لقد تعرّض المثقفون ورجال الدين والعلماء المسلمون على مرِّ التاريخ لشتّى صنوف التعذيب والهجوم، فمنهم من قبع في السجون، ومنهم من نُفي، ومنهم من حاول البعضُ التقليلَ من شأنه وتشويهَ صورته لدى الناس. وتشهد تركيا هجومًا مماثلًا في الأشهر القليلة الماضية؛ إذ نجد الأستاذ “محمد فتح الله جولن” يتعرّض لحملات كراهية وافتراء وبهتان من قبل الحكومة، وذلك بالرغم من ريادته لخطوات كبيرة من أجل السلام والمصالحة العالمية، بفضل المدارس المفتوحة في شتى بقاع العالم، ومراكز الثقافة والحوار التي يتزعمها.
وجّهنا أسئلتنا إلى 100 مثقف بارز من مختلف دول العالم حول الأستاذ جولن وحركة الخدمة اللذين تعرّضا لهجمات مكثَّفة من خلال ادّعاء “الدولة الموازية” الذي ابتدعه رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” للتستّر على عمليات الفساد والرشوة ذات الصلة بشخصه وحكومته، والتي كُشف عنها يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول الفائت.
حركة الخدمة تشجع التفاوض عبر حوار بناء
بروفيسور د. لورانس جيراتي – جامعة لاسييرا / الولايات المتحدة الأمريكية
تأثرتُ كثيرًا بالعديد من المبادئ التي تتبنّاها حركة الخدمة مثل أسلوب الحياة، والبساطة، واللطف الحقيقي، وحب الحق، وبالأخص الحوار بين الأديان، وحقوق الإنسان، والتوصية بالبعد عن العنف، وحرية الاعتقاد لكل الناس.
إن الأهمية التي توليها حركة الخدمة لقضية الحوار بين الأديان من بين أكثر الجوانب التي أقدّرها لدى الحركة، ذلك أن أشخاصاً كهؤلاء يأخذون في حسبانهم شخصيتي ومعتقداتي ويستعدون للاستماع لأفكاري والتحدث معي بشكل متبادل، وبطبيعة الحال فإن هذا المبدأ يشجعني على تأسيس صداقات مع هؤلاء الأشخاص.
وأعتقد أن نجاح المجتمع في المستقبل، بشكل عام، مرتبط بوجود الأشخاص المنتسبين لحركة الخدمة ومبادئها، حيث إن الحركة تشجع الحوار والتفاوض، وتمد يدها للذين يختلفون معها وتقول لهم “تعالوا وحدثوني عن معتقداتكم وما تمثلونه حتى أتعلم منكم شيئًا… وأنتم أيضًا تتعلمون مني شيئًا”.
وإذا بدأتَ من الشباب عبر تعليمهم التسامح والحوار ونبذ العنف من أجل تشكيل تأثير على المجتمع، فإنك تستطيع أن تقطع مسافة أطول، وكلما كبر هؤلاء الشباب فإنهم يواصلون العيش على هذا المنوال.
ولهذا السبب أعتقد أنه من العقلانية أن تركِّز الحركة على التعليم وتلقين القيم التي تحملها للناس عبر المدارس التي تؤسسها في مختلف أنحاء العالم.
بروفيسور د. أبو الفضل – جامعة كاليفورنيا / الولايات المتحدة الأمريكية
أرى أن حركة الخدمة هي حركة مصدرها الإسلام، أي أنها تستقي روحها من مبادئ هذا الدين، وهي في الوقت نفسه تعد حركة مبنية على القيم العالمية الأساسية، مثل السلام والرحمة والشفقة، التي تشكِّل بدورها المبادئ الرئيسة في الإسلام.
كما أن حركة الخدمة هي حركة تتبنّى هذه القيم على هيئة أهداف وقواعد معنوية، وتهدف إلى تحويلها إلى واقع اجتماعي وأنثروبولوجي حيّ من خلال ديناميات التعرّف، أي أن نعرف بعضنا البعض.
وما لفت انتباهي في كتابات الأستاذ فتح الله جولن، ودفعني لتقديره وتبجيله هو تركيزه على الحب كقيمة مهمة، فهو يركز على إيجاد السلام والطمأنينة الداخلية والاجتماعية والدولية، باعتبارها جذور الإسلام، وهو لا يربط هذه المبادئ، أثناء قيامه بهذا الأمر، ويحصرها في يد طريقة واحدة من الطرق.
وبهذه الطريقة يتشكل تصرف ومنهج ديني يرى كل ما خلقه الله قيمًا ويستحق الحب، بينما يقبل الله كخالق ميتافيزيقي، ويحتضن ما هو إلهي وكل مخلوق خلقه الله.
أستطيع القول، اعتمادًا على ملاحظاتي ودراساتي، إن حركة الخدمة أظهرت أن الناس يستطيعون حقيقةً تعلم أشياء بشكل ملموس، وأن يصبحوا أكثر مهارة فيما يتعلق يتطوير الحوارات والخطابات الجادة الثابتة والمفيدة، وذلك من خلال تحريك هؤلاء الأشخاص وتشجيعهم على إظهار الإمكانيات الكامنة لديهم.
بروفيسور د. عبد المجيد بلابيد – عضو هيئة التدريس بجامعة محمد الأول / المغرب
في القرآن الكريم آية تقول: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (النحل – 120) ، فيشير الله سبحانه وتعالى، هنا، إلى ريادة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأنا أرى أن الأستاذ جولن يعتبر شخصية عظيمة تسير على هدي خطى نبينا محمد وجدّه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
إن الأستاذ جولن لا يعتبر عالمًا مهمًا بالنسبة لتركيا فحسب، بل هو في الوقت نفسه شخصية علمية تحمل أهمية كبيرة بالنسبة للعالم الإسلامي، وبمعنى آخر، فإن الأستاذ جولن هو قيمة مشتركة للعالم الإسلامي، وللدنيا بصفة عامة.
إن الأستاذ جولن هو إنسان مثالي عاش حياته بوعي العبودية لله، وكرّس أوقاته لإظهار الحق والحقيقة والتبليغ والإرشاد والاهتمام بشؤون الأمّة.
ويقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” (الأحزاب – 23)، ونرى أن الأستاذ جولن يضع هذه الآية كدستور يلتزم به في حياته.