قال المفكر التركي محمد أنس أركنه، إن جذور الصراع السياسي في تركيا بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وجماعة فتح الله كولن، تعود إلى ما أسماها “الدولة الخفية” التي تسعى للقضاء على التنظيمين معاً.
واتهم أركنه، في حوار مع هسبريس، بمقر مجلة حراء في إسطنبول، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بسعيه إلى استئصال جماعة كولن من الوجود، مشيرا إلى أن 80% من أصوات “الجماعة” في الانتخابات التي ستُجرى يوم الأحد لن تذهب لمرشحي “العدالة والتنمية”.
وأضاف الشيوعي السابق الذي استقطبته جماعة كولن، وهو باحث أيضا في وقف البحوث الأكاديمية والأنترنت، أن “أردوغان يتشبث بالحكم حتى لا تتم متابعته في القضاء”، معتبرا أن المئات من ملفات الفساد ستجر رئيس الوزراء التركي إلى المحاكم.
ما هي الجذور الفكرية لحركة فتح الله كولن؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]الحركة لا تدعم أي حزب سياسي بشكل مباشر، إلا أنها تترك القرار لأتباعها لاختيار المرشح الأنسب وبحكم التقارب المرجعي، فقد صوت أغلب أتباع الحركة (ما يقارب 80 بالمئة) لأربكان ولأردوغان فيما بعد. وعندما ترى الحركة سلوكا أو قرارا سياسيا لا تقتنع به فهي تعلن موقفها تجاهه.[/box][/one_third]كانت بداية الحركة سنة 1970 ومن هناك إلى يومنا يمكننا تقسيم تاريخ الحركة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى من سنة 1970 إلى سنة 1980، والمرحلة الثانية من سنة 1985 إلى سنة 2000 والمرحلة الثالثة من سنة 2000 إلى يوم الناس هذا.
وأما من حيث التصنيف، فهي مختلفة، بحيث يمكن للمتابع أن يتعرف على الحركة انطلاقا من تاريخها أو من مؤسسها أو من خلال دراسة قيمها وأفكارها التي تدعو إليها.
طبعا، فالمرحلة الأولى هي مرحلة التأسيس حيث يمكن اعتبارها ذات بعد محلي، أي في تركيا فقط، ولم تكن مشهورة في جميع أنحاء تركيا، أو لدى الرأي العام. وعرفت آنذاك بتأسيس المدارس وداخليات الطلبة، كما ارتبطت نشأتها بظهور الصحوة الإسلامية في بداية الثمانينات على إثر الصراع الأيديولوجي والدموي الذي كان في سنوات السبعينيات بين الشيوعيين والفاشيين، كنا آنذاك نسمع عن ضحايا العنف بالعشرات في الشوارع كل يوم، وفي سنة 1980 قام العسكر بانقلاب واستولى على مقاليد السلطة لمواجهة المد اليساري المهيمن والمتغلغل والذي تطور إلى تشكيل عصابات إرهابية متطرفة.
خلال هذه الفترة أصبح للفئة المتدينة من الشعب التركي حضور في الشارع وفي الإعلام، وبدأ الفكر الإسلامي ينتشر في المجتمع، وبدأنا نرى مؤلفات وكتابات لمثقفين إسلاميين…
هل هذه الكتابات والمؤلفات تركية، ابنة بيئتها أم أنها أتت من العالم العربي والإسلامي؟
هي أدبيات تركية صرفة لكننا لا يمكن أن ننفي تأثر إسلاميي تركيا بما يقع من حولهم من كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب والترابي وغيرهم، وهي كتب مترجمة من العربية والفارسية إلى التركية..
هل الإسلاميون كانت لهم اختيارات دعوية أم سياسية؟
في البداية كانوا متمركزين حول السياسة، فالدكتور نجم الدين أربكان كان في حزب السلامة، قبل انقلاب 1980، الذي منع العمل السياسي وزج بقادة الأحزاب في السجن، وفي سنة 1983 صعد “تورغت أوزال” وهو شخص متدين وقام بتوسيع الحريات وفسح المجال لتأسيس الأحزاب وبتخفيف الضغط على الإسلاميين بشكل حذر وعقلاني حتى يتجنب مواجهة العسكر، آنذاك قام أربكان بتأسيس حزب الرفاه، وأكمل مسار الإسلام السياسي.
ومن جهة ثانية تمكنت جماعات إسلامية وطرق صوفية من داخل المجتمع المدني من ممارسة أنشطتها علنا وتجاوبت معها فئات عريضة من الشعب التركي، لتسهم في تقوية الإسلام الدعوي الذي يهدف أساسا إلى أسلمة المجتمع ونشر التدين، وهو ما أدى أيضا إلى ازدياد الأحزاب الإسلامية وتقويتها.
بعد التسعينات، ارتفع إيقاع العمل السياسي لدى الإسلاميين، وبما أن الدولة علمانية فإنها كانت تخشى من صعود المد الإسلامي، وبدأ الصراع بين العلمانيين والأحزاب الإسلامية، وبرز اسم حركة فتح الله كولن كأقوى الحركات الإسلامية التي يريد النظام العلماني القضاء عليها، كما أن تولي حزب الرفاه سدة الحكم بتحالف مع حزب الطريق القويم زاد من قوة المد الإسلامي الذي طور خطابه السياسي الذي لا يدعو صراحة إلى مواجهة النظام العلماني، غير أن نجاحاته الاقتصادية وتجاوب المواطنين معه أشعل مخاوف العلمانيين، وجعل الضغوط تزداد على الإسلاميين عموما رغم مرونة خطاب نجم الدين أربكان رحمه الله، وتمكن العسكر في سنة 1997 مرة أخرى من تنظيم انقلاب أبيض على السلطة المدنية لإيقاف هذه التجربة الفتية.
بل تمادى أعداء التيار الإسلامي إلى افتعال أعمال إرهابية واغتيالات لرموز فكرية ترتكبها شبكة “أرغينكون” ويقومون بإلصاق التهم للإسلاميين لتشويه صورتهم والنيل من سمعتهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]الجمعيات الاسلامية في تركيا تتمتع بنوع من الاستقلالية، ولها ارتباط عضوي مع جميع الأحزاب السياسية، ففي عهد حكومة العدالة والتنمية مثلا، فالجماعات الأخرى نالت دعما من الحكومة باستثناء حركة فتح الله كولن التي لم تطلب أي دعم من الحكومة، لأننا نرى هذا الدعم غير جائز لأن هذه الحركة هي موجهة للشعب وليس للدولة، والحمد لله فشعبنا هو شعب كريم ومطواع ويؤيد هذه الخدمات ولذلك لا نحتاج لدعم الدولة، ثم إننا حين نرفض دعم الدولة، هذا يعني أننا نريد من الدولة أن تحافظ على استقلاليتها.[/box][/one_third]برز الانقسام السياسي في حزب الرفاه بعد خروج طيب رجب أردوغان رفقة عدد من القيادات السياسية من جبة نجم الدين أربكان على إثر اختلافهم معه وحول طريقة تدبيره للخلاف مع النظام العلماني. آنذاك فكر الأستاذ فتح الله كولن في خلق منبر أسماه “بندر” لإجراء حوار بين كافة المفكرين باختلاف انتماءاتهم الفكرية من أجل تقريب الرؤى والأفكار والخروج من حالة الاختلاف والتشرذم الذي وصل إليها الشعب التركي وتأسيس جو من التعايش وتقبل الآخر. وتم تأسيس المنبر على يد بعض أفراد الجماعة وبدأ مدعووه يطرحون كل الإشكاليات المرتبطة بالدين والسياسة والدولة بكل حرية واحتدم السجال والنقاش لتشكيل رؤى موحدة على أساس ديمقراطي وليبرالي، وأصبح القادة الإسلاميون الجدد يؤكدون على أنهم خلعوا لباس أربكان في اتجاه خلق خطاب سياسي جديد.
وهل تعتقد أنهم فعلا قد خلعوا لباس أربكان وهم الذين قضوا معه سنوات عديدة؟
هم غيروا منهجهم وخطابهم السياسي، ولكنهم لم يغيروا تدينهم الشخصي وإلى حدود سنة 2007 وعبر حزب العدالة والتنمية الذي شكلوه، واصلوا مسلسل إطلاق الحريات وتوسيع الحقوق.
دعنا نعُد إلى موقف حركة الأستاذ فتح الله كولن السياسي، هل هي أيدت نجم الدين أربكان ووقفت معه؟
الحركة لا تدعم أي حزب سياسي بشكل مباشر، إلا أنها تترك القرار لأتباعها لاختيار المرشح الأنسب وبحكم التقارب المرجعي، فقد صوت أغلب أتباع الحركة (ما يقارب 80 بالمئة) لأربكان ولأردوغان فيما بعد. وعندما ترى الحركة سلوكا أو قرارا سياسيا لا تقتنع به فهي تعلن موقفها تجاهه.
ولكن لماذا وقفتم مع العسكر ضد أربكان في انقلاب 1997؟
لا، هذا غير صحيح، العدو الحقيقي للعسكر هو الجماعة فكيف لها أن تدعمه، ولم يصدر عن الأستاذ كولن أي تصريح يفيد ذلك، كل ما كان ينصح به فتح الله كولن هو أنه على أربكان أن يغير من تصريحاته تجاه المؤسسة العسكرية، هذا ما يشاع فقط ولو كان صحيحا ما اختار الأستاذ فتح الله كولن الهجرة والاستقرار بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد رفعت ضده قضايا يصل الحكم فيها إلى الإعدام، الأستاذ كان دائما يقول نحن نشتغل في العمل المدني ولا دخل لنا في السياسي.
أتباع فتح الله كولن كانوا يدعمون في الخفاء ويصوتون سياسيا على حزب الرفاه، ولكن فيما بعد هل دعموا حزب العدالة والتنمية لأن أردوغان كانت له علاقة طيبة مع فتح الله كولن، هل كولن دعم أردوغان لتأسيس حزب العدالة والتنمية من أجل ضمان بقاء المؤسسات التربوية والتعليمية التي كان يسيرها في تركيا؟
الجمعيات الاسلامية في تركيا تتمتع بنوع من الاستقلالية، ولها ارتباط عضوي مع جميع الأحزاب السياسية، ففي عهد حكومة العدالة والتنمية مثلا، فالجماعات الأخرى نالت دعما من الحكومة باستثناء حركة فتح الله كولن التي لم تطلب أي دعم من الحكومة، لأننا نرى هذا الدعم غير جائز لأن هذه الحركة هي موجهة للشعب وليس للدولة، والحمد لله فشعبنا هو شعب كريم ومطواع ويؤيد هذه الخدمات ولذلك لا نحتاج لدعم الدولة، ثم إننا حين نرفض دعم الدولة، هذا يعني أننا نريد من الدولة أن تحافظ على استقلاليتها.
حزب العدالة والتنمية كان يدعم حركتكم ويلبي كل مطالبها إلى درجة أن بعض الحساسيات الإسلامية الأخرى كانت تنزعج من هذا الدعم والتأييد الذي كانت تحصل عليه حركة كولن من لدن حكومة العدالة والتنمية؟
أولا ينبغي أن نتساءل ما هو هذا الدعم الذي كانت تقدمه هذه الحكومة للجماعة؟ مثلا نحن في الخدمة نريد أن نؤسس مدرسة، ولكننا نحتاج للترخيص، وهذا الترخيص تطلبه الجماعة من الحكومة، أي من أجهزة الدولة، والحكومة تسهل في عملية أخذ هذه التراخيص، هل هذا هو الدعم الذي كانت تقدمه لنا الحكومة؟ ثم أنه منذ عام 2000 وإلى اليوم لم تفتح أية مؤسسة جديدة تابعة للجماعة…
لماذا؟
لأنه بعد عام 2000 فالجماعة توسعت في استثماراتها خارج تركيا، حزب العدالة والتنمية كان يدعم الجماعة ويساندها بالخطابة فقط من خلال اللقاءات والمهرجانات التي كان يعقدها..
ومتى وقع التباعد بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية؟
التباعد بين حزب العدالة والتنمية حصل بسبب أن بعض محبي كولن يوجدون في داخل أجهزة الدولة، ولما جاء حزب العدالة والتنمية للحكم لم يكن أعضاء الحزب يعرفون أطر الجماعة، وبدؤوا يتعرفون عليهم، وبعد ذلك بدؤوا يقللون من شأنهم بل سارعوا إلى تهميشهم، فهؤلاء المحبون للأستاذ كولن كانوا موجودين قبل مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم، لأن الحركة استثمرت في التعليم منذ بداية السبعينات، واستطاعت الجماعة أن تنشئ أطرا وكوادر تولت مناصب عليا في أجهزة الدولة، وهذا يعود أساسا إلى رؤية الأستاذ فتح الله كولن، على عكس الجماعات الأخرى التي كانت تفتقد إلى هذه النظرة الاستشرافية لمستقبل العمل الإسلامي في تركيا.
يعني أن الجماعة أنشأت أطرا وكوادر واستطاعت أن تنفذ داخل أجهزة الدولة؟
هذا صحيح، فهذه الأطر والكوادر التي تخرجت من المدارس التي أنشأها فتح الله كولن، واستطاعت أن تنفذ إلى أجهزة الدولة بالنظر إلى كفاءاتها العالية، وساهمت وساعدت حكومة العدالة والتنمية، لأن الجماعة استعانت بهذه الكوادر التي كانت تفتقر إليها.
طيب، إذن ما هي أسباب الخلاف بين الحزب والجماعة؟
الخلاف ما بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية قد بدأ منذ 2009، بحيث أننا لم نتفق على أشياء كثيرة، وأهم هذه الاختلافات كانت تتعلق بما هو فكري وسياسي بالدرجة الأولى، ومن أهم نقط الخلاف ما بيننا هي أن حزب أردوغان بدأ يبتعد عن الديمقراطية شيئا فشيئا وعن دعم الحريات، لأنهم لما جاؤوا في بداية الأمر تجاوب معهم الناس لأنهم رفعوا شعارات الحرية والديمقراطية، ولما غيروا من هذه الشعارات أصبحوا يخدمون أجندتهم الخاصة، أي أنهم تحولوا من فكر يشرك الجميع في عملية البناء والتغيير، إلى فكر ينظر إلى أنفسهم فقط، واصبحوا طائفيين يخدمون فئة معينة داخل المجتمع على حساب الفئات الأخرى وقع الخلاف.
كيف ذلك، هل من توضيح أكثر؟
لقد بدأت الرشوة تنتشر في صفوف الحزب، وكانوا يفسرون هذه الرشاوى بفتوى من الدين، فمثلا أنت مقاول تريد أن تبني عمارة هنا، فلا بد أن تقدم رشوة كي تأخذ الترخيص وإلا لا تستطيع أن تبدأ في العمل، فهذه القطعة الأرضية التي ترونها الآن بالقرب منا، أراد صاحبها أن يبني عشر عمارات ولكن لما طلب الترخيص طلبوا منه رشوة، وتساءل بأي قانون تأخذون هذه الفلوس، هل هناك قانون شرعي أو قانوني…؟؟
نفهم أن هناك حرب مفتوحة بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية بسبب ملفات فساد كما نفهم من كلامك؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]طيب أردوغان يهاجمنا كل يوم في لقاءاته الحزبية، ويخوض ضدنا حربا في خطاباته الحزبية في أنحاء تركيا، ومن المفروض أن يهاجم حزبا معارضا له وليس منظمة مدنية ليست لها أطماع في الحكم، لكن الان ليس له معارضة، فالمعارضة الوحيدة بالنسبة له هو فتح الله كولن وجماعته.[/box][/one_third]هذه بعض أسباب الاختلاف التي ذكرت لك، ولكن هناك أسباب أخرى، بحيث كان للحزب بعض الأجندة الخاصة يريد تنفيذها، وهذه الأجندة وُجدت لها مبررات وتخريجات من الدين، أولها أشواق الحزب في تأسيس تشكل ديني في الشرق الأوسط انطلاقا من مفهوم الأمة، يتكون من ثلاث دول رئيسة في المنطقة هي مصر وتركيا وإيران، وأن تكون هناك قيادة إسلامية في الشرق الأوسط ، وهذا الكلام جيد من حيث المبدأ، ولكن هذه المطامع والأشواق لا تجد لها صدى في الكثير من الدول الأخرى، لأن كل عيون العالم تتجه صوب تركيا، فهل يتركون لك فرصة لتبني وتنشئ هذه القيادة؟
في عام 2009 طالبت أمريكا من حزب أردوغان وقالت له بصريح العبارة: افعل ما تشاء في بلدك، وكن ما تشاء، ولكن أن تكون لك زعامة في الشرق الأوسط فنحن لا ندعك تنفذ هذه الأشواق ولن نسمع منكم مثل هذا الكلام، ولن نسمح لكم أبدا..
من جهتنا نرى ان هذا الخطاب من قبل حكومة أردوغان سابق لأوانه، بل إنه مستفز وليست لنا قوة نستطيع من خلالها أن نقاوم القوى العالمية المتحكمة في المنطقة. زد على هذا أن حزب أردوغان كانت له أجندة في الداخل، أي داخل تركيا، بحيث أن حزب العدالة والتنمية لما تولى الحكومة وجد حركات وجماعات اسلامية مشتتة وغير منظمة، وأراد أن يكون هو الرجل رقم واحد في تركيا، ولم يرغب في وجود أية معارضة إسلامية من أي جماعة كيفما كانت، وأصبح أردوغان يذهب في اتجاه القضاء على كل الجماعات الإسلامية كي يتمتع بشعبية يحافظ من خلالها على استمرارية حكمه لتركيا، لأن الناس بدؤوا يعارضونه فيما يفعل. من سوء حظ أردوغان أن أول معارضة إسلامية منظمة هي “الخدمة” التي يتزعمها الأستاذ فتح الله كولن، ولذلك بدأ بمحاربتها، حيث طفق في التقليل من شأن فتح الله كولن ويشوه صورته لدى العامة، والافتراءات حتى يقلل من تأثيره لدى الشارع في تركيا.
في بداية الأمر كان يسمي “الخدمة” بالجماعة، ثم بدأ يتهمها كونها منظمة سرية وتنظيم مواز للدولة، وفي النهاية أصبح يصف الجماعة بأنها تنظيم إرهابي، وبهذا المبرر يقول بأن الجماعة اخترقت كيان الدولة، والأولى به كان عليه أن يذهب غلى الحكمة ويطالب بمحاكمة الجماعة بتهمة الخيانة العظمى، ولكنه لا يستطيع لأنه لا يتوفر على الدلائل.
وهنا لا بد أن نذكر أن الدولة منزعجة كثيرا من حكومة طيب أردوغان لأنه ساهم بشكل كبير في زعزعة الاستقرار، فحتى لو حصل أردوغان على 50% من الأصوات في الانتخابات القادمة فلن يحدث الاستقرار إلا بعد ذهابه من الحكومة، لأن الدولة فقدت مشروعيتها خلال الشهور الأربعة الأخيرة، وهو الآن يراكم الأخطاء بحيث أن أي جريمة وأي خطأ ترتكبه حكومته يحمله لجماعة فتح الله كولن دون تقديم ولو دليل واحد بالرغم من أنه في موقع قيادة الحكومة وكل أجهزة الدولة بيده من استخبارات وأمن وشرطة…
هل تشعرون أن هناك تضييقا على المدارس الخاصة التابعة لفتح الله كولن؟
منذ شهور وهو يضيق على المدارس المنتشرة في تركيا، فهو يرسل المفتشيات من الشرطة والمالية ووزارات التعليم ونتلقى الاستفسارات من أجل إيجاد ولو دليل واحد، ولكنهم لا يستطيعون. وهذه المضايقات التي تتعرض لها المدارس لم يبسق لنا أن تعرضنا لها عبر تاريخ وجود هذه المدارس ولو في زمن الحاكم العسكري، والهدف النهائي هو إغلاق هذه المدارس ومحوها داخل تركيا وخارجها، تصور أنهم طلبوا من بعض الدول إغلاق المدارس الموجودة على ترابها، ولكن الحكومة لم تجد أي تجاوب لدى هذه الدول، فمثلا هذه المدارس موجودة عندكم في المغرب منذ 20 سنة، أي منذ 1994.
طيب أردوغان يهاجمنا كل يوم في لقاءاته الحزبية، ويخوض ضدنا حربا في خطاباته الحزبية في أنحاء تركيا، ومن المفروض أن يهاجم حزبا معارضا له وليس منظمة مدنية ليست لها أطماع في الحكم، لكن الان ليس له معارضة، فالمعارضة الوحيدة بالنسبة له هو فتح الله كولن وجماعته…
لماذا الهجوم برأيكم؟
لأنه يشعر بأنه مضطر إلى هذاـ فهو له ملفات ضخمة تتعلق بالفساد لا يستطيع أن يبرر ذلك إلا بهذه الطريقة، فكما تعلمون أن أردوغان له هدف محدد لأنه يريد أن يظفر بمنصب رئيس الجمهورية، فهذه الفرصة أصبحت مهددة لأن رئيس الجمهورية الحالي غالبا ما سيرشح نفسه، ثم إن أردوغان كان يقول بأنه لن يرشح نفسه للانتخابات ثلاث مرات، وكان يردد هذا الكلام، وربط نفسه بلسانه، وأصبح كلامه هذا يكتسي طابع القاعدة والسنة التي استحسنها متتبعوه ومتعاطفوه، ولكن اليوم أصبح من الضروري أن يبقى في الحكم حتى لا يتم رفع دعاوى قضائية ضده على خلفية ملفات الفساد، وربما سيبرر موقفه المتردد كون تركيا تعيش أوضاعا خطيرة ولذلك لا بد برأيه أن يستمر في الحكم باعتباره “أعز ما يطلب” في هذه المرحلة.
ولكن ينبغي التذكير أن ذاكرة الدولة قوية ولن تنسى له هذه الأخطاء التي وقع فيها، ولو انتخب بنسبة 50% مرة أخرى فسيقدم إلى المحاكمة فور خروجه من الحكم، وأنت تعلم أن الجنرالات الذين قاموا بانقلاب علم 1980 وبعد ثلاثين سنة رفعت ضدهم دعوى قضائية بسبب الانقلاب، والانقلاب جريمة في القانون التركي. هناك مئات الملفات ستجر أردوغان إلى المحاكم.
أردوغان بدل ان يساهم في تقديم الأشخاص الذين تورطوا في ملفات الفساد إلى المحاكم وينتصر للقانون، وربما قد يخرج بعضهم بالبراءة ويمكن أن يعاقب بالسجن لبعض السنوات، ويرد الاعتبار لسمعة الدولة في الداخل والخارج، ها هو الآن يورط نفسه.
ولكنه قام بأكبر تعديل وزاري في حكومته، وهو أكبر تعديل في الحكومة شهدها تاريخ تركيا، كما أنه عزل وزيرا هو من أقرب أصدقائه، ألا يشفع له هذا؟
هناك ملفات تتعلق بشخص أردوغان، وهناك ما يتعلق منها ببعض وزرائه، وهناك ما يتعلق برؤساء بعض البلديات، فهذه الملفات وصلت إلى مجلس البرلمان، ولا يستطيعون أن يفتحوا هذه الملفات، ولو كانت نسبة 10% من ملفات الفساد صحيحة، فهذا يكفي للإطاحة بحكومته، ولكن هو يذهب مذهبا آخر، أي أنه يؤجل هذه الملفات، ولكن إلى متى؟ فهو الآن يتهرب عن طريق الهجوم على الأستاذ فتح الله كولن ويصفه بـ”مسودة عالم” بالرغم من أن الملايين من الناس يجلونه ويحترمونه ويتخذونه زعيما على المستوى الروحي والفكري والأدبي، ويصف أتباع الجماعة بأنهم “حشاشون” يستخدمون المخدرات وينفذون اغتيالات، والحشاشون هم فرقة إرهابية في التاريخ كما تعلم، والحقيقة أن أتباع الأستاذ كولن لا يدخنون السيجارة أصلا، بل إنه يطلب من الناس أن يسحبوا أبناءهم من المدارس الخاصة، وهناك أبناء وزراء ورؤساء بلديات لهم أبناء يدرسون في المدارس الخاصة، فرئيس بلدية هنا في هذا الحي له إبن يدرس في هذه المدرسة، وضغطوا عليه كي يسحب ابنه ورفض، وقال لهم: “ليس هناك أي مدرسة أحسن من هذه المدرسة”.
الصراع القائم بين الجماعة وحكومة أردوغان، هل يمكن أن يؤثر في الانتخابات القادمة؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ينبغي التذكير أن ذاكرة الدولة قوية ولن تنسى له(أردوغان) هذه الأخطاء التي وقع فيها، ولو انتخب بنسبة 50% مرة أخرى فسيقدم إلى المحاكمة فور خروجه من الحكم، وأنت تعلم أن الجنرالات الذين قاموا بانقلاب علم 1980 وبعد ثلاثين سنة رفعت ضدهم دعوى قضائية بسبب الانقلاب، والانقلاب جريمة في القانون التركي. هناك مئات الملفات ستجر أردوغان إلى المحاكم.[/box][/one_third]هناك ثلاث انتخابات قادمة خلال هذه السنة، انتخابات البلديات وانتخابات رئيس الجمهورية، ثم انتخابات مجلس النواب، ولا شك أن أردوغان سيفقد شيئا من شعبيته، ولهذا سيعمل جاهدا للحفاظ على هذه الشعبية، وأكيد أنه سيستخدم كل أجهزة الدولة لصالحه، كما سيشتري المثقفين والإعلاميين كي يؤيدوه، ويوزع الأظرفة، وفي الشهور الأخيرة استطاع أن يستولي على ثلاث قنوات تلفزية في ملك الدولة، وبدأ يتحكم في الإعلام، فمثلا إن لم يعجبه شخص في الإعلام يتصل بشكل مباشر بالمسؤول ويغير الصحفيين.
أنتم تقدمون أنفسكم كونكم جماعة مدنية لكم اقتراحات تقدمونها للدولة وليست لكم مطامح في الحكم، والآن أنتم في خصام مع الحكومة الحالية المحسوبة على الإسلاميين، السؤال: لمن تمنحون أصواتكم خلال الانتخابات القادمة، هل تصوتون على حزب معارض للحكومة بالرغم من أنه علماني؟
أردوغان يقول في خطاباته بأن الجماعة لا يطهرها إلا جهنم، ويكفر الأتباع والمحبين، وقال بأنه حتى الماء لن يمنحنا إياه وكأنه كان يرزقنا، وهذه اللغة يا أستاذي جارحة بالنسبة لنا، ولذلك فإن نسبة 80% في المائة من أتباع ومحبي الجماعة لن يصوتوا له، فأنت تضربني وتسبني فكيف سأصوت لصالحك وأمنحك صوتي؟
طيب، إذن لمن تصوتون في الانتخابات القادمة؟
ستشتت الأصوات على رؤساء البلديات، فالناس لا يصوتون خلال الانتخابات البلدية لأحزاب بل للأشخاص الذين يتم اختيارهم للكفاءة والأخلاق بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية، ولكن 80% من أصوات الأتباع والمحبين لفتح الله كولن لن تذهب للمحسوبين على حزب أردوغان ولو كانوا يستحقون ذلك، لأننا بتنا نخاف على وجودنا أصلا… أردوغان يريد أن يستأصلنا من الوجود.
يعني أن الجماعة باتت تخاف من أردوغان، بمعنى أن الصراع سيتطور خلال انتخابات الرئاسة ومجلس النواب؟
هناك جذور لهذه المشاكل، من أهمها وجود الدولة الخفية في تركيا، بعضهم حوكموا ودخلوا للسجن، وهؤلاء قرروا ألا يقضوا على جماعة فتح الله كولن وحزب العدالة والتنمية دفعة واحدة، فبدؤوا بالقضاء على جماعة كولن أولا لأن لها جذورا ثقافية وفكرية، ثم في المرحلة الثانية يمكن أن يقضوا على الحزب بشكل أسرع، ولكن أردوغان لا يستطيع أن يرى هذه الأمور، وأعضاء هذه الدولة الخفية استطاعوا أن يخوفوا أردوغان بأعضاء الجماعة، واظهروا له أن الجماعة ستخترق أجهزة الدولة وستقضي عليه.
خلال الانتخابات السابقة كان 20 عضوا من أتباع الجماعة قد ترشحوا للانتخابات البرلمانية مع حزب العدالة والتنمية بمحض إرادتهم، ولكن الحزب لم يثق فيهم وأرسلوا رسالة إلى فتح الله كولن، وقالوا له: هل تريدون أن تأخذوا الحزب؟ والأستاذ أجابهم بأنه لم يرشح منهم أحدا، ولما سأل كولن عن الأشخاص الذين ترشحوا طلب منهم أن ينسحبوا فانسحبوا، وهناك شخص آخر من الجماعة له شعبية فطلب منه حزب العدالة والتنمية أن يترشح معهم، وبعد الاستشارة مع الأستاذ كولن رخص له ذلك ما دام أن الحزب أراده أن يخدم معه، بل إن الأستاذ كولن رشح شخصا آخر من إزمير ودخل الانتخابات على قائمة حزب العدالة والتنمية…
وهل الاثنان لا يزالان محسوبين على الحزب؟
انسحبا من الحزب بعد بروز هذه المشاكل ما بين الحزب والجماعة، ولا يزالان لحدود الآن عضوين في البرلمان، نحن كنا نساعد أردوغان إلى درجة أن الأستاذ كولن طلب من الأعضاء الموجودين في الخارج للتصويت لصالح التعديلات الدستورية، فلو كان الأستاذ كولن له نية في أن يسيء للحزب لما فعل هذا.
حزب العدالة والتنمية كان فرصة كبيرة في صالح تركيا لمدة عشر سنوات، ولكن مع بروز ملفات فساد ورشاوى وهجوم غير مبرر على الجماعة، ساهم في تأجيج الفتنة ما بين الجماعات.
هذا الصراع الآن يلقي بظلاله على المشهد السياسي التركي برمته، أو ليس للأستاذ فتح الله كولن وهو رجل تسامح من دور في رتق هذه الهوة ما بين الحزب والجماعة، لاسيما وأن تركيا لا تزال تعيش على هزات سياسية متمثلة في أحداث ميدان تقسيم وتفجيرات الريحانية..؟
قبل شهرين ونصف أرسل رئيس الجمهورية وسيطا وهو صحفي مشهور في تركيا اسمه فهمي كورو Fahmi Koru يعرف الطرفين بشكل جيد، كان صحفيا في جريدة زمان سابقا، وهو شخص مقبول من قبل الطرفين، وحمل رسالة من الرئيس إلى فتح الله كولن، وسافر إلى أمريكا، والتقى الأستاذ فتح الله كولن هناك، والأستاذ كتب رسالة جوابية على هذه الرسالة، وقال للرئيس: أي حل تريدونه فنحن معكم للخروج من هذه المشكلة. وأرسل نسختين من الرسالة واحدة موجهة للرئيس والأخرى موجهة إلى رئيس الحكومة حتى لا يُساء الفهم، وصرح فهمي كورو فيما بعد أنه لما سلم الرسالة للرئيس ورئيس الحكومة كان يعتقد أن المشكلة قد تم حلها بشكل نهائي، ولكن في اليوم التالي عقد رئيس الحكومة ندوة صحفية في قصر دولمبا باتشا، وشارك في هذه الندوة صحفيان من جريدة زمان (جريدة تابعة لجماعة فتح الله كولن وهي من أكبر الجرائد إذ توزع ما يربو عن مليون نسخة يوميا).
وفي هذا الندوة قال أردوغان بأن فتح الله كولن أرسل له رسالة يساومه، وهو لا يقبل أية مساومة، وحامل الرسالة كان حاضرا ضمن الندوة، اندهش الصحفي الوسيط الذي حمل الرسالة، لأن الرسالة اصلا كانت جوابا على رئيس الجمهورية، والتسجيلات موجودة على موقع اليوتوب. وهذا الصحفي شرح كل شيء على قناة تلفزية تركية وأعرب عن اندهاشه مما وقع.
أنتما معا تنظيمان قويان: جماعة فتح الله كولن منظمة مدنية قوية يقودها أحد رموز الفكر والثقافة والتربية في العالم، وحزب العدالة والتنمية وهو حزب قوي ولا شك حقق مكاسب لصالح تركيا على المستوى الداخلي والخارجي، وتملكان معا منابر إعلامية قوية… ألا تخشون من كون هذا القصف الإعلامي المتبادل أن يجعل الشارع التركي وأيضا الإسلامي المتابع لهذا الصراع ينفض يديه من أصحاب المشاريع السياسية والمدنية كما وقع في بعض البلدان العربية؟
نحن نتخوف مما قلت ونقول هذا في الصحافة بصريح العبارة، ولكننا نحن من جهتنا نحاول ألا نستفز الطرف الآخر ولا نحرض ضده، نجيب فقط على الافتراءات والأكاذيب، ونحن لا نرد بالمثل، بل نوضح الأمر بطريقة مؤدبة، لأن أتباع الجماعة ومحبيها يرفضون الرد على السيئة بمثلها.
أما الطرف الاخر فتكفيه ملفات الفساد التي تلاحقه ونلحق به الضرر كونه شخصا له خلفية إسلامية ويحافظ على صلواته، فنحن قد نصرف النظر عن السباب والشتائم الذي يوجهه لنا بكرة وأصيلا وفي كل زمان ومكان خلال الشهور الأخيرة، ولكن لا يمكن أن نسكت عن ملفات الفساد، تصور أن بعض الأشخاص لهم قطعة أرضية في هذا الحي، ولهم بقعة أرضية قرب المطار، وأعضاء من حزب العدالة والتنمية طلبوا من هؤلاء الأشخاص أن يمنحوهم هذه البقعة الأرضية مقابل أن يسلموهم ترخيصا لبناء البقعة الأرضية المحاذية للمطار، وقبل هؤلاء الأشخاص طلبهم، وشرعوا في تدشين مشروعهم قرب المطار، والآن توقف المشروع لأن هناك اتفاق آخر سيمول هذا المشروع هو رجل أعمال له استثمار في مكان آخر طلبوا منه أن يبني هذا المشروع حتى يرخصوا له في مشروع المناقصات لحساب أحد المشاريع على حساب بعض المقاولين الآخرين…وهذا مثال واحد من جملة أمثلة كثيرة شاهدة على الفساد الذي أصبح مستشريا في تركيا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة هسبريس المغربية، 29 مارس 2014