على بولاج
في الوقت الذي يتم فيه إعادة ترسيم حدود منطقة الشرق الأوسط ، ستتعرض شعوبها كافة، بمن فيهم الأكراد، إلى عمليّات تغيير جذريّة؛ إذ أن المعضلة الرئيسيّة هي: هل ستكون الشعوب لاعبا مؤثرًا وتقوم بذاتها بترسيم حدود منطقتها، أم لن يكون أمامها خيار سوى التسليم بالأهداف التي ستملى عليها؟ وهل سيكون الأكراد هم الورقة الأولى التي يتم اللعب عليها أو التلاعب بها ؟
الأوساط الرسميّة في تركيا المتدخلة في القضية الكردية، المتابعة تعطى مؤشرات إلى إمكانية إقامة جنوب كردستان على المدى القصير، وغرب كردستان على المدى المتوسط، وكردستان كبيرة على المدى البعيد، وإعادة صياغة الأجزاء الأربعة تحت مظلة تركيا.
ولم تعرب هذه الأوساط، علانية، عن ذلك المخطط، لكن هذا ما نقرأه من بين السطور، وهذه الصيغة الـمُستلهمة من “السلطان سليم الأول” و”الشيخ إدريس البتليسي” تترك نفط الأكراد وكركوك والموصل وثرواتهم الطبيعيّة لتقديرات النخبة الحاكمة في تركيا.
ولكي يتسنى تحقيق ذلك، يجب التئام وتجسيد التحالف التركي – الكردي، وثمّة أسباب عدة تُبرهن اعتراضي على هذه الصيغة التي ستزج بالأتراك والأكراد ، على حد سواء، في مأزق كبير، ويمكن أن نبينها على النحو التالي:
– قد يسفر مثل هذا التحالف ضدّ دول المنطقة عن ردود فعل وعداوة من تلك الدول، ويجرّ أطرافها إلى حلبة صراع جديدة.
– لن تسمح القوى العالمية بذلك، وإذا صدرت أيّة مقاومة ضدّها، يلزم حشد هذه الدول ضد القوى الدولية ، وهذا مُرتبط بتحفيزها ودفعها نحو الالتفاف حول اتحاد جديد لشعوب المنطقة.
– لاشك في أن ترتيبات اتفاقيّة (سايكس بيكو 1916)، في القرن الماضي، ماتت وانهارت، ونعي جيدًا أنها لن تستمر، ولدينا ثلاثة معطيات ملموسة: أولها؛ التجربة المريرة التي شهدتها تركيا منذ عام 1884 حتى يومنا هذا. وثانيها؛ إقامة دولة كرديّة، فعليًا، في شمال العراق، وثالثها؛ وجود مقاطعات كرديّة ظهرت على الخط الشمالي مع تجزئة سوريا.
– ثمّة مطلبان أو جانبان للأكراد في إقامة دولة، أولهما؛ الجانب “الأخلاقي” والآخر هو الجانب “السياسي”، وهذان المطلبان يحملان في طياتهما بُعدين: فالأخلاقي؛ إذا كان الأتراك لهم حق العيش فى ستعشرة دولة، والعرب في اثنتين وعشرين دولة، والألبان في دولتين، فللأكراد أيضًا حق العيش في دولة أو دولتين أو ثلاث أو أربع دول، وإذا كانت هناك قوميّات عربيّة وتركيّة وفارسيّة، فستقابلها أيضًا قوميّة كرديّة؛ ولطالما كانت هناك دول للعرب والأتُراك والفُرس، فلن تتوقف مساعي الأكراد لإقامة دولة كرديّة وإعلان قوميّتها.
أمّا على الجانب السياسي؛ فتتصارع القوميّات فيما بينها بسبب تعصبها، وهذا قد يقود إلى أن تشهد المنطقة ميلاد دولة أو دول جديدة، الأمر الذي سيزيد من تفاقم الأزمة أكثر فأكثر.
– تقوم الدولة القوميّة باختلاق مشاكل بدلًا من التوصل لحلها. وفي هذا السياق، فإقامة دولة قوميّة سيؤدي إلى عدم حل قضايا الشعوب التي تبحث عن دول لها، وليس المقصود من ذلك الأكراد فحسب، إنما الفلسطينيون أيضًا، والقبارصة الأتراك، والشيشانيون أو أيّ مجموعات عرقيّة أخرى، وباكستان واحدة من النماذج المأسويّة لدولة إسلاميّة مرتكزة على أساس قوميّ.
– الدولة القوميّة تشارك، فعليًا، بجزء من سيادتها مع القوى المحلية والإقليمية والعالمية. ولا جرم في أن دولة قوميّة جديدة ستشارك سيادتها مع هذه العناصر الثلاثة الفاعلة.
– لقد أديرت منطقتنا من قبل إمبراطوريّات كبيرة ودول عُظمى على مر التاريخ، ونحن لا نزال في حاجة إلى سقف كبير، من نفس الحجم، نستظل جميعًا تحته.
– إن أيّة دولة قوميّة تتشكل في المنطقة التي تعيش فيها ديانات ومذاهب وجماعات عرقيّة مختلفة جنبًا إلى جنب، فأي عنصر ليس له السيادة سيكون مصيره “تطهير عرقي” أو التحول لأقليّة، الأمر الذي قد يسفر عن حدوث مصائب أشد وطأة من تلك التي نشهدها اليوم.
– إن كنا لانستطيع نحن الأتراك والعرب والأكراد والفُرس؛ من سُنّة وشيعة وعلويين وسلفيين؛ وكذلك المسلمين والمسيحيين واليهود؛ المتدينين والعلمانيين وما شابههم، أن نقيم اتحادا سياسيا في إطار القانون، أو نستخدم ثرواتنا الطبيعيّة بعدل، فلنعلم أن القوى العالميّة قد أعدت لنا خرائط جديدة منذ زمن بعيد، ونشرت صحيفة “نيو يورك تايمز”، قبل ثلاثة أيام، ترسيما لأربع عشرة دولة جديدة في خمس دول، وهذا يعني أنه لم يتغير شيء قط منذ عام 1916 حتى عام 2016، أي طيلة قرن كامل، ويعني أيضًا أننا نستحق العيش في إذلال، ونذبح بعضنا بعضا، وأن نعيش تحت وطأة سيطرة وهيمنة المنقذين، ويمكنكم أن تروا أن فكرة الاتحاد باتت”يوتوبيا” أي خياليّة، واليوتوبيا هي معارضة الواقع،كما أنها قيّمة مثاليّة، وليست هناك أهداف مستحيلة التحقيق شريطة دقة قراءة الواقع وتطوير الممارسات الصحيحة.
المصدر: جريدة “زمان” التركيّة