بقلم: أكرم دومانلي
شكَّلت خطة المؤامرة ضدّ “الجماعة” التي كشف عنها وزيرُ الداخلية الأسبق إدريس نعيم شاهين في البرلمان حدثًا مهمًا سيسجّله التاريخ. إذ رأينا، وللأسف، أنه يتم اختلاق الجرائم والتهم لظلم فئة معيّنة من المجتمع. لماذا؟ لأن الاتهامات غير العقلانيّة، التي توجّه ضد حركة الخدمة منذ سبعة أشهر بلا رحمة، مثل “الدول ة الموازية” و”العصابة” وغيرها.. تبيّن أنها ليست إلاّ عبارة عن دعاية سوداء.
لقد استُغلت جميع إمكانيّات الدولة بفجاجة، وكُتبت سيناريوهات لا تخطر على بال أحد، وعلى الرغم من كل هذه الافتراءات لم يتم التوصل لشيء خارج على القانون، لأنه ليس هناك أيّ شيء مما يزعمون. والآن أطلقوا حملة لإعداد “بنية تحتيّة جديدة” عبر تدمير النظام القضائيّ. ولكن الحقيقة أنه لم يبقَ هناك أي قيمة قانونية لأيّ اتهام وإدانة بعد مرور سبعة أشهر. فلو كانت هناك أي جريمة، لكان وجدها ألف مرة هؤلاء الذين يروّجون لوجود “دولة موازية” منذ أحداث السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي. إلا أنهم لم يجدوا أيّ شيء، مع أنهم عيّنوا أشخاصاً للقيام بأعمال خارجة على القانون في سلك القضاء، قائلين لهم “لتكنْ سيوفكم مستلّة وحادة!”
وقد انهارت قضايا “أضنة”، و”التنصت على سبعة آلاف شخص”، و”زرع أجهزة تنصّت في مكتب أردوغان” من أساسها، وذلك على الرغم من الترويج لها من قِبل الإعلام المحسوب على السلطة الحاكمة، لأن القضاء، مع كل هذه الضغوطات الممارسة ضده، لا يزال يصدر أحكامه وفق الأدلّة الملموسة لا القصص الخرافيّة المحرفة. نعم يمكن أن تحكوا أكذوبة “الدولة الموازية” للجماهير المتعصبة المحرّضة من قِبلكم، وتجروهم وراء هذه الأكذوبة، لكن القانون ينظر إلى وثائق ومعلومات وأدلة ملموسة ومؤكدة. وطالما أنه ليست هناك أدلة ملموسة فلا جريمة.
إن من خاب مسعاهم في العثور على الجرائم، إذا ما أقدموا على اختلاقها، فإنهم يكونون قد ارتكبوا أفظع الجرائم. وللأسف الشديد فإن تركيا تشهد اليوم اختلاق جرائم في أجهزة الأمن ودور القضاء ووزارة الخارجيّة بموجب أوامر سياسيّة علنًا، وبصورة غير قانونيّة. إن انقلاب 28 فبراير / شباط الذي تحمّس الواقفون وراءه بحيث زعموا باستمراره ألف عام، لم يكن اعتمد على إجراءات غير قانونيّة بهذه الدرجة.
الآن تُرتكب أسوأ أنواع عملية تصنيف للأشخاص حسب انتماءاتهم. إنهم إما لا يعرفون أن تصنيف الأشخاص والتشهير بهم جريمة دستوريّة، أو لا يخطر على بالهم أنهم سيحاسبون على ذلك يومًا ما. ولكن الحقيقة أنّ الذين انتهكوا القوانين في فترة الجنون هذه سيحاسَبون عندما تعود الظروف إلى طبيعتها، لأن الجرائم ثابتة لا تتبخر.
إن اختلاق الوثائق والتهم، وتشكيل “بنية تحتيّة” لإعلان فئة اجتماعيّة على أنها تنظيم إرهابيّ؛ كل هذا لا يُعد ذنباً فحسب، إنما هي أعمال إجراميّة أيضا، وهذا يعني أنّ كل مَن شاركوا (في شعب المخابرات في الأمن، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة المخدرات والجرائم الماليّة، وجهاز المخابرات الوطني وأروقة القضاء) في هذه الأعمال الخارجة على القانون يرتكب هو الآخر هذه الجرائم. وإن تخفّي مرتكبي هذه الجرائم تحت غطاء أنهم من أصحاب “الرؤية الوطنية” أو “جماعة طريق الحق”، أو تقديمهم أنفسهم على أنهم من”طريقة منزل الصوفية” وهم يلعبون لعبة المخابرات في إطار تنفيذ “خطة تصفية الجماعة”، لا يغيّر صفة الجريمة المرتكبة. لأنه عندما تتكشّف الحقائق يومًا، فإنه لن يغفر لهم أحد حتى تلك المجموعات التي يدّعون انتماءهم إليها.
ترتكب جرائم استخباراتية داخل “الغرف السريّة” من جهة، ونرى أعمال ظلم أخرى تُرتكب علنًا. ها هو الحال البائِس للبلديّات؛ إذ ترتكب جميعها جرائم تمييز كل يوم، حيث تطبق سياسة ازدواجية المعايير بحجة أن هذه المؤسسات تابعة للجماعة. أ تظنّون أن الذين ارتكبوا شتى صنوف الظلم ضد “الجماعة” بموجب تعليمات غير قانونية صادرة عن “أنقرة” لن يوضعوا تحت المجهر ولن يحاسَبوا يوماً، في الوقت الذي منحوا أموال الدولة لأوقاف وجمعيّاتٍ يعدّونها موالية لهم.
كتب الخبير المالي السابق “يوسف كلاش” مقالة رائعة في تحليل مجريات الوضع الاقتصادي الراهن، قال فيها إن “ضريبة الأملاك” رجعت مرة أخرى في عهد حزب العدالة والتنمية، وذلك بعد مرور 72 عامًا من إلغائها، ونَحَتْ وزارة الماليّة معاييرها وتجربتها الخاصة جانبًا وأصبحت جزءا من عملية سياسية، وسعت للضغط على مكلّفيها طبقاً لتصنيف الجماعات حسب توجّهاتها.
لا شكّ في أن استهداف مجموعة وفرض الرقابة عليها بناءً على التقارير المخابراتية يُعتبر جريمة في كل أنحاء العالم. وكانت القيامة قد قامت حينما وقع حادثٌ مشابه، ولكن على نطاق محدود، يتعلّق بالأشخاص والجمعيات المنتمية إلى “حزب الشاي” في الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان هناك معيارٌ يُعتمد عليه في الإجراءات الرقابية يذكّر بضريبة الأملاك أ فلا يعلم وزير الماليّة محمد شيمشك وفريقه أن هذا جريمة؟
وماذا عن الإجراءات غير القانونيّة التي ارتكبها الولاة إذ اعترضوا على تنظيم أولمبياد اللغة التركيّة في تركيا؟ اختلِقْ شتى الحجج والأعذار لكي لا تعطيَ القاعاتِ لمن أرادوا تنظيم الأولمبياد، ثم قم بتخصيص هذه القاعات لمنظمي الحفلات والاجتماعات الحزبية! أ لا يعلم الولاة أن ما أقدموا عليه جريمة تمييز وأنهم بذلك ينتهكون الدستور؟ حتى هيئة الشؤون الدينيّة أخرجت ملحق “زمان” حول الكتب المنشورة من معرض الكتاب، مع أنها خصّصت مكانًا للصحف المؤيدة للسلطة الحاكمة، بالرغم من أنها لا تنشر ملحقات حول الكتب. فأي قواعد دينيّة تسمح بهذا؟ ها هو اعتراف نائب رئيس هيئة الشؤون الدينيّة “محمد أمين أوزافشر” أمام الجميع. إذ قال عندما سُئل عن سبب ذلك الإجراء التمييزي “لعله إجراء له علاقة بالمرحلة الراهنة”. يا للعجب والله، إذا كانت هيئة الشؤون الدينيّة تميز بين المؤمنين وتشترك في الظلم في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، أَلا تعد هذه جريمة أيضًا؟!
هناك قائمة مطولة من صنوف الظلم المرتكبة بالتستّر وراء “درع الدولة”، لاشك في أن التاريخ يسجّل ذلك، وسيعلن عما يُرتكب من جرائم يومًا ما. إن تنظيم حملة افتراءات عن طريق استغلال جميع إمكانيات الدولة، واستخدام لغة البغْض والكراهية لهو جريمة، ولكل جريمة عقاب. وكل الممارسات غير القانونية ستحاسَب أمام القانون يوماً ما، بغضّ النظر عن الجهة التي أصدرت الأوامر، ودن التمييز بين الرؤساء والمرؤوسين ومهما كانت الضغوط الممارسَة. ذلك لأنه ليس لأحد حق ارتكاب الجريمة ولا صلاحية الظلم.
ولقد قلنا بصوت عال عندما جرى تناقل اتهامات “الجماعة” في جهازي القضاء والأمن العام: “يجب أن يحاسَب كل من خرج على القانون أثناء أداء وظيفته، وارتكب جريمة ومهما كان”. واختبار الصدق وحسن الطوية هذاينطبق على مؤيدي الحزب الحاكم أيضًا، فيجب محاسبة كل الخارجين على القانون والمستغلين لوظائفهم جراء التعليمات الساسية من رجال الأمن، والقضاة، والمدعين العامّين، ورجال المخابرات، وعليهم أن يعلموا أنّ أيّة أعمال خارجة عن نطاق القانون سيكون حسابها قاسيًا. هل هذا تهديد؟ّ بالطبع لا، إنها الحقيقة بعينها، إذ سيأتي يومٌ ليمسك القضاءُ بكل مدع عامّ، وقاض، ورجل أمن خرج على القانون. ولن يدافع عندئذٍ هؤلاء الذين استغلّوا مناصبهم عن موظفيهم الذين أشركوهم في جرائمهم، ويجب على مؤيدي السلطة الحاكمة أن يقولوا أيضاً – إن كان للشرف والكرامة معنى بالنسبة لهم -: “لا تخرج على القانون مهما كان منصبك، وإلّا سندفع الثمن معا”.
“لا ترهقوا أنفسكم عبثًا”
كلُّ غيْرِ وفيٍّ يسعى لإغلاق المدارس التركيّة بالخارج محتوم عليه أن يقع في موقف فاضح أمام التاريخ والمجتمع. وهذا لا يحتاج إلى نقاش. أيّها الساسة الذين لم يسهموا بمقدار ذرة من العمل في تأسيس هذه المدارس، وأيها البيروقراطيين الذين لم يضعوا لبنة واحدة في ازدهارها وتطويرها، وأيها الكتّاب الذين لم يشاركوا بمخاض أفكارهم قط في فتح القلوب؛ بأي عقل وبأي ضمير يمكنكم أن تفسروا تخابركم مع الدول الأخرى لإغلاق تلك المدارس نور عين هذه الأمة؟
أَ تحسبون أن هذه الأمة لن تسألكم: “على أي أساس تحددون هذه السياسة الوطنيّة التي تجيز لكم الوشي بنا إلى الدول الأخرى من أجل إغلاق لمدارس التي أنشأناها في الخارج قبل ربع قرن من الزمان؟” وتتذرّعون في ذلك بأن الدولة الموازية هي التي أشعلت فتيل تحقيقات قضايا الفساد والرشاوى فيما بين 17 و25 من ديسمبر الماضي، وتزعمون بضرورة إلقاء أوسمة الشرف؛ المدارس التركية التي تعمل في جميع أنحاء العالم. وآسفا عليكم! إذا زعم دبلوماسي أن ثلاث أو أربع مدارس في دولةٍ تعمل بها آلاف من المدارس قد تستولي على تلك الدولة فإن ذلك يدلّ على وجود اختلال في عقل هذا الدبلوماسي أو معلوماته الحسابيّة! عار أيّما عار!
- لنفرض جدلًا أن ما تقولونه حق وصحيح؛ وأن الدولة الموازية التي اختلقتموها، وهمًا، تتكوّن من هؤلاء الأشخاص الذين يحققون في قضايا الفساد والرشاوى. لكن بما أن شخصية الجريمة والعقوبة من المبادئ الأساسية، فبأي قانون تفسرون ظلم عشرات المئات من الناس غضباً على هؤلاء الأشخاص الذين يجرون التحقيقات؟
- كيف أحللتم لأنفسكم أن تعلنوا أن هؤلاء الأطفال يشكّلون خطراً محتملاً على الدول الأجنبية، ثم أطلقتم تكهنات لا تستند إلاّ إلى التخاريف قائلين “إن هؤلاء الأطفال من الممكن أن يكونوا بلاءًا عليكم في يوم ما”، ومن ثم شكوتموهم إلى هذه الدول بناء على جنون الارتياب هذا؟
لا ترهقوا أنفسكم عبثًا، ولا تلقوا المسؤولية على جهات لا علاقة لها بزعم أن أسلوبنا في التعبير عن لك صارم وشديد. وانظروا إلى الصحف التي تكتبون فيها والقنوات التلفزيونية التي تتحدّثون إليها لتروا كيف أن الافتراءات والأكاذيب التي تطلقونها عبرها دون هوادة تحوّلت إلى وحش، وقولوها إلى زملائكم، وبعد ذلك لكم أن تنصحوا أناساً لم يلجؤوا إلى الكذب ولو لمرة واحدة، ولم ينزلوا إلى هذا الدرك الأسفل من المستوى الدنيئ بالرغم من تعرضهم لشتى لإهانات من قبلكم.
وعلى أيّ حال، فالحقيقة التاريخيّة هي أنه لا يوجد أي تفسير عقلي أو منطقي أو وجداني لنميمتكم عن المدارس التي أسسها أبناء الأناضول في الخارج بشق الأنفس إلى الدول الأجنبيّة، ولا يمكن أن يكون. واعلموا أن أيادي شعب الأناضول الأبرياء ستطاردكم إلى أن تحين لحظة دفع ثمن هذا الخطأ الجسيم في حضرة التاريخ، وتندمون وتعتذرون على ما فعلتم.