بقلم: سلجوق جولطاشلي
كما قالت الطرفة الشهيرة “أيهم، أيهم..”، فإن حكاية عقلاء حزب العدالة والتنمية عقب وقوع أحداث 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي، تبدو حزينة تقريبا.
وبعد أن فقد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اعتباره، بادر من حوله إلى التسابق فيما بينهم للتقليل من احترامهم من أجل دعم “حرب الاستقلال الجديدة” ذات النهاية المعلومة، والتي شنّها رئيس الوزراء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]وكان جول هو القاعدة المركزية للإرادة التي بدأت مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي عندما كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للخارجية، وكان هو من يقنع أردوغان وقت الأزمات، ويكون صوت المنطق السليم، ويكافح بشكل ملحمي من أجل أن تحقق بلده ما تفرضه معايير الاتحاد الأوروبي، كما وصفه المفوض السابق لشؤون التوسعة في الاتحاد الأوروبي “جونتر فيرهوجن” بأنه عضو حزب العدالة والتنمية “الذي دخل التاريخ بإصلاحاته”.[/box][/one_third]وهناك عدد كبير من أعضاء حزب العدالة والتنمية فقدوا اعتبارهم منذ فتح التحقيق في قضية الفساد والرشوة أواسط ديسمبر / كانون الأول الماضي، إبتداءً من وزير المالية محمد شيمشك، الذي تدنّى مستواه لدرجة أن يدافع عن قرار حظر موقع” تويتر” على تليفزيون “بي بي سي” البريطاني، في وقت كان يعد فيه إحدى الشخصيات المفضلة في عالم المال في بريطانيا، وحتى “محمد علي شاهين” محا صورته الناصعة ، بعد أن كانت تقارير الاتحاد الأوروبي تقدّره بصفته أول وزير عدل في تاريخ الجمهورية التركية يتقدم باعتذار عن وقائع التعذيب، وكذلك لقبته هذه التقارير بــ ” إمام القضاء”.
وكان من بين الأسئلة المطروحة بكثرة على الأجندة في بروكسل “من هو صاحب أكثر الحكايات حزنا في مسابقة فقْد الاعتبار في تركيا؟” .. وتبرز حكاية رئيس الجمهورية “عبد الله جول” لدى الباحثين عن إجابة لهذا السؤال.
فعقب فضيحة الفساد والرشوة والحملات المتتالية التي قادتها حكومة حزب العدالة والتنمية لتدمير الديمقراطية في تركيا، كانت أوروبا ترى في الرئيس جول الضمان الوحيد، بعدما لم تُخفِ اندهاشها لفترة مما يحدث على الساحة التركية، وكان جول هو القاعدة المركزية للإرادة التي بدأت مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي عندما كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للخارجية، وكان هو من يقنع أردوغان وقت الأزمات، ويكون صوت المنطق السليم، ويكافح بشكل ملحمي من أجل أن تحقق بلده ما تفرضه معايير الاتحاد الأوروبي، كما وصفه المفوض السابق لشؤون التوسعة في الاتحاد الأوروبي “جونتر فيرهوجن” بأنه عضو حزب العدالة والتنمية “الذي دخل التاريخ بإصلاحاته”، وكانت في وقت من الأوقات قد انتشرت مخاوف حول احتمالية وجود أجندة سرية لأردوغان، وما إذا كان ينتهج نهجًا سياسيًا من نوع التقية أم لا، غير أن هذه المخاوف كانت تتبدد بصفة عامة بمقولة: “إن الرئيس جول هناك وليس لدينا شك في ديمقراطيته” ، وكان عندما يبادر عدد قليل من المشككين في أوروبا إلى توجيه الاستفسارات البسيطة حول أردوغان في أصعب الأوقات التي يمر بها حزب العدالة والتنمية، كان الرئيس جول يعطيهم الرد الكافي.
لا شك في أن الرئيس جول هو أكثر المسوؤلين الأتراك الذين تفوقوا وحازوا المدح الكبير في تقارير مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي المنشورة منذ عام 1998 إلى الآن، وعندما تنظرون إلى هذه التقارير، ترون أن الرئيس جول لديه مواقف تستحق الاحترام دائمًا، على عكس سلفه أحمد نجدت سيزر، مثل نهجه التصالحي، ودعمه لحل القضية الكردية، ومتابعته بإصرار لإصلاحات الاتحاد الأوروبي، وإقراره بأن عدم حل لغز قضية اغتيال الصحفي الأرميني هرانت دينك بالرغم من صدور قرارات من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، هي مسألة مشينة بالنسبة لتركيا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد تحول الرئيس جول إلى واحد من العلامات المهمة في وتيرة إدارة ظهر تركيا للمعايير الأوروبية التي كان يكافح بنفسه من أجل تحقيقها على مدار 12 عامًا من تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في تركيا، وفي الوقت الذي وقّع فيه جول القوانين التي تسلّم المواضع المكتسبة في مواجهة الوصاية العسكرية إلى أصحابها القدامى، فإنه سيترك منصبه كرئيس للجمهورية وقد ارتكب عددًا من الأفعال التي تقيّد كفاحه من خلال مساعيه بالظهور بشكل لائق أمام الرأي العام.[/box][/one_third]وفي الوقت الذي انتقد فيه آخر تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي حول تركيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 رئيسَ الوزراء أردوغان، نجده يقدّر موقف الرئيس جول لدعمه للديمقراطية خلال أحداث “جيزي بارك” التي شهدتها تركيا الصيف الماضي.
تتحدث الأوساط في بروكسل حاليًا حول التعهدات التي قدمها الرئيس جول إلى مفوض شؤون التوسعة في الاتحاد الأوروبي ستيفان فولي خلال لقاء عقداه في أنقرة قبل أسبوعين حول عدم الانحراف عن أهداف الاتحاد، وقال مسؤول أوروبي رفيع المستوى حضر اللقاء: “لكن لا أستطيع القول هذه المرة إننا تأثرنا بتصريحات السيد جول”، والسبب بسيط، وهو أنه لم يعد هناك اتّساق بين ما يقوله الرئيس جول وما يفعله، واتسعت الهوّة بين أقوال الرئيس جول وأفعاله عقب الكشف عن فضيحة الفساد نهاية العام الماضي، لدرجة أن خيبة الأمل التي شعر بها الجميع بشأنه فاقت مثيلاتها بالنسبة لبقية المسؤولين في أنقرة.
لقد تحول الرئيس جول إلى واحد من العلامات المهمة في وتيرة إدارة ظهر تركيا للمعايير الأوروبية التي كان يكافح بنفسه من أجل تحقيقها على مدار 12 عامًا من تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في تركيا، وفي الوقت الذي وقّع فيه جول القوانين التي تسلّم المواضع المكتسبة في مواجهة الوصاية العسكرية إلى أصحابها القدامى، فإنه سيترك منصبه كرئيس للجمهورية وقد ارتكب عددًا من الأفعال التي تقيّد كفاحه من خلال مساعيه بالظهور بشكل لائق أمام الرأي العام، وفي سبيل ذلك أتى بأفعال متناقضة ، منها توقيعه قانون الإنترنت ، ثم قيامه بنفسه بخرق الحظر المفروض على “تويتر”، والتصديق على جميع التعديلات التي تتستر على تحقيقات الفساد، ثم عدم المشاركة في حفل وضع حجر الأساس لمشروع المطار الثالث بإسطنبول الذي يتولى تنفيذه رجال أعمال اقترنت أسماؤهم بالفساد، فهو يوافق على كل هذه القوانين ثم ينتظر من المعارضة أن تنقلها إلى المحكمة الدستورية عوضًا عن أن يرفضها بنفسه، وعندما تلغي المحكمة القرار يفتخر بقيامه بتعيين معظم أعضائها ، وغير ذلك الكثير.
وهناك من يعتقد أن الرئيس جول ينتظر الوقت المناسب من أجل التدخل وأنه سيبدأ كفاحًا ديمقراطيًا جديدًا، لكن الغالبية العظمى تؤمن بأن هذا الزعيم، الذي قيل في حقه أنه دخل التاريخ بصفته أحد معماريي “الثورة الصامتة” في تركيا، تحوّل إلى سياسي قروي يرجّح مكاسب الأجل القصير من أجل مستقبله السياسي، وكذلك إلى زعيم لم تصدر عنه كلمة في الوقت الذي كانت فيه بلاده تبتعد عن الاتحاد الأوروبي، بينما كان يجلّه الكثيرون بصفته حامي إصلاحات الاتحاد وبانيها في تركيا، فهل ما ضحى من أجله جول يستحق كل هذا؟
جريدة زمان 7/7/2014