حوار جريدة تودايس زمان مع مدير مبادرة إصلاح التعليم باتوهان آيدا غول.
حاوره يونكا بويراز دوغان، إسطنبول.
ما إن قدَّم حزب الشعب الجمهوري -وهو أبرز أحزاب المعارضة-التماسًا لدى المحكمة الدستورية لإلغاء القانون المثير للجدل الذي يقضي بإغلاق المدارس التحضيرية الخاصة في تركيا المعروفة باسم “درسخانه”، حتى صرَّح ضيف هذا الأسبوع من “حديث الإثنين” بأن قرار الحكومة وَقْف مثل هذه المناهج التحضيرية قد جانبه الصواب، كما جانب بعضَ القرارات الأخرى المتعلقة بسياسة التعليم.
وقد علَّق باتوهان آيدا غول، مدير مبادرة إصلاح التعليم، المعروفة اختصارًا باسم ERI أو ERG، قائلاً: “تشير الأدلَّة أولاً إلى أن الالتحاق بالمدارس التحضيرية يزيد فرص الطلاب في الانتساب إلى الجامعة بنسبة 10% وهو ما قد يُشكِّل فارقًا كبيرًا بالنسبة لهم. كما تشير ثانيًا إلى أن إرسال الطلاب إلى هذه المدارس يُمثِّل عِبْئًا مادِّيًّا جَسِيمًا على كاهل الأسرة. ثالثًا، في حالة سَيْر الأداء الدراسي للطالب على ما يُرام، تحاول أسرته تَدَبُّر أمورها المالية لإرساله إلى إحدى المدارس التحضيرية، وهو ما يعني -جنبًا إلى جنب مع النتيجة الأولى- أنه يُمكن للطلاب المحتاجين أن يترقوا في السلم الاجتماعي حالَ التحاقهم بها. ثم إن وضع كل هذه الاستنتاجات جنبًا إلى جنب يقودنا إلى عدم الاقتناع بأن من شأن إغلاق هذه النوعية من المدارس أن يؤدِّي إلى رفع جودة التعليم التركي أو أن يزيد الشعور بالمساواة حيال فرص تلقيه”.
وفي خطوةٍ مفاجئة، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم قد أصدر قرارًا في نوفمبر الماضي بإغلاق المدارس التحضيرية، ليثير بذلك عاصفةً من الجدل، إذ غالبًا ما اعتبرت الأسر ذات الدخل المنخفض أو المتوسط هذه المدارس-التي تتَّسم بمعقولية مصروفاتها الدراسية- عاملاً من العوامل التي من شأنها إحداث المساواة في الفرص التعليمية. ثم كان أن تَقَدَّم حزب العدالة والتنمية بمشروع قانون خضع لتصويت وإقرار البرلمان التركي في 7 مارس، ليصبح في 12 مارس قانونًا نافذًا بموجب توقيع الرئيس عبد الله غول. وينص هذا القانون على السماح للمدارس التحضيرية بالاستمرار في عملها حتى 1 من سبتمبر 2015، لتُغلَق جميعًا ابتداءً من هذا التاريخ.
كل ذلك بينما تستعد تركيا للاحتفال بأعياد الطفولة في 23 أبريل، وبينما يتشدَّق الساسة بالكلمات الطنانة عن الأهمية التي يُمثِّلها جميع الأطفال التركيين لأمتهم. ومع ذلك يرى آيدا غول أن الحكومة إنما تتجاهل الأطفال المحتاجين في جميع أنحاء البلاد.
بادئ ذي بدء، لقد عرفنا بازديادِ معدَّلات التحاق الأطفال بالمدارس التركية بشكلٍ كبير، فهلَّا أخبرتَنا عن هذه المعدَّلات وعن المناطق التي تواجهها صعوبات في هذا الصدد؟
يُمكننا القول إن معدَّلات التعليم قد شهدت تحسُّنًا ملحوظًا داخل تركيا في السنوات العشر الأخيرة، إذ بلغت نسبة الالتحاق بمدارس المرحلة الابتدائية (أي السنوات الثماني الأولى من التعليم) ما يقرب من 100%، لتصل هذه النسبة إلى أكثر من 70% خلال مرحلة التعليم الثانوي. وعلى الرغم من ذلك فإن معدَّلات التعليم قبل المدرسي والتعليم في أثناء فترة الطفولة المبكرة قد شهدت ركودًا أو تَرَاجُعًا، خصوصًا في السنوات الثلاث الماضية.
وما السبب في ذلك؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تحتاج تركيا إلى زيادة نفقاتها على مشروعات البنية التحتية في مجال التعليم من أجل تلبية احتياجاتها من هذه المشروعات، بخاصَّةٍ تلك المتعلقة بإنشاء مدارس وفصول دراسية جديدة. ويعني ذلك أنه يجب تخصيص نحو 20-25% من ميزانية وزارة التعليم الوطني للإنفاق على مشروعات الإنشاءات التي رُصد لها في الفترة من عام 2013 إلى عام 2015 نحو 10% فقط من ميزانية الوزارة سنويًّا رغم هذا الاحتياج.[/box][/one_third]أولاً، لأن وزارة التعليم الوطني قد حولت اهتمامها إلى نشاطاتٍ أخرى، مثل إعادة هيكلة الوزارة وإعادة رسم العملية التعليمية طبقًا لمخطط 4+4+4 ووضع نظم جديدة لاختبارات الطلاب وإغلاق المدارس التحضيرية الخاصة، وهلم جرًّا. والأهمّ من ذلك أن الأسرة التركية ما زالت مضطرةً إلى دفع مصروفاتٍ مقابل تلقِّي أبنائها التعليم قبل المدرسيّ، على الرغم من دعوتنا إلى ضرورة أن يصبح مجَّانيًّا وإلزاميًّا، خصوصًا مع توافُر الأدلَّة على اتساع مدى ما يُمكن للأطفال اكتسابه من خلال ذهابهم إلى الحضَانات، إذ إن من شأن الاستثمار في التعليم الخاصّ بمرحلة الطفولة المبكِّرة أن يوفِّر الأساس لمراحل التعليم اللاحقة. هذا وتقوم الحكومة التركية بقدرٍ أكبر من الاستثمار في التعليم الجامعي، فهي تُعفِي الطلبة من دفع المصروفات على سبيل المثال، غير أن هذه السياسة من جانبها قد جانبت الصواب، كما أن مثل هذه الطريقة في وضع السياسات إنما تنجم -كما هو واضح- عن نهجها الشعبوي. ومن جانبنا شاركنا نتائجنا المتعلقة بفوائد التعليم خلال مرحلة الطفولة المبكرة مع الوزارة، وإنْ لم يكن بإمكاننا بَعْدُ أن نتفهم أسباب عدم إدراج الحكومة هذه المرحلة التعليمية على قائمة أولوياتها.
في رأيك، ماذا انتاب ميزانيةَ وزارة التعليم الوطني على مَرِّ السنوات؟
حسنٌ، لقد زادت الميزانية، إلا إنها لم تزِدْ بشكلٍ كافٍ، إذ بلغت 3.24% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014، بعد أن كانت 3.05% في عام 2013. وخلال العام الجاري يُتوقع أن يصل الإنفاق على التعليم العام -بما في ذلك التعليم العالي- إلى نحو 4.5% من إجمالي الناتج المحلي.
وتُعَدُّ هذه الأرقام بعيدةً عما ينبغي توافره لتقديم خدمةٍ تعليميةٍ تتمتع بالجودة، كما أنها أقل بكثيرٍ من المتوسط الذي حدَّدَته دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المتمثل في 5.5%، وكذلك أقل من نسبة 6% التي اقترحتها منظمة اليونسكو للدول النامية.
وتحتاج تركيا إلى زيادة نفقاتها على مشروعات البنية التحتية في مجال التعليم من أجل تلبية احتياجاتها من هذه المشروعات، بخاصَّةٍ تلك المتعلقة بإنشاء مدارس وفصول دراسية جديدة. ويعني ذلك أنه يجب تخصيص نحو 20-25% من ميزانية وزارة التعليم الوطني للإنفاق على مشروعات الإنشاءات التي رُصد لها في الفترة من عام 2013 إلى عام 2015 نحو 10% فقط من ميزانية الوزارة سنويًّا رغم هذا الاحتياج.
وحين تُخفِق الحكومة في توفير الاحتياجات اللازمة لجودة العملية التعليمية، تحاول المدارس الخاصة تغطية نفقاتها بالاعتماد على أموال المواطنين الذين يُلحِقون أبناءهم بها، مما يؤدِّي -بطبيعة الحال- إلى تفاوُتٍ بين الحكومة وتلك المدارس في توفير الظروف الموائمة لتقديم خدمةٍ تعليميةٍ تتمتع بالجودة.
“هناك ثلاثة بلدان دائمًا ما تحتل ذيل القائمة: المكسيك وتشيلي وتركيا”
ما الذي تنبئنا به نتائج البرنامج الدولي لتقييم الطلبة عن أداء الطلاب الأتراك؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]استثمرت الحكومة في الكتب الدراسية والحواسيب اللوحية ووضع المناهج الجديدة ومشروعات البنية التحتية، إلخ، وجميعها مشروعات تخدم السياسة الشعبوية للحكومة، غير أنها للأسف قد تَنَاسَت الطرف الأكثر أهميةً في المنظومة التعليمية وهو المعلِّمون.[/box][/one_third]يُمكننا النظر إلى هذه المسألة من منظورين، يتمثل أحدهما في إمكانية مقارنة النتائج في تركيا مع النتائج في غيرها من البلدان المشاركة في هذا البرنامج. ومن بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ثلاثة بلدان دائمًا ما تحتلّ ذيل القائمة: المكسيك وتشيلي وتركيا. ومنذ عام 2003 يُجرَى هذا التقييم مرةً واحدةً كل ثلاث سنوات.
ولِمَ ذلك في اعتقادك؟
إن نتائج البرنامج الدولي لتقييم الطلبة لا توضِّح لنا أسباب القصور، لكنَّ بإمكاننا استخدامها لتحليل منظومتنا التعليمية. وهذا -في حد ذاته- شيءٌ مهمٌّ للتربويين، وسأؤكد هنا ضرورة توفر المعلِّمين الأكْفَاء من أجل تقديم خدمةٍ تعليميةٍ جيدة. ولعل وزارة التعليم الوطني قد أقرَّت بحقيقة إهمالنا المعلِّمَ على مدى السنوات العشر أو الاثنتي عشرة الماضية من عمر عملية الإصلاح التعليمي التي تشهدها تركيا، فقد استثمرت الحكومة في الكتب الدراسية والحواسيب اللوحية ووضع المناهج الجديدة ومشروعات البنية التحتية، إلخ، وجميعها مشروعات تخدم السياسة الشعبوية للحكومة، غير أنها للأسف قد تَنَاسَت الطرف الأكثر أهميةً في المنظومة التعليمية وهو المعلِّمون. لذا ينبغي لنا جميعًا أن نطلب من حكومتنا تَبَنِّي أسلوبٍ مدعومٍ بالأدلَّة أكثر من ذلك في رسم سياساتها، وهو ما لا يحدث في تركيا.
ما إن تزايدت حالة الاستقطاب في المشهد السياسي التركي حتى أعادت الحكومة تعيين موظفين بيروقراطيين في غير أماكنهم، مدَّعيةً أن لهم صلاتٍ بما سمَّته “الدولة الموازية” (أي حركة خدمة)، فكيف يؤثر ذلك على عملك وتعاونك مع الوزارة في الوقت الذي قد يُعاد فيه تعيين موظفين تربطك بهم علاقاتٌ وتفاهماتٌ نَمَت على مرِّ الأعوام، في مواقع لا علاقة لها بخبراتهم؟
قد تَعوَّدنا ذلك، وهو شيءٌ تشهده البيروقراطية التركية طوال الوقت، ومسؤوليتنا أن نُكوِّن علاقاتٍ صحِّيَّةً تقوم على أساس الثقة بأي شخصٍ ينتقل إلى الوزارة. أما في ما يتعلَّق بهذا السياق، فينبغي للمؤسسات أن تنأى بنفسها بعيدًا عن حالة الاستقطاب وينبغي لكلامنا أن يكون مدعومًا بالأدلَّة وداعمًا حقَّ الطفل في التعلُّم، لأن المعسكر الوحيد الذي ننتمي إليه هو معسكر الطفولة.
ولا شكَّ في أن تركيا قد شهدت مزيدًا من الاستقطاب خلال العامين المنقضيين، حتى إن المرء لَيستشعر ذلك في كل جانبٍ من جوانب المشهدين الاجتماعي والسياسي. لكنْ على الرغم من هذه الحقيقة فقد أمكننا الحفاظ على نوعٍ من التعامل الذي تسوده روح الزمالة مع وزارة التعليم الوطني، وهو أمرٌ بالغ الأهمية لنا وللوزارة على حدٍّ سواء. ورغم كل الانتقادات القاسية التي تُوَجَّه إليهم فإنهم بحاجةٍ إلى إفادتهم بتعقيباتٍ بناءةٍ وموضوعيةٍ تتناول ممارساتهم. ونحن لا نتفق معهم حول كل شيءٍ يفعلونه، لأنهم يعملون في مؤسَّسةٍ بيروقراطيةٍ لها آيديولوجيتها التي تحرِّكها، كما هو حال النظام السياسي في أغلب البلدان. لكننا بحاجةٍ إلى أن نطلب منهم الاستعانة بالأدلَّة ووضع الأمور في نصابها الصحيح بينما ينفِّذون مطالب الإرادة السياسية التي تقف خلفهم. ولنَعُدْ إلى مخطط 4+4+4 على سبيل المثال الذي سَعَت حكومة حزب العدالة والتنمية من خلاله إلى إعادة هيكلة التعليم الأساسي. حسنٌ، فربما اعتقد الحزب أن ذلك ما أراده المواطنون بالفعل! ثم كان على الوزارة أن تفكر في كيفية تنفيذ هذه الخطة باتباع أفضل السُّبُل التربوية. ومع ذلك فإن منظومة 4+4+4 لا ترتكز على أيّ خلفيةٍ معقولة، باستثناء قوة الضغط والدفع التي يمارسها اتحادٌ واحدٌ فقط من اتحادات المعلِّمين (“الاتحاد العمالي للعاملين بالتعليم” الموالي للحكومة)، كما أنه ليس لهذه التجربة أي سوابق دولية. وقد كان خطأً من جانب الحكومة أن لا تُعِيد النظر في هذا المقترح من أجل التأكُّد من جدواه. ونحن من جانبنا لا نعرف سبب خروجهم علينا بهذه المنظومة، اللهم إلا أن يكونوا قد شهدوها في ألمانيا وحاولوا تقليدها.
“الأطفال يدفعون الثمن”
هل تعتقد أن الحكومة قد تكون نظرت إلى الأسئلة والمشكلات المتعلقة بالتعليم في ذلك الوقت من خلال عدسة المدارس الدينية لإعداد الأئمة (مدارس إمام – خطيب)، إذ أشار بعض المراقبين إلى أن السبب الوحيد لتطبيق نظام 4+4+4 هو تدعيم ركائز هذه المدارس؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إننا بصدد مقاربةٍ تهدف إلى وضع سياسةٍ فوقيةٍ تفتقر إلى الدليل وإلى الأساس العلمي، كما تفتقر إلى خطة التنفيذ المعقولة والمحسوبة بشكلٍ جيِّد، علاوةً على أن المخاطر لم تُؤخذ في الحسبان.[/box][/one_third]في إطارٍ ديمقراطيٍّ يُمكِننا طرح هذه المسألة للنقاش. وتتمثل إشكالية مناقشتها في وجوب فعل ذلك بطريقةٍ تشارُكيةٍ، أعني إذا أردنا إصلاحًا تعليميًّا مستدامًا بالفعل. ورغم أنه لا يمكنني بعدُ أن أزعم أن هذا التغيير قد كان مروِّعًا في وقعه على التلاميذ، لكونها السَّنَةَ الأولى لتطبيقه وسيتعين علينا مراقبته لفترةٍ أطول، فإن الأطفال دائمًا ما يدفعون ثمن القرارات مفتقدة الكفاءة التي تتخذها الوزارة لوضع السياسات. ومن الواضح أنه ليس بوسعك اتخاذ إجراءٍ كهذا في بلدٍ تتسم فيه وزارة التعليم بالقوة وبتوظيف طاقمٍ مختصٍّ لرسم السياسة العامة وتنفيذها. ومع ذلك فإننا بصدد مقاربةٍ تهدف إلى وضع سياسةٍ فوقيةٍ تفتقر إلى الدليل وإلى الأساس العلمي، كما تفتقر إلى خطة التنفيذ المعقولة والمحسوبة بشكلٍ جيِّد، علاوةً على أن المخاطر لم تُؤخذ في الحسبان.
تشهد قضيةٌ أخرى نقاشًا ساخنًا، هي قرار الحكومة وَقْف التعليم الخاصّ أو إغلاق المدارس التحضيرية الخاصة (أو “درسخانه” كما تُعرف بالتركية)، فما تقييمك لهذا القرار؟
أولاً تشير الأدلَّة إلى أن الالتحاق بالمدارس التحضيرية يزيد فرص الطلاب في الانتساب إلى الجامعة بنسبة 10%، وهو ما قد يُشكِّل فارقًا كبيرًا لهم، وتشير ثانيًا إلى أن إرسال الطلاب إلى هذه المدارس يُمثِّل عبئًا ماديًّا جسيمًا على كاهل الأسرة. أخيرًا فإنه في حالة سير الأداء الدراسي للطالب على ما يُرام، فإن أسرته تحاول تَدَبُّر أمورها المالية لإرساله إلى إحدى المدارس التحضيرية، وهو ما يعني -إلى جانب النتيجة الأولى- أنه يُمكن للطلاب المحتاجين أن يَتَرَقَّوا في السلّم الاجتماعي حالَ التحاقهم بها. ثم إن وضع كل هذه الاستنتاجات جنبًا إلى جنب يقودنا إلى عدم الاقتناع بأن من شأن إغلاق هذه النوعية من المدارس أن يؤدِّي إلى رفع جودة التعليم التركي أو أن يزيد الشعور بالمساواة حيال فرص تَلَقِّيه. ويتمثل مكمن اعتراضنا هاهنا في قيام تَخَلُّص الحكومة من إحدى المنظومات الداعمة للأطفال. وقد أفصح رئيس الوزراء عن عزم المدارس الحكومية على توفير المساعدة الضرورية للطلاب بدلاً من المدارس التحضيرية. ولو صحّ ذلك لكان شيئًا جيدًا بالفعل، غير إن تَوَقُّع حدوثه لا يتَّسم بالواقعية. مع ذلك فإنه من الصعوبة بمكانٍ أن نبادر إلى طرح الاستنتاجات في الوقت الراهن. وعلى الأرجح سيتدبَّر الآباء أمر تَلَقِّي أطفالهم دروسًا خصوصية من شأنها أن تكون أكثر ارتفاعًا في التكلفة. يعني ذلك تبنِّي البلاد قانونًا آخر يتمثل في قدرة الموسرين وحدهم على الوصول من خلال المال، وهو الشيء الذي يحدث في تركيا طوال الوقت، إذ تعتمد الوزارة قانونًا من قبيل منظومة 4+4+4 أو من قبيل إغلاق المدارس التحضيرية، فتَنتُج بيئةٌ فوضويةٌ في السنوات القليلة الأولى بسبب الإعداد الرديء للسياسات. أما إذا كنتَ موسرًا بشكلٍ كافٍ، فسيُمكنك تَدَبُّر أمورك عن طريق المال. وإذا ما كان طفلك طالبًا في إحدى المدارس الخاصة فإنك لن تتأثر إلى حدٍّ كبير. وإذا ما كنتَ أحد قاطني الأحياء الثرية التي يذهب أطفالها إلى المدارس العامة، فإنك كذلك ستكون أفضل حالاً. لكنك إذا لم تكُن أيًّا من ذلك فستطيح بك هذه الفوضى، لدرجة أنني لا أستطيع تصديق أن مثل هذه الممارسات تحظى بالقبول لدى حزبٍ يزعم أن العدالة الاجتماعية واحدةٌ من أساسياته.
وقد لا تتغير الإحصائيات التي تُظهِر مدى تأثير قرارات الوزارة على الطلاب المنتمين إلى الشرائح المتوسطة اجتماعيًّا، غير أن التركيز على الفئات المتوسطة وحدها سيؤدِّي إلى إغفالنا الدائمَ المشكلاتِ المتعلقةَ بأطفال القطاعات دون المتوسطة، كما أن استمرارنا في وضع السياسات التي تُراعي الطالب المتوسط فحسب إنما يعني أنه دائمًا ما سيكون على البلاد أن تضحِّي بكثير من أطفالها الذين لم يسعفهم الحظّ بالانتماء إلى شريحة الوسط. لذا تتمثَّل المشكلة الأساسية للتعليم التركي في عدم قدرته على توفير العدالة، بل إنه -على النقيض- يُعزِّز غياب المساواة، ويُمكنني أن أعطيك مثالاً لذلك.
نعم، من فضلك، هلاَّ فعلت!
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تتمثَّل المشكلة الأساسية للتعليم التركي في عدم قدرته على توفير العدالة، بل إنه -على النقيض- يُعزِّز غياب المساواة.[/box][/one_third]منذ أربع أو خمس سنوات، اعتمدت الحكومة سياسةً تهدف إلى توسيع نطاق التعليم خلال مرحلة الطفولة المبكرة في جميع أنحاء البلاد. وسعت إلى أن تصل نسبة الأطفال المستفيدين من هذا القرار البالغة سنُّهم خمس سنوات، إلى 100% على امتداد 81 مقاطعة من خلال عدة مراحل. وكنا -إلى جانب “مؤسسة تعليم الأم والطفل”- نادينا بضرورة البدء بالأطفال المحتاجين أكثر من غيرهم، لكونهم بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى تلقِّي التعليم الخاصّ بمرحلة الطفولة المبكِّرة. ورأينا أنه ينبغي لنا أولاً أن نساعدهم على سدِّ الفجوة التي تفصلهم عن الأطفال الأفضل حالاً. لكنْ على العكس من ذلك شرعت الحكومة في تنفيذ المشروع بدءًا بالمقاطعات الأقلِّ في عدد السُّكَّان وبأكثرها حظًّا في الحصول على التعليم قبل المدرسي، بينما عجزت عن الوصول إلى المناطق التي شهدت أقلَّ معدَّلات الالتحاق، وهو ما يعني تجاهُل الحكومةِ الأطفالَ المحتاجين في جميع أنحاء البلاد.
“علينا الشروع فورًا في الاستثمار في المعلِّم”
ما السياسة الأساسية التي تُوصِي الحكومةَ بتبنِّيها؟
إننا نطلب من الحكومة أن تكون أكثر مراعاة للمساواة وأن تقدر مساهمات المجتمع المدني وأن تتخذ قراراتٍ تدعمها الأدلَّة لرسم سياساتها، وأن تتبنى مواقف من شأنها تعزيز المساواة بصورةٍ مطَّردةٍ، سواء عند وضع السياسات التعليمية أو لدى تنفيذها، لأن الحكومة مَدِينةٌ لأبناء هذا الوطن. لكنها إن لم تُراعِ كل هذه الأشياء فسنواصل خسارة أجيالٍ من أطفالنا لصالح التعليم الرديء، لنكتشف -في ما بعد- افتقار أغلبهم إلى المهارات اللازمة للتعامل مع اقتصاد القرن الحادي والعشرين. كما أننا بحاجةٍ إلى حَثِّ المواطنين على أن يطلبوا من الحكومة توفير منظومةٍ تعليميةٍ تتمتع بالجودة وتشمل الجميع، إذ أعتقد أن الحكومة لن تنتبه لذلك -مع الأسف- ما لم يُلِحّ المواطنون.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا لم نشرع في الاستثمار في المعلِّم فلن نحقق شيئًا يُذكَر بحقٍّ في ما يتعلق بالتعليم الجيد.[/box][/one_third]وأَوَدُّ أن أضيف -في هذا الصدد- أنه قد وُضِعَت مسوَّدةٌ باسم “الاستراتيجية الوطنية للمعلِّمين” التي ما زالت بحاجةٍ إلى إقرار مجلس الوزراء ودعمه لها، بعد أكثر من عامين ونصف من انتظار التصديق عليها والشروع في تنفيذها. مع ذلك فإنه دائمًا ما توجد بنودٌ أخرى تخضع للنقاش على جدول الأعمال، ولم نعد نريد لها أن تتأخر أكثر من ذلك، لأننا إذا لم نشرع في الاستثمار في المعلِّم فلن نحقق شيئًا يُذكَر بحقٍّ في ما يتعلق بالتعليم الجيد.
نُبذَة موجزة عن باتوهان آيدا غول
مدير “مبادرة إصلاح التعليم” (المعروفة اختصارًا باسم ERI أو ERG) ومحلل السياسات التعليمية، مع خبرة تمتد إلى أكثر من 10 أعوام في كلٍّ من الدول النامية والبلدان الخارجة من الصراعات. وخلال سنوات عمله، برع في تقديم المشورة لصناع القرار وكتب أوراقًا تتناول عملية رسم السياسات التعليمية، كما وضع خُطَط بعض المشروعات وأشرف على تنفيذها وتَوَاصل مع مسؤولين رفيعي المستوى على الصعيدين العامِّ والخاصِّ، وقاد عددًا من الحملات المناصرة لبعض القضايا.
حصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة مرمرة وعلى درجة الماجستير في نظم التعليم الدولي المقارن من كلية الدراسات العليا للتعليم بجامعة ستانفورد. كما أنه حاصل على “جائزة الخدمة المتميزة” من وزارة التعليم الوطني بدولة ليبيريا، وكذلك على “زمالة باتريشيا بلانت كولديكي” للريادة في ميدان العمل الاجتماعي من مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في عام 2012 لإسهاماته في مجال التعليم العام داخل تركيا. وهو عضو المجلس الاستشاري “لمؤسسة تعليم الأم والطفل”، وعضو مجلس إدارة مؤسسة “أكاديمية تدريب المعلِّم” التركية، وكذلك “شبكة مراكز وضع السياسات التعليمية”، وهي شبكة إقليمية يقع مقرها في دولة كرواتيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة تودايس زمان، الأحد 20 من أبريل 2014.