميًا يقدّم التحول الفكري ذي المركز الإيماني والتعزيز الأخلاقي على الهدف السياسي، أي الإسلام السياسي.
وإذا كانت الإسلاموية تعتبر فكرة مثالية لاتحاد الإسلام، وتسعى لفهم عالم الوجود من خلال المنظور القرآني وتأسيس نظام اجتماعي توجِّهه الأحكامُ الإلهية؛ فإن الشيخ النورسي جمع في شخصه هذه المثل الثلاثة، كما أن أولويات الشيخ كانت صحيحة.
يوجد تياران أساسيان للإسلام الاجتماعي في تركيا، أحدهما الطرق الدينية التي تواصل وجودها في حياةِ المدينة وفق النموذج الصوفي التقليدي، وثانيهما جماعات النور، نسبة إلى العلامة بديع الزمان سعيد النورسي ومؤلّفه”رسائل النور”، التي ظهرت حديثًا كنتيجة للمدينة والهجرة منها.
ولم يكن الشيخ النورسي ينكر حقائق التصوف وتجربته التاريخية عندما قال: “الآن ليس وقت الطريقة”، بل أشار إلى ضرورة وجود نموذج تنظيمي عملي جديد في حياة المدينة الجديدة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا شكّ في أن الحركة النورسية تعتبر الهيكل الرئيس للإسلام في تركيا، بجميع أنواعها المختلفة وتنظيماتها المتعددة، ولهذا السبب لم تكن علاقة الجمهورية التركية، التي مرّت على مدار تاريخها بمراحل التنظيمات والمشروطية والجمهورية، جيدة مع الحركة النورسية.[/box][/one_third]لا شكّ في أن الحركة النورسية تعتبر الهيكل الرئيس للإسلام في تركيا، بجميع أنواعها المختلفة وتنظيماتها المتعددة، ولهذا السبب لم تكن علاقة الجمهورية التركية، التي مرّت على مدار تاريخها بمراحل التنظيمات والمشروطية والجمهورية، جيدة مع الحركة النورسية، وهناك أسباب لهذا التنافر، وهي:
1- يمتلك الشيخ النورسي أفكارًا قوية، وأعتقد أنه نجح في تأسيس”الكلام الجديد” الذي كان يأمل في تأسيسه الشيخ “إسماعيل حقي” الإزميري دون أن يضع له اسمًا، ولقد أسس الشيخ النورسي كلامًا قويًا باستخدام إمكانيات التفسير، ولم تستطع الحكومة والجماعات المخالفة له في تركيا على مدار تاريخ الجمهورية أن تربّي مثقفًا يستطيع التفوق عليه.
2- كافح الشيخ النورسي طيلة حياته ضد الدولة، وصمد أمام مصطفى كمال أتاتورك في أقوى فتراته، ولم يتصالح أبداً مع الدولة بعكس بعض جماعات النور ولم يطالب النورسي إلا بالحرية في الحياة المدنية.
3- اتجّه الشيخ النورسي إلى المجتمع، والتفّت حوله الطبقات المستضعفة والفقيرة والوسطى من المجتمع، وساهم هذا التوجه في أن يشكل الشيخ كيانًا مدنيًا قويًا بعيدًا عن الغرب وخاصًا بالمجتمع التركي. إن السياسة هي شيء اجتماعي، ولا يمكن للسياسي في أي وقت أن يغفل عن علم الاجتماع.
4- كان الشيخ النورسي مسلمًا يفكر بطريقة عالمية، ولأن شخصيته وأفكاره كانت من النوعية التي يمكنها تخطّي حاجز القومية والمحلية بسهولة، فإن حركة “الخدمة” وسائر الجماعات الأخرى، التي سارت على دربه تستطيع نقل أفكاره إلى كل مكان في العالم، كما أن أفرادها يهاجرون إلى كل بقاع العالم عند الضرورة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان الشيخ النورسي مسلمًا يفكر بطريقة عالمية، ولأن شخصيته وأفكاره كانت من النوعية التي يمكنها تخطّي حاجز القومية والمحلية بسهولة، فإن حركة “الخدمة” وسائر الجماعات الأخرى، التي سارت على دربه تستطيع نقل أفكاره إلى كل مكان في العالم، كما أن أفرادها يهاجرون إلى كل بقاع العالم عند الضرورة.[/box][/one_third]ولا يمكن لحركة كهذه أن تبقى خارج اهتمام الدولة، واعتبرت هذه الدولة العملية التي بدأت مع ظهور فضيحة الفساد والرشوة يومي 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي فرصة مواتية لإعادة ترميم نفسها والعودة إلى جذورها الأصلية العلمانية، مستفيدة من الخبرة الواسعة للانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا على مر تاريخها الحديث اعتبارًا من عام 1960 ، وفي الواقع، فإن الدولة في تركيا تجري حاليًا نوعاً من “الانقلاب”، وبإمكاننا أن نقول إن أول خطوة أقدم عليها قادة الانقلاب كانت موجَّهة ضد الحركة النورسية.
إن منع طبع “رسائل النور” التي ألفها الشيخ النورسي ليس حدثًا عاديًا، فلهذا الحدث أبعادٌ تفوق كثيرًا قدرات رئاسة الشؤون الدينية التي يجب إلغاؤها مع وزارة الثقافة التي تعتبر أقل الوزارات ضرورة ولزومًا على وجه الأرض، ويقول كاظم جولتشيوز، رئيس تحرير جريدة “يني آسيا” التركية التي تستلهم فكر النورسي، وهو محق: “يقدمون على تأميم رسائل النور”، وأنا من جانبي أؤيد هذه الفكرة، وأعتقد أن هذا المشروع، في الأساس، هو مشروع يهدف لتأميم الحركة النورسية من خلال “رسائل النور”، وبالتالي تأميم الإسلام في تركيا في نهاية المطاف، هذا فضلًا عن أن النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم ثريّا سادي بيلجيتش، الذي يقف وراء هذا القانون، يقول إن هذا التعديل ليس حصراً على رسائل النور فقط، بل يشمل مؤلفات مماثلة أخرى. وسيكون هذا، في حقيقة الأمر، نجاح بـ”أيدي المتديّنين” فيما لم تستطع الدولة التركية تحقيقه في ثلاثينيات القرن الماضي.
إن من يقدّم هذه التوصيات إلى الحكومة يخطئ خطأ فادحًا، ويسعى لزرع بذور الحقد والكراهية بين المسلمين وشقّ صف الأمّة وتأميم الحياة الدينية، وهو ما يعتبر خسرانًا وإثمًا مبينًا، فلا يجب أن يكون للدولة دين رسمي أو مذهب رسمي أو فكر إسلامي رسمي أو جماعة رسمية أو غير رسمية.
صحيفة” زمان” التركية