“تقتصر الديموقراطية في فهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على مفهوم الأغلبية، وتستند قوَّته برُمَّتها إلى التصويت الشعبي وحده، وهو ما يُمثِّل بدوره إعاقة أمام نشأة مؤسسات قوية تدعم العملية الديموقراطية”، هذا ما صرَّح به الكاتب الصحفي راينر هيرمان، المتابع الجيد للسياسة التركية والخبير في شؤون الشرق الأوسط.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يلاحَظ أن سياسة أردوغان أزاحت النقاب عن “أقنعته المتعددة”، فقد بدا أول الأمر مُصلِحًا أضفى على تركيا صبغة ديموقراطية لم تكن في الحسبان مع نهاية تسعينيات القرن العشرين، لكنه ما لبث أن تَحوَّل إلى رئيس وزراء مستبدّ يعتبر نجاحاته الانتخابية شِيكًا على بياض لفعل كل ما يحلو له. وفي هذا الصدد جاء الفشل التركي في صياغة واعتماد دستور جديد أكثر ديموقراطية ليُمثِّل نوعًا من “المأساة”.[/box][/one_third]وقد أعرب هيرمان، في معرض إجابته عن الأسئلة التي طرحتها صحيفة “سندايس زمان” حول الوضع السياسي في تركيا، عن أنه من غير المرجح أن تَعقُب موجة جديدة من موجات التحول الديموقراطي فوز أردوغان بالعملية الانتخابية الذي لم يُمثِّل مفاجأة له. وأضاف قائلاً: “بعد أن توجهتُ لزيارة تركيا في شهر فبراير الماضي، لم أشعر بالدهشة جرَّاء فوز حزب العدالة والتنمية، وإن توقعت حصوله رغم ذلك على نسبة تصويتية تتراوح بين 40 و42% فحسب. وإنه لَمِن الجليّ أن الشعب التركي يستشعر أن دولته في أيدٍ أمينة مع أردوغان، إذ يبدو أن جميع المنافسين السياسيين ليسوا أكثر من أقزامٍ بجانبه، وأن أحزاب المعارضة ليست صِنْوًا له ولا لحزبه”.
راينر هيرمان كاتب صحفي يُعِدُّ التقارير لصالح جريدة “فرانكفورتر” الألمانية، و”تسايتونج” السويسرية. وهو يجيد اللغات العربية والتركية والفارسية، كما أنه حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد وله أطروحة تتناول التاريخ الاجتماعي السوري الحديث. وقد عمل هيرمان مراسلاً لشؤون منطقة الشرق الأوسط لأكثر من 22 عامًا، وكان أحد المتابعين المتخصصين في السياسة التركية.
يرى هيرمان أن تركيا دائمًا ما تقف عند مفترق طرق، إذ ترددت خلال العقد الماضي بين نظم ديموقراطية وأخرى أكثر استبدادية. ويلاحَظ أن سياسة أردوغان أزاحت النقاب عن “أقنعته المتعددة”، فقد بدا أول الأمر مُصلِحًا أضفى على تركيا صبغة ديموقراطية لم تكن في الحسبان مع نهاية تسعينيات القرن العشرين، لكنه ما لبث أن تَحوَّل إلى رئيس وزراء مستبدّ يعتبر نجاحاته الانتخابية شِيكًا على بياض لفعل كل ما يحلو له. وفي هذا الصدد جاء الفشل التركي في صياغة واعتماد دستور جديد أكثر ديموقراطية ليُمثِّل نوعًا من “المأساة” كما يرى الصحفي المخضرَم.
وقد عبَّر الصحفي المتمرِّس عن وجهة نظره حول أسباب انخفاض حدة نقد الرئيس عبد الله جول، الذي اعتُبر في البداية واحدًا من الشخصيات الداعمة للديموقراطية في السياسة التركية، نقده الحكومة بشكل متزايد، إذا اعتبرنا أنه ما زال يوجِّه أي شكل من أشكال النقد على الإطلاق. ويعتقد هيرمان أن الدافع وراء ذلك قد يكون عزم جول على الاستمرار في الحياة السياسية حتى بعد انتهاء مدته الرئاسية.
وخلال لقائه مع الصحيفة أفصح هيرمان عن آرائه بشأن عديد من القضايا، كالانتخابات الأخيرة والسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية وما ينتظر تركيا في المستقبل.
س: لقد عملتَ مراسلاً صحفيًّا في الشأن التركي لعدة سنوات، ومن الواضح أن لديك قدرًا كبيرًا من الخبرة في رصد الوضعين السياسي والاقتصادي، كما أنك على دراية بالخلفية الثقافية للمجتمع. وسؤالي هو: بالنظر إلى مُعطَيَات الدولة في الوضع الراهن، أين تتوقع أن ينتهي بها الحال في المستقبل؟
ج: لقد ظلَّت تركيا دائمًا عند مفترَق الطريق، فقد اختارت خلال العقد الماضي أن تقطع شوطًا نحو الديموقراطية، أما القيادة الحالية فقررت أن تتحرك باتجاه ترسيخ دعائم نظام أكثر استبدادية، حتى بدت أقرب للاتحاد الأوراسي الذي يتزعمه فلاديمير بوتين منها إلى الاتحاد الأوربي. ومع ذلك، ليس هذا كل شيء، فتركيا عامرة بالمفاجآت ولن أُدهَش شخصيًّا إذا اتضح أن الدرس المستفاد من كل هذه التجارِب المظلمة هو تَمَكُّنها في النهاية من تقوية مؤسساتها الضعيفة وتعزيز قدرتها على الفصل بين السلطات واعتبار الحريات المدنية من القضايا المسلَّم بها، وكذلك إتاحة المجال لانعكاس التغيرات المجتمعية على الحياة السياسية في نهاية المطاف.
س: كيف تُقيِّم ما يدعوه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان “المدة الرئيسية” في إشارة منه إلى ثالث فترات تَوَلِّي حزبه لتشكيل الحكومة؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لقد ظلَّت تركيا دائمًا عند مفترَق الطريق، فقد اختارت خلال العقد الماضي أن تقطع شوطًا نحو الديموقراطية، أما القيادة الحالية فقررت أن تتحرك باتجاه ترسيخ دعائم نظام أكثر استبدادية، حتى بدت أقرب للاتحاد الأوراسي الذي يتزعمه فلاديمير بوتين منها إلى الاتحاد الأوربي. ومع ذلك، ليس هذا كل شيء، فتركيا عامرة بالمفاجآت ولن أُدهَش شخصيًّا إذا اتضح أن الدرس المستفاد من كل هذه التجارِب المظلمة هو تَمَكُّنها في النهاية من تقوية مؤسساتها الضعيفة وتعزيز قدرتها على الفصل بين السلطات واعتبار الحريات المدنية من القضايا المسلَّم بها.[/box][/one_third]ج: لقد كشف الرجل النقاب عن أقنعته المتعدِّدة، وكان أولها ظهوره بمظهر المُصلِح الذي أضفى على تركيا صبغة ديموقراطية لم تكُن في الحسبان مع نهاية تسعينيات القرن العشرين، فوسَّع مجال الحريات السياسية وجعل صعود البلاد إلى مصافِّ الدول متوسطة الدخل أمرًا مُتاحًا، كما تَسبَّبَت سياسته الخارجية في تحوُّل تركيا إلى مركز من مراكز القوة الناعمة في المنطقة. لكنَّ ذلك ما لبث أن شهد تغيُّرًا جذريًّا بحلول عام 2011، حين بدأ القناع الثاني في البروز، لسببين رئيسيين: من ناحيةٍ أساء أردوغان فهم نجاحه الكبير في انتخابات 2011 واعتبره تفويضًا مُطلَقًا للبدء في تنفيذ خُطَطه الكبرى بغضّ النظر عن أثر ذلك على مشاعر الرأي العامّ، ومن ناحية أخرى لم يُفلح في قراءة أحداث الثورات العربية قراءةً صحيحةً، وما كان منه إلا أن غامر بالرهان على حصان واحد تَمَثَّل في جماعة الإخوان المسلمين، فخسر الرهان. ولم يكن ذلك من قبيل سوء الطالع، بل من قبيل إساءة التصرُّف السياسي.
س: كان حزب العدالة والتنمية تَعَهَّد بالسعي لوضع دستور جديد وأكثر ديموقراطية للبلاد، غير أنه لم يستطِع الوفاء بتعهُّداته، فكيف سيكون تأثير ذلك على الوضع التركي؟
ج: لقد جاء عدم مناقشة مشروع الدستور الذي أعدَّه الأستاذ أرجون أزبودون في عام 2007 -ومِن ثَمَّ عدم تمريره- ليكون واحدًا من الأحداث المأساوية التركية، إذ كان بوسع هذا الدستور أن يُمثِّل خطوة كبرى باتجاه جعل البلاد أكثر ديموقراطية وليبرالية. ومع ذلك فإن الظروف لم تكُن مواتية في عام 2007، إذ أدَّت موجة التصعيد الجديدة للأزمة الكردية وكذلك المذكرة الإلكترونية التي أصدرها الجيش، إلى استحالة الإجماع بشأن الدستور الجديد. وأقول إنه لو قُدِّر لهذه المسودَّة أن تُقِرّ بالفعل، لَمَا كانت تركيا لتنزلق على منحدر الاستبداد منذ عام 2011.
س: لماذا تعتقد أن حكومة العدالة والتنمية ليست على استعداد لمعالجة المسألة الكردية ولا مشكلة المواطنين الأتراك العلويين؟
ج: لقد قطعت الحكومة شوطًا باتجاه إنهاء الأزمة الكردية، وليس من العدل أن نلقي عليها باللائمة جرَّاء السياسات الخاطئة وغير الفعَّالة التي انتهجتها الحكومات السابقة، إذ سارت أوَّلَ الأمر على النهج القديم في التعامل مع الأكراد بطريقة عسكرية بحتة بالفعل، حتى أدركت أن مثل هذا الأسلوب في التعامل لن يفضي إلى شيء وأن تكلفته باهظة للغاية. ثم كان منها في المرحلة التالية أن حاولت معالجة المسألة على أساس الدين، وذلك بالنظر إلى الأكراد باعتبارهم إخوة في الإسلام. لكن هذه السياسة لم تُفلِح أيضًا، ربما لأن الجانب الكردي كان أقل تحمُّسًا من الحكومة لمفهوم الأُخُوَّة الإسلامية. ومع ذلك، فإن الحكومة -لحسن الحظّ- تتعامل أحيانًا مع القضايا الصعبة على أساسٍ من الواقعية السياسية، وهو ما مثَّل المرحلة الثالثة التي اعتمدت على الطرح السياسي. وقد جاء هذا الطرح متأخرًا، لكن الفرصة لم تَضِعْ بعد. أما في ما يتعلق بالعلويين، فإن بين الجناح السني من إسلاميي حزب العدالة والتنمية (أي الجناح النقشبندي) والعلويين أزمة ثقة عميقة الغور، وهى أزمة تعود بجذورها إلى عصر السلطان سليم إبان القرن السادس عشر. ولو كنت علويًّا لشعرت أنا نفسي بالغضب جرَّاء تسمية ثالث جسور البوسفور باسم “جسر السلطان سليم”، فتركيا لم تعُد الإمبراطورية العثمانية، وعليها أن تُظهِر مزيدًا من الاحترام لمشاعر مواطنيها.
س: ما موقفك من الاحتجاجات التي شهدتها حديقة غيزي خلال العام الماضي؟
ج: بتحليلها من الخارج، سنجد أنها ناجمة عن عدة عوامل: أولها عدم تنبُّه القيادة السياسية للتغيرات الحادثة في المجتمع التركي، إذ لم يعُد بمقدورك اليوم أن تقتحم الحياة الخاصة للمواطنين الذين ضاقوا ذرعًا بما يُملِيه عليهم رئيس الوزراء عمَّا يجب وما لا يجب فعله. وثانيها أن هذا هو الجيل الأول من الأتراك الذين لم يترعرعوا في ظل الانقلابات العسكرية والأزمات الاقتصادية، بل في ظل الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي. هذا الجيل هو الأكثر ثراءً في التاريخ التركي، وهو يسعى للبروز على ساحة العالم الحديث. أما العامل الثالث فيعود إلى تمرُّد هذا الجيل على “ثقافة مراكز التسوق” وتطلُّعه إلى مجموعة جديدة من القيم التي يعجز حزب العدالة والتنمية عن توفيرها له، إذ أصبح معنى التقدم -من وجهة نظر الحزب- حِكْرًا على المُنَجزات المادية وحدها.
س: ما رأيك في الصمت الذي يواجه به الرئيس عبد الله جول بعض السياسات شديدة الاستبدادية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية؟
ج: من الواضح أن الرئيس جول يحاول تجنُّب الصدام مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، كما يبدو أن أردوغان يسعى للحصول على ولاية رابعة في رئاسة الوزراء، إذ نجح في زيادة الصلاحيات الدستورية للرئيس، فما الموقع الذي يُمكِن لجول شغله بعد مغادرته قصر كانكايا الرئاسي؟ هل سيعود إلى الانخراط في الحياة السياسية اليومية، أم سيتولى وزارة الخارجية في حكومة أردوغان من جديد؟
س: في السابع من ديسمبر عام 2013 وُجهت اتهامات بالفساد والكسب غير المشروع إلى أبناء ثلاثة وزراء حكوميين وإلى رجال أعمال بارزين، لا سيما الإيراني رضا ضراب والمدير العامّ لبنك “خلق”، لكن رئيس الوزراء أردوغان اتهم حركة “الخدمة” بوقوفها خلف هذه المزاعم وتكوينها، في ما سماه “الدولة الموازية”. وبناءً على ذلك سُرِّح عديد من ضباط الشرطة والمدَّعين العامِّين من مناصبهم، فلماذا يتهم رئيس الوزراء -في رأيك- حركة خدمة بكونها دولة موازية؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أستبعد حدوث موجة جديدة من موجات التحوُّل الديموقراطي، فالديموقراطية في فهم أردوغان لا تعني أكثر من حِيازة الأغلبية، وهو يُعوِّل في استمداد قوَّته على التصويت الشعبي وحده، معتقدًا أن بإمكانه أن يفعل ما يريد وأن يتصرف كما يحلو له، الأمر الذي من شأنه أن لا يُفضي إلى إقامة مؤسسات قوية ومستقلَّة، ولا إلى عملية ديموقراطية سليمة. ومن ثم يمكننا القول إن قوة أردوغان إنما تؤدِّي إلى ضعف الدولة التركية.[/box][/one_third]ج: لقد عمل حزب العدالة والتنمية و”حركة كولن” بشكلٍ جيِّد على إدارة ما بينهما من تناغم لعدة أعوام، رغم إن علاقتهما قد شهدت شِقَاقًا لبضع سنوات، وإن مر هذا الشقاق دون أن يلحظه معظمنا في الخارج. ومن الواضح أن حزب العدالة والتنمية قد شرع منذ عامين أو ثلاثة في استئصال أتباع فتح الله كولن من الوزارة والقضاء، كما فضلت حكومته إرساء المناقصات الكبرى على رجال الأعمال الموالين للحزب على حساب رجال الأعمال المنتمين إلى الحركة. وربما كان للسياسة دورها بالمثل، فالديموقراطية -من وجهة نظر كولن- ليست مجرد سُلَّم للوصول إلى السلطة. وأنا على قناعة بأن العولمة قد تسببت في جعل الحركة، النشطة في جميع القارات، أكثر ليبراليةً وانفتاحًا على مر السنوات.
س: كيف تعالج الأُمَم الديموقراطية فضائح الفساد والكسب غير المشروع؟
ج: بادئ ذي بدءٍ، الأصل في الأشخاص البراءة حتى تثبت إدانتهم. وثانيًا تتمتع السلطات القضائية في البلدان الديموقراطية بالاستقلال، لكن بعد نقل عديد من قضاة التحقيق في قضايا الفساد والكسب غير المشروع إلى مواقع أخرى بصورة متعجلة، أصبح لدينا سبب للاعتقاد بأن القضاء التركي لا ينعم بنفس درجة الاستقلالية التي يتمتع بها نظيره في الديموقراطيات الحديثة. وثالثًا يحتاج كل مجتمع صحي إلى وسائل إعلام حُرَّة تفضح سوء التصرُّف، وأنا لست على يقين من تمتع وسائل الإعلام التركية بمثل هذه الحرية. وأخيرًا، فإن الساسة الذين تحوم حولهم شبهات قوية بالتورط في قضايا فساد، عادةً ما يبادرون إلى الاستقالة من مناصبهم.
س: في منتصف مارس أُطلق سراح عشرات المشتبه بهم خلال المحاكمة التاريخية لشبكة “أرجنيكون”، وذلك بموجب القانون الصادر مؤخَّرًا والذي يقضي بإلغاء المحاكم الخاصة وتخفيض المدة القصوى للسجن قبل صدور حكم نهائي إلى خمس سنوات. ما تعقيبك على ذلك؟
ج: لقد شعرت بالحيرة إزاء إدانة كل هؤلاء الأشخاص خلال محاكمة “أرجنيكون”، وتساءلت: كيف يمكن لهذا الأمر أن يُشكِّل مؤامرة سرية بينما يعرفه كل هذا العدد الكبير من الأفراد؟! لكنني كنت -بكل تأكيد- على قناعة من وجود خُطَط للإطاحة بالحكومة، وإن حامت الشكوك حول بعض الأشخاص الذين استغلوا فرصة هذه المحاكمات للتخلص من غرماء غير مرغوب في وجودهم إلى حدٍّ كبير.
س: مؤخرًا، طُرد بعض الصحفيين والكُتاب من وظائفهم الإعلامية، حتى إنه لَيبدو واضحًا أن تركيا تعاني مشكلات في مجالَي حُرِّية التعبير والصحافة، فلِمَ ذلك في رأيك؟
ج: دائمًا ما عانت تركيا المشكلات مع وسائل الإعلام، فقد كان يُنْظَر إلى الإعلام على الدوام بوصفه أداةً في يد ذوي النفوذ، بخاصَّةٍ رجال الأعمال الذين يسعون لامتلاكه بغرض توجيه الحوار المجتمعي حسب أهوائهم. ومع ذلك فينبغي لوسائل الإعلام أن لا تصبح وسيلة لاسترضاء الحكومة من أجل الحصول على حصة مناسبة من المناقصات العامَّة الْمُربِحة، كما أن ممارسة النقد الصحفي تُمثِّل عملاً ذا خطورة في تركيا، إذ تُعرِّضك لاحتمالية فقدان وظيفتك.
س: كيف تقيِّم نتائج الانتخابات المَحَلِّيَّة التي أُجرِيَت في 30 مارس؟
ج: بعد أن زُرْت تركيا في فبراير الماضي، لم أشعر بالدهشة إزاء فوز حزب العدالة والتنمية، وإن توقعت حصوله -رغم ذلك- على نسبة تصويتية تتراوح بين 40 و42% فحسب، وإنه لَمن الجليّ أن الشعب التركي يستشعر أن دولته في أيدٍ أمينة مع أردوغان، إذ يبدو أن جميع المنافسين السياسيين ليسوا أكثر من أقزامٍ بجانبه، وأن أحزاب المعارضة ليست صِنوًا له ولا لحزبه، كما أن البلاد تفتقر إلى نظامٍ يُتِيح الضبط والتوازُن بين مختلف الفاعلين السياسيين. ولعلَّ عدم استفادة أي حزب من الأحزاب من فضائح أردوغان وطريقته الاستبدادية يشي كثيرًا عن طبيعة النظام السياسي التركي. ثم إن ما يُمثِّل أهمية لمعظم الأتراك هو قدرة حزب العدالة والتنمية على إدارة البلاد بطريقة تتَّسم بالفاعلية، وأن هؤلاء المواطنين صاروا ينعمون بمستويات معيشية أفضل مما كانوا عليه قبل 10 سنوات. وقد يصحُّ أن تكون حكومة العدالة والتنمية حكومةً فاسدةً، لكنها تتمتع بالكفاءة. كما أن الأشخاص الذين تَعرَّضَت ثرواتهم للبوار تحت حكم مَن تَوَلَّوا السلطة قبل حزب العدالة والتنمية قد لا يرغبون في تَبَوُّؤ هؤلاء سُدَّةَ الحكم من جديد. وقد راعتني -بطريقةٍ أو بأخرى- الكلمة التي ألقاها أردوغان عقب [one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن تركيا تقف دائمًا عند مفترَق طرق، وحالَ استمرار سعيها الحثيث باتجاه ترسيخ السلطوية، فقد تصبح “روسيا بوتين” و”تركيا أردوغان” صديقتين شاذَّتين. وأنا آمل بالتأكيد أن لا يكون ذلك، رغم أوجُه الشبه الْمَقِيتَة التي تجمعهما معًا، فكلتاهما تُظهِر عجرفة شديدة في تأكيد الذات، وكلتاهما تتعهَّد باستعادة عظمتها التاريخية، وكلتاهما تتسبَّب في حدوث أضرار اقتصادية. أما الفارق بينهما فيكمن في قدرة أردوغان على إدهاش الجميع بما يُظهره من واقعية سياسية مفاجئة، وفي تركيا نفسها التي تأثرت بالمد الأوربي أكثر بكثير مما تأثرت به روسيا.[/box][/one_third]الانتخابات، لأن بمقدوره -في الواقع- أن يُدهش الجميع بتحوُّلاته غير المتوقَّعة. وإن كنتُ أستبعد -على النقيض من ذلك- حدوث موجة جديدة من موجات التحوُّل الديموقراطي، فالديموقراطية في فهم أردوغان لا تعني أكثر من حِيازة الأغلبية، وهو يُعوِّل في استمداد قوَّته على التصويت الشعبي وحده، معتقدًا أن بإمكانه أن يفعل ما يريد وأن يتصرف كما يحلو له، الأمر الذي من شأنه أن لا يُفضي إلى إقامة مؤسسات قوية ومستقلَّة، ولا إلى عملية ديموقراطية سليمة. ومن ثم يمكننا القول إن قوة أردوغان إنما تؤدِّي إلى ضعف الدولة التركية.
س: في رأيك، كيف سيكون الدور الذي تلعبه مزاعم الفساد والكسب غير المشروع وتزايُد قمعيَّة الخطاب السياسي وغيرها من المشكلات المرتبطة بالإدارة الحاليَّة في صياغة مستقبل تركيا؟
ج: إن تركيا تقف دائمًا عند مفترَق طرق كما ذكرتُ من قبل، وحالَ استمرار سعيها الحثيث باتجاه ترسيخ السلطوية، فقد تصبح “روسيا بوتين” و”تركيا أردوغان” صديقتين شاذَّتين. وأنا آمل بالتأكيد أن لا يكون ذلك، رغم أوجُه الشبه الْمَقِيتَة التي تجمعهما معًا، فكلتاهما تُظهِر عجرفة شديدة في تأكيد الذات، وكلتاهما تتعهَّد باستعادة عظمتها التاريخية، وكلتاهما تتسبَّب في حدوث أضرار اقتصادية. أما الفارق بينهما فيكمن في قدرة أردوغان على إدهاش الجميع بما يُظهره من واقعية سياسية مفاجئة، وفي تركيا نفسها التي تأثرت بالمد الأوربي أكثر بكثير مما تأثرت به روسيا.
س: سعت تركيا على مدار سنوات للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، لكن أردوغان بدأ مؤخَّرًا في تحويل وجهه شَطْرَ منظمة “خماسي شنغهاي”، فما رأيك في هذه الفكرة؟
ج: يُمكن لأردوغان أن يمارس الواقعية السياسية في لحظة، ثم أن يصبح شديد العاطفية في اللحظة التالية. إنه يشعر برفض الاتحاد الأوربي، لذلك يندفع صوب الطَّرَف الآخر. وإذا افترضنا صِحَّة عَزمِه على الالتحاق بخماسي شنغهاي فإن ذلك سيُمثِّل أخبارًا بالغة السوء لتركيا، إذ ستتلاشى فرصها في إمكانية أن تصبح أكثر من مجرَّد دولة من الدول متوسطة الدخل. وقد أظهرَت السنوات السابقة أنه من الميسور أن تلتحق بالركب من موقعك المتأخِّر، لكن الانطلاق نحو القمة يتطلب أشياءَ ما زالت تركيا مفتقرةً إليها، كقوة المؤسَّسات والفصل بين السلطات والحريات المدنية، فمن دُونِ هذه الأشياء لا يُمكن للمجتمعات أن تتَّسم بالديناميكية.
س: كيف ترى سياسة تركيا في الشرق الأوسط؟ وهل تعتقد أنها ما زالت لاعبًا مُهِمًّا في المنطقة؟
ج: أهدرت تركيا فرصتها في أن تصبح لاعبًا إقليميًّا، حتى إن نفوذها في المنطقة قد انخفض بشكلٍ متسارع إلى ما يقرب من العدم، وإنْ ظَلَّ لأنقرة قدرتها على التأثير في شماليِّ العراق، كما تجمعها علاقات خاصَّة بقطر. وأيًّا كان ما تعتقده بشأن التطوُّرات الحادثة في سوريا والمملكة العربية السعودية ومصر، سواءٌ أراقتك هذه التطوُّرات أم لا، فعليك أن تعترف بتوقُّف تركيا عن كونها لاعبًا قويًّا في هذه المناطق، وإن ظلت احتمالية تَبَدُّل هذا الوضع واردةً كذلك. ولعلَّ واحدًا من الأمور الجيدة بشأن تركيا هو قدرتها على التغيُّر السريع نحو الأفضل، رغم إبراز الأعوام الماضية قدرَتَها المماثلة على التغيُّر السريع نحو الأسوأ. عمومًا، نأمل أن تكون السنوات التي تنتظرها في المستقبل أحسن حالاً من جديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاوره توجبا كابلان، جريدة سندايس زمان، 6 أبريل 2014.