بقلم: سوجي أكارجشمه
23 أكتوبر/ تشرين الأول 2013: يقدّم نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض عن مدينة مانيسا أوزجور أوزيل مقترحًا إلى البرلمان للتركيز على حوادث المناجم في بلدة سوما، ويقترح تشكيل لجنة للتحقيق في هذا الملف.
29 أبريل/ نيسان 2014: يرفض النواب البرلمانيون عن حزب العدالة والتنمية الحاكم هذا المقترح المدعوم كذلك من جانب نواب حزبي الحركة القومية والسلام والديمقراطية.
13 مايو/ أيار 2014: تقع الكارثة التي كان متوقع حدوثها في سوما، ليسجلها التاريخ كأكبر “حادثة” تقع في مناجم تركيا.
14 مايو / أيار 2014: يزور رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مكان الحادث، ويعرض علينا نماذج لمثل هذه الحوادث من القرن التاسع عشر، ويقول: “إن الموت موجودة في طبيعة هذا العمل”.
وفي اليوم نفسه، تبيّن الحكومة، التي استقبلها المكلومون بالاحتجاج في سوما، أن وجه الدولة القاسي تجاه المواطن لم يتغيّر قط، وأن ما تغير هم المسؤلون والحكومات فقط، وقد بادر مستشار رئاسة الوزراء يوسف يركَال إلى ركل عامل بالمنجم يدعى أردال كوجابايك بعدما طرحته قوات الأمن أرضًا.
وفي هذا اليوم أيضا، قال أردوغان لمواطن احتج على زيارته للمنجم: “إذا أطلقت صيحة استنكار أمام رئيس الوزراء فأنت تستحق أن يُصفع وجهك!” وذكر المواطن تانر كوروجا لوسائل الإعلام أن رئيس الوزراء صفعه على وجهه، ومن ثم سرعان ما غيّر كلامه بعد أيام عدة، في بلدنا الحبيب الذي يتحوّل إلى بلد ديمقراطي متقدِّم، ليقول إن رئيس الوزراء أراد ، في الواقع، أن يحميه، وأفاد بأن الذي صفعه هو أحد حراس أردوغان وليس أردوغان نفسه، وكأن صفع الحراس للمواطنين أمر طبيعي!.
16 مايو / أيار 2014: يظهر أن منجم سوما لم يكن يشمل “غرفة الحياة”، التي تلعب دور منقذ الحياة في مثل هذه الكوارث، ولأن القانون لم يلزم صاحب العمل بمثل هذا الإجراء، فإنه، وهو الذي يفكر في أن يحصل على أكبر قدر من الربح، لم يكلّف أحدًا ببناء غرفة الحياة، غير أن وزير الطاقة والموارد الطبيعية كان قد امتدح مستوى التدابير الأمنية في المنجم ذاته، عندما شارك في افتتاح منجم مملوك لشركة سوما القابضة يوم 9 يوليو / تموز 2013.
17 مايو / آيار 2014: يرغب وزير الطاقة تانر يلديز في أن يوضح للرأي العام كم التضحيات التي قدمها لإنقاذ ما تبقى في سوما، فيقول: “نغلق هذا المنجم بعدما فقدنا 302 من إخواننا كحد أقصى”، ويبدو أن تخمين الوزير كان زائدًا ضحية واحدة! إذ أشارت البيانات الرسمية إلى أن أعمال البحث والإنقاذ انتهت في المنجم بعد انتشال جثث 301 شخص من العاملين به.
10 يوليو/ تموز 2014: يرفض نواب حزب العدالة والتنمية بالإجماع المقترح الذي قدّمه حزب الشعب الجمهوري المعارض خلال مناقشات حزمة من القوانين في البرلمان، ويقضي بإلزام الشركات العاملة في مجال التنقيب عن المعادن بإنشاء “غرف الحياة” داخل المناجم.
15 يوليو/ تموز 2014: تُنسى كارثة منجم سوما تقريبًا، ولا يزال مستشار رئيس الوزراء يوسف يركال، الذي اعترف بركله للمواطن، يحصل على راتبه من الضرائب التي ندفعها، أما رئيس الوزراء أردوغان، الذي انتشر ادعاء بحقه بأنه صفع مواطن على وجهه، فهو مرشح لمنصب رئيس الجمهورية، ويخوض حملة انتخابية يستخدم فيها إمكانات الدولة.
ولا تزال حياة الإنسان في تركيا بلا قيمة، وفي الوقت الذي يكون فيه كسب لقمة العيش الحلال صعبا بالنسبة للبعض، يخرج علينا البعض الآخر يستحقر شعار ” الخبز” ، غير اللامع في الواقع، الذي اختاره أكمل الدين إحسان أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية، ويقول إن تركيا لا تريد خبزًا من الآن فصاعدًا، بل تريد “جاتوه”! ومن الغريب أيضًا أن من كتب هذا المقال في إحدى وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة حزب العدالة والتنمية يعمل كموظف في رئاسة الجمهورية التي من المفترض أن تكون مؤسسة محايدة حتى هذه اللحظة، لكن إذا فكرنا في حجم الفضائح التي نعيشها حاليًا، نجد أن هذه المشكلة الأخلاقية لا تحمل أهمية كبيرة كما كنا نتخيل.
هم محقون؛ إذ إن تركيا لم تعد تركيا التي كانت موجودة قبل 12 عامًا عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وكان عدد من يحتاجون إلى الخبز كثيرًا، ومع ذلك فإن الشعب التركي لا يرغب في السلطات التعسفية التي تتصرف في ظلها الحكومات التي منحها الشعب أصواته وضرائبه وكأنها تتفضل عليه. كما لا يريد شعبنا مشاطرة خبزه، الذي كسبه بعرق جبينه مع الفاسدين واللصوص، وهو في الوقت نفسه يتمرّد على الحكومات التي تقول: “لماذا لا يكفيكم الخبز؟ فقد كبرنا نحن هذه الكعكة لنتقاسمها فيما بيننا مع رجال الأعمال الذين أسسوا معنا سلسلة السعادة في البلاد”.
ولا شك في أن الحق في هذا الموضوع مع الكاتب الذي يعمل كموظف عام بمجلس إدارة وكالة الأناضول للأنباء الرسمية، وذلك بعدما اقترح ضرورة عدم الاستخفاف بذاكرة الناخب عندما قال إن الشعب التركي يريد الجاتوه: لا بد من عدم إستغباء هذا الشعب الذي تلقّى الصفعات والركلات في سوما ممن انتخبوه.
ربما لا يستغني الجميع عن هذا الذل، كما فعل الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي حين قال “أستطيع العيش دون خبز، لكن لا أعيش دون حرّية” ، لكن يحب أن يشاهد الجميع أن تركيا أضحت تريد الحرية والخبز في آن واحد، ولا ترغب في أن تدخل تحت تحكم شعبوي مدعوم من أقلية جديدة سعيدة، تعتقد أن الناس يأكلون الجاتوه لأنها تفعل ذلك.