مسعود تشفيك ألب – مجلة” أكسيون” التركية
يُعاد رسم الحدود من جديد في منطقة الشرق الأوسط بعد قرن من رسمها للمرة الأولى، فسوريا تنهار، والعراق تُقسّم أراضيه، ومصر تُطرد من طاولة الدبلوماسية، وأما تركيا، التي قرأت وتيرة الربيع العربي بطريقة خاطئة وخالفت العالم ودخلت في صراع مع دمشق وبغداد وفقدت طاقتها في السياسة الداخلية المصطنعة، تشاهد عن بُعد فقط إعادة تشكيل حدودها الجنوبية!
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لم تكن الظروف مناسبة لهذه الدرجة على مر التاريخ، بحيث تفشّى التفتت الذي بدأ بالحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وتضاعف بسبب السياسة الإقصائية والتمييزية لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. ولقد رسم الشيعة في الجنوب، والأكراد في الشمال، وعشائر السُنّة في الوسط حدودهم منذ زمن بعيد، وهم كذلك يدخلون في صراعات طاحنة كردِّ فعل منهم لحماية أراضيهم، ولعل من أبرز الدلائل على عدم وجود وحدة في العراق حاليًا هو عدم اجتماع البرلمان الفيدرالي منذ الانتخابات التي شهدتها البلاد في شهر أبريل/ نيسان الماضي.[/box][/one_third]ونجد مسؤولًا رفيع المستوى بالحكومة التركية يقول في تصريح لمجلة أكسيون: “لا تشغلوا بالكم بدولة الخلافة المعلنة على الجانب الآخر من حدودنا مع العراق وسوريا؛ إذ إن القوى الدولية والإقليمية لن تسمح ببقائها على قيد الحياة، لكن هناك حقيقة واقعة، وهي أننا يجب أن نكون على استعداد لدولٍ وحدود جديدة في المنطقة، بل حتى لحروب ربما تندلع، فلقد تمزقت الخرائط القديمة للمنطقة ويبدو أن الانفصال الأول سيشهده إقليم شمال العراق، أي أن بقاء الحال صار من المحال وليس هناك أية قوة تستطيع حماية الحدود القديمة للمنطقة!”
ويبدو أن تركيا قد وافقت سلفًا على رسم الحدود الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وكان المتحدث باسم حكومة أنقرة حسين تشليك قد أكد في تصريح أدلى به لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أنه في حالة إعلان كردستان المستقلة، فإن تركيا لن تبدي رد فعل سلبيا كما كان في الماضي.
ويقول عالم بالشؤون السياسية، أُبعد من منصبه كمستشار بالحكومة التركية قبل 6 أشهر، إن أحدًا لن يستطيع الحيلولة دون تقسيم العراق وتأسيس كردستان في المرحلة الحالية، مشيرًا إلى أن أنقرة تفكر في الاعتراف بـ”كردستان العراق” بمرور الوقت حتى لا تغضِب الدول العربية السُنّية، ويشدّد على أن الأهم من ذلك هو أن المحور الغربي يريد تأسيس دولة كردية مستقلة بقدر ما يريده أكراد المنطقة على الأقل.
إذن، هل الظروف الإقليمية الحالية مناسبة لقيام دولة كردستان؟ لم تكن الظروف مناسبة لهذه الدرجة على مر التاريخ، بحيث تفشّى التفتت الذي بدأ بالحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وتضاعف بسبب السياسة الإقصائية والتمييزية لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. ولقد رسم الشيعة في الجنوب، والأكراد في الشمال، وعشائر السُنّة في الوسط حدودهم منذ زمن بعيد، وهم كذلك يدخلون في صراعات طاحنة كردِّ فعل منهم لحماية أراضيهم، ولعل من أبرز الدلائل على عدم وجود وحدة في العراق حاليًا هو عدم اجتماع البرلمان الفيدرالي منذ الانتخابات التي شهدتها البلاد في شهر أبريل/ نيسان الماضي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لم تعُد إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة هم وحدهم الرابحون من وراء معادلة الشرق الأوسط الجديد، بل تضاف إليهم إيران أيضًا، فالخلاف الحاد بين أطراف المحور السُنّي العربي يقوّي إيران الشيعية بطريقة غير مباشرة، وقد نجح نظام الأسد في سوريا والمالكي في العراق، حليفا طهران، في حفظ استمرارية وجودهما بشكل مستقل، وإن أفضت الانقسامات في بلديهما إلى تضاؤل الأراضي التي يبسطان سيطرتهما عليها، أي إنه حتى وإن قُسّمت أراضي هذه الدول فإن “الهلال الشيعي” لن يكون مقسّمًا![/box][/one_third]وفي ظل هذه الظروف الحالية، ينتقل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الشام (داعش) من الحرب المندلعة في سوريا إلى الأراضي العراقية، ليصبّ ذلك في صالح الأطراف هناك، وقد تسلّح الشيعة بقيادة المالكي، في بادئ الأمر، بحجة التهديد القادم من سوريا، ثم تبعهم السُنّة والأكراد، وبدأ كل فريق يحمي الحدود التي رسمها على الخرائط الورقية بواسطة مليشياته المسلحة، هذا فضلًا عن تشتّت الجيش المركزي العراقي، وباختصار، فإن العراق حاليًا لا تُقسم أراضيه لأن مليشيات داعش دخلتها، بل لأن الأطراف العراقية نفسها هي التي تريد ذلك.
ولم تعُد إسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة هم وحدهم الرابحون من وراء معادلة الشرق الأوسط الجديد، بل تضاف إليهم إيران أيضًا، فالخلاف الحاد بين أطراف المحور السُنّي العربي يقوّي إيران الشيعية بطريقة غير مباشرة، وقد نجح نظام الأسد في سوريا والمالكي في العراق، حليفا طهران، في حفظ استمرارية وجودهما بشكل مستقل، وإن أفضت الانقسامات في بلديهما إلى تضاؤل الأراضي التي يبسطان سيطرتهما عليها، أي إنه حتى وإن قُسّمت أراضي هذه الدول فإن “الهلال الشيعي” لن يكون مقسّمًا! علاوة على أن الصراعات المذهبية التي تزكى نيرانها في المنطقة بمرور الوقت، وكذلك وجود القاعدة – داعش، يصيب العالم الإسلامي السُنّي بجروح، ويدعم الإسلاموفوبيا، وهذه تعتبر مكاسب مهمة من وجهة نظر إيران.
كما أن التقارب الذي أظهره الرئيس الإيراني الجديد “حسن روحاني” مع الولايات المتحدة منذ وصوله إلى السلطة سيزيد من مكاسب طهران في هذه المرحلة، ولا تخفي واشنطن أنها ستكون على تواصل قريب مع حليفتها الجديدة في المنطقة، إيران، في الوقت الذي تتغير فيه الظروف والمعطيات في الشرق الأوسط، وقد أعطى وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” إشارة الانطلاق في هذا الاتجاه في آخر زيارة له إلى العراق.
إذن، كيف سيواجه العالم الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة؟ .. على ما يبدو، ستستغرق عودة المنطقة إلى الهدوء وقتًا طويلًا، وخلال هذه الفترة ستمحى الحدود، وستزيد الحروب العرقية والمذهبية، وسيتشكّل شرق أوسط جديد أكثر تمزّقًا، وستبرز عناصر خارج مفهوم الدولة مثل القاعدة وداعش لتحل محل الأنظمة المعترَف بها، وستتولّى هذه التنظيمات والجماعات أدوارًا في السياسة الإقليمية، وفي الوقت الذي ستتغير فيه الحدود والعواصم، سيزيد صراع النفوذ الخفي للعناصر غير الإقليمية شئنا أم أبينا.
9/7/2014