بقلم: عبد الحميد بيليجي
بدأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي اعتاد مهاجمة حزب الشعب الجمهوري الذي أسّسه الرئيس الأول للجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، حملته الانتخابية من ولاية سامسون، وهو الأمر الذي أفرز مشهدًا مثيرًا في علاقة حزب الشعب الجمهوري الذي أسّس الجمهورية التركية وحزب العدالة والتنمية؛ ممثل “الآخرين”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]في الوقت الذي يسير فيه حزب العدالة والتنمية في طريقه نحو أن يكون “حزب الدولة الجديد”، فإن حزب الشعب الجمهوري، حزب الدولة القديم، يسعى لاحتضان المجتمع، حيث عمد الحزب إلى دعم عدد من المبادرات التي تثبت حسن نواياه في هذا الاتجاه، مثل دعمه لقانون ارتداء الحجاب في البرلمان، واتفاقه على ترشيح “أكمل الدين إحسان أوغلو”، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع أنه إبن عالِم قاطعته الجمهورية، ونشره رسائل محتضنة للأكراد في “ديار بكر”.ويسعى حزب الشعب الجمهوري الآن لأنْ يتشابه مع حزب العدالة والتنمية القديم من خلال التأكيد على المجتمعِ بدلاً عن الدولة، والديمقراطيةِ بدلاً عن الأيديولوجية والعقيدة.[/box][/one_third]وكان وزير سابق قد وصف أردوغان بأنه “أتاتورك الثاني”، كما أحبّت وسائل الإعلام الموالية للحكومة مسألة التشبيه هذه كثيرًا.
وفي الوقت الذي يسير فيه حزب العدالة والتنمية في طريقه نحو أن يكون “حزب الدولة الجديد”، فإن حزب الشعب الجمهوري، حزب الدولة القديم، يسعى لاحتضان المجتمع، حيث عمد الحزب إلى دعم عدد من المبادرات التي تثبت حسن نواياه في هذا الاتجاه، مثل دعمه لقانون ارتداء الحجاب في البرلمان، واتفاقه على ترشيح “أكمل الدين إحسان أوغلو”، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع أنه إبن عالِم قاطعته الجمهورية، ونشره رسائل محتضنة للأكراد في “ديار بكر”.
ويسعى حزب الشعب الجمهوري الآن لأنْ يتشابه مع حزب العدالة والتنمية القديم من خلال التأكيد على المجتمعِ بدلاً عن الدولة، والديمقراطيةِ بدلاً عن الأيديولوجية والعقيدة.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية قاد وتيرة ديمقراطية في الدولة، فإن قضية الاستقطاب المستمرة منذ 80 عامًا كانت ستنتهي وسيُفتح الطريق أمام تركيا لتتقدم، لكن الحزب الحاكم، وبدلا عن ذلك، يسير في طريقه بخطى حثيثة لكي يصبح شبيها بحزب الشعب الجمهوري في الماضي.
“الاصطباغ بصبغة أنقرة” مفهومٌ نستخدمه للتعبير عن “تحويل حركةٍ جاءت إلى مركز السلطة من الأوساط الهامشية بطلبات ديمقراطية من قِبل القوة التي أرادت الحركة تحويلها أصلاً”، هذا المفهوم يسير عكس ما هو سائد في أية ديمقراطية عادية، فعلى سبيل المثال، هو لا يتخذ الفرد والمجتمع مركزًا له، بل يقوم على أساس الزعيم والدولة، وأساسه هو الأيديولوجية الرسمية، وليس الأفكارَ الحرّة، كما أن القضاء الذي سيراقب القوة وسيكبح جماحها وسينشر العدل يعتبره هذا المفهوم عبئاً عليه، وأما الإعلام فليس حرًّا، ولا تحمل مؤسسات الشفافية والمراقبة أي معنى سوى لافتاتها، ومعظم النقابات صفراء، والجامعات إما صامتة أو تتبع أيديولوجية محدَّدة، وعالم الأعمال لا يلهث وراء علامة تجارية أو اختراع يستطيع بهما المنافسة على المستوى الدولي، بل يلهث وراء التشجيع والتفضيل.
كان حزب العدالة والتنمية يمثل أمنية التخلص من هذه الأمراض حين يتحدث عن معايير كوبنهاجن، وكلما كنا نقول” معايير أنقرة” كان هذا يستدعي النظام القديم، ومِن ضمن هذه الإجراءات التي تعتبر مؤشرًا على العودة إلى الوراء: الضغط على القضاء وعالم الأعمال والإعلام، والهوس بتشكيل مجموعة من وسائل الإعلام المؤيدة له، وتعطيل هيئات الرقابة على الرغم من انتشار الفساد، وتحول المؤسسات إلى مفهوم دولة الحزب، وتنافس الولاة في التحزب مع رؤساء فروع الأحزاب في الولايات، والسعي لتطبيق الظلم الذي عاشه إبان انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 على الآخرين الآن، وغضب رئيس الوزراء أردوغان على المحكمة الدستورية التي امتدحها الاتحاد الأوروبي في العديد من المناسبات نتيجة لهذا الانحراف.
هناك العديد من الجوانب الإيجابية لإرث الجمهورية تضمن أن تكون تركيا في وضعية أفضل نسبيًا في منطقة الشرق الأوسط، فلنقّدر قيمتها، لكننا في الوقت نفسه لدينا نواقص كانت مصدرًا للمشاكل اليوم، ويجب تغييرها في ضوء القيم الإنسانية والديمقراطية العالمية، كما ينبغي أن يكون هدفنا هو ديمقراطية حقيقية، يشكل مبدأ سيادة القانون ركيزتها، وليس أن يكون وصاية جديدة تحل محل وصاية العسكر في الماضي، وإلا سنعود 80 عامًا إلى الوراء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]هناك العديد من الجوانب الإيجابية لإرث الجمهورية تضمن أن تكون تركيا في وضعية أفضل نسبيًا في منطقة الشرق الأوسط، فلنقّدر قيمتها، لكننا في الوقت نفسه لدينا نواقص كانت مصدرًا للمشاكل اليوم، ويجب تغييرها في ضوء القيم الإنسانية والديمقراطية العالمية، كما ينبغي أن يكون هدفنا هو ديمقراطية حقيقية، يشكل مبدأ سيادة القانون ركيزتها، وليس أن يكون وصاية جديدة تحل محل وصاية العسكر في الماضي، وإلا سنعود 80 عامًا إلى الوراء.[/box][/one_third]من المثير والمدهش أن نجد تشابهًا غريبًا بين بعض توجّهات أردوغان اليوم وما عاشته تركيا في أولى سني قيام الجمهورية، فالصورة القديمة التي رسمها الكاتب “طه آكيول” في كتابه “قانون الثورة لدى أتاتورك” تنير لنا دربنا اليوم، وقبل أيام من إعلان الجمهورية، وجّه بعض المقربين سؤالًا إلى أتاتورك: “هل ستظل رئيسًا لحزب الشعب الجمهوري بعدما تتقلّد منصب رئيس الجمهورية؟” فأجاب أتاتورك ضاحكًا “سيكون هذا بيننا فقط…”.
وعندما أصبح أتاتورك رئيسًا للجمهورية، لم يرغب في التنازل عن السلطة التي امتلكها عندما كان رئيسًا للبرلمان في الحكومة البرلمانية، وهو يريد في الوقت نفسه أن تكون لديه سلطة حلّ البرلمان، كما أنه يعارض فكرة أن يترك حزبه، وقد أعربت شخصيات مثل “رؤوف بك” و”كاظم كارا بكر”، وكُتّاب مثل “حسين جاهد” و”أحمد أمين”، آنذاك عن تخوفهم من “الديكتاتورية”، لكن النظام أُسس على هذا النحو، لتبدأ حقبة ما يسمّى “تقرير السكون”، ويبدأ معها عصر تكميم الأفواه المعارِضة، وإغلاق صحف إسطنبول الحرّة، ومحاكمة الكُتّاب أمام محكمة الاستقلال.
إن الحقائق التي طرحها الكاتب “طه آكيول” في كتابه حول المقابلة التي أجرتها معه الصحفيّة “نشه دوزَل”، تحمل قيمة كبيرة للغاية، حيث قال: “كان الهدف عند قيام الجمهورية هو تأسيس نظام بدون معارضة، فنرى أتاتورك يؤسس إعلامه الخاص، كما صمتت الصحافة عقب المحاكمات التي شهدتها تركيا عامي 1925 و1926، وحوكم صحفيون علمانيون مثل حسين جاهد وأحمد أمين يالمان في محكمة الاستقلال بعدما وجهت لهم تهمة انتقاد الحكومة وزعزعة سلطتها، الأمر الذي منح الجرأة للشيخ سعيد الكردي ليتمرد على الدولة!”.
كان الخلاف الأساسي في البرلمان الأول يدور حول: “هل يحوز أتاتورك كل السلطات أم لا؟” ، وكانت حياة أتاتورك السياسية هي من أجل زيادة سلطاته وصلاحياته، وبينما كان الدستور يناقش في يناير/ كانون الثاني 1921 كان أتاتورك يقول: ” إن من يدافع عن مبدأ الفصل بين السلطات هو إنسان مجنون .. ستكون الحكومة هي القوية وليس البرلمان، كما سيكون القضاء تابعاً للحكومة”.
أصدرت محكمة الاستقلال حكمًا بالسجن 10 أعوام على نائب بالبرلمان في قضية محاولة اغتيال أتاتورك في إزمير عام 1926، وعندما اعترض المتهم بقوله: “كيف أحاول اغتيال أتاتورك؟” ، قالوا له: “هل تعترض على حكمنا؟” ثم نفذوا فيه حكم الإعدام!”
لا حرج في الذهاب إلى سامسون أو أرضروم أو سيواس ، وإلى كل مدينة في تركيا، ولكن لننظر إلى التاريخ ولنستخلص منه العبر والدروس حتى لا تتكرر الأخطاء، كما قال الشاعر محمد عاكف أرصوي.
صحيفة” زمان” التركية