بقلم: محمد كاميش
رجب طيب أردوغان هو رئيس الوزراء الذي يُهدد كل من يقف في طريق وصوله إلى قصر الرئاسة بأنقرة، حتى الحزب الذي يرأسه.
إن أردوغان يراقب الجميع ويسجّل كل تصرّفاتهم، كما صرّح هو بنفسه مؤخّراً! ولكي يقضي على الشريحة “الأخرى” التي لم تؤيّده في الانتخابات، يسعى جاهدًا ليتسلّق نحو كرسيّ الرئاسة مهما كلفه الأمر، وذلك من أجل أن يتمتع بصلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء في وقت واحد حتى يتمكّن من اجتثاث “الآخر” من جذوره، بحسب زعمه. فأردوغان منزعج ويشتكي من عدم كفاية الدعم المقدّم له من قبل حزبه “العدالة والتنمية”، لكنه لا يستطيع هذه المرَّة أن يخرج أمام الرأي العام ليهدّد أنصاره وأنصار الحزب بـ”وجود تسجيلات غير أخلاقية” عائدة لهم؛ خوفًا من انقلاب الطاولة عليه، أو كما يُقال: انقلاب السحر على الساحر، وانكشافِ الأمر الذي قد يؤثر على لعبته في الانتخابات المقبلة. ولأن التهديد بوجود تسجيلات غير أخلاقية، هو ذريعتُه الوحيدة التي يستمدّ منها شرعيته، فإنه ينأى بنفسه عن تصرّفٍ قد يلحق ضراراً بها، لذلك فهو، كما قال، يكتفي هذه المرة، بمراقبة الحزب وأعضائه وتسجيل تصرّفاتهم فقط! فإذا لم يحصل على ما يريده ويرضيه في الانتخابات الرئاسية، فإنه سيفتح دفتر ملاحظاته وسيحاسب الجميع، كلا على حده، نعم سيعاقب كل إنسان وكل شريحة لم يعد يحتاجها بما تستحقها من عقاب.
إن المؤامرة التي يسعى حزب العدالة والتنمية لحياكتها ضد حركة “الخدمة” ليست ببعيدة أو غريبة عنّا، ذلك أن الذين يمسكون بزمام الدولة يعلمون أن الحياة عبارة عن دائرة لا تتوقف،”يومٌ لك، ويومٌ عليك”، لذلك دأبوا منذ القدم على إيجاد وتوفير غطاء قانوني قدر المستطاع يمكنهم العمل في إطاره والقيامِ بكل ما يريدون، وهذا ما يفسّر توخّي المسؤولين الحذر ، لكي يبقى ما يفعلونه ضمن الإطار القانوني قدر المستطاع.
ومع ذلك، فإن الذين حكموا الدولة قديماً كان يعترضهم دائماً عائق كبير عندما أرادوا معاقبة هذه الشريحة من المجتمع، وهو أن هذه الشريحة وقفت دائماً على مسافة بعيدة عن الجرائم، وإذا كان الحال كذلك، فماذا كان يفعل من يمسك بزمام سلطة الدولة؟ كانوا يحاولون إيقاعهم وإقحامهم في الجرائم، ويسعون إلى إيهام الرأي العام بأنهم ينتمون إلى جماعات مسلحة أو ما شابه من خلال تدبير المؤامرات ونصب المكائد ضدهم، ودسّ أسلحة وأدلة مزورة إلى بيوتهم وأماكن عملهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وباءت دائماً كلّ مخططاتهم وسيناريوهاتهم المشؤومة بالفشل الذريع.
وإننا على قناعة بأنهم لن يستطيعوا ولن يفلحوا هذه المرة في تنفيذ مخططاتهم ومؤامراتهم، بمشيئة الله، وسينقلب الأمر على رؤوس أصحابه ، لكن الأحداث التي شهدناها في الفترة الأخيرة تكتسب أهمية كبرى من حيث كشف الغطاء عن الأجندة السرية لأردوغان ودائرته الضيقة ونياتهم الحقيقية، فهي أكبر دليل على الألاعيب التي يفتعلها حزب العدالة والتنمية. ولا شكّ في أنها ستنقلب عليه وسيظهر للعيان دخوله في علاقاتٍ قذرة مع الدولة العميقة. لأنهم يحذون حذو القدماء ويبادرون مثلهم إلى تنميط وتصنيف جميع أفراد الأمة التركية حسب توجّهاتهم وانتماءاتهم، ومعاقبتهم بالطرد من الوظيفة والإبعاد من الدولة، فكل ما يقوم به حزب العدالة والتنمية هو نفس ما كان يفعله جنرالات الانقلاب في كلٍ من 12 سبتمبر/ أيلول 1980، و28 فبراير/ شباط 1997 ، وفل ما يحدث في هذه الأيام يذكّرنا بما حدث في أيام الانقلابات العسكرية، وتجنّبُهم ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الدستور لا يعدّ دليلاً كافياً لعصمتهم وبراءتهم ، مثل ما كان في السابق.
نحن نتذكر جيدًا انقلاب 28 فبراير/شباط، الذي شهدته البلاد قبل عقدين من الزمن، وكأنه الأمس القريب، ونذكر الدور المحوري الذي لعبه الجنرال المتقاعد تشفيك بير باشا في هذه الفترة، فقد كان يفعل ما يشاء في ظل حالة الطوارئ وتعليق العمل بالقانون والدستور، واتباع سياسة التنميط والاغتيال المعنوي للمواطنين وإلقاء القبض على العديد من رجال الجيش والبيروقراطيين بتهمة الصلاة داخل مؤسسات الدولة العلمانية، ولم يكن أحد ينجو من عمليات التنميط والتصنيف هذه حتى أصحاب الشركات الخاصة وأصحاب المحال التجارية، بل مورس عليهم شتى أنواع الضغوط من خلال فرض العقوبات والغرامات المالية؛ وهذا ما يقوم به حزب العدالة والتنمية حاليًا ضدّ حركة الخدمة والمتطوّعين فيها.
واليوم نرى حزب العدالة والتنمية يُدّبر صنوفاً شتى من المؤامرات الجديدة، مستعيناً في ذلك برجال الدولة العميقة، فقد بادر الحزب إلى ضمّ المضبوطين وهم يرتكبون الجريمة إلى صفوف فريق عمله، ليختلقوا ويحيكوا كل يوم قصصاً وسيناريوهات مختلفة لا أساس لها من الصحة، فهناك مؤامرات بدون جرائم، وهناك ضغط وتهديد، ولكن العدل غائب، وهناك مساعٍ حثيثة للمتورّطين في الجرائم حتى نخاعهم لإصدار ضجيج وصخب لكي يتستّروا على أنفسهم وعلى جرائمهم، لكن ظالمي اليوم سينالون حتماً تلك العاقبة التي تعرّض لها ظالمو الأمس، وسيُحاسبون على كلّ ما ارتكبوه من ظلم بحقّ الأبرياء، وسوف يرى ذلك الجميع، بإذن الله تعالى.
صحيفة” زمان” التركية