بقلم: مصطفى أونال
هل هي مفاجأة؟ نعم إنها كذلك، فقد تفاجأ الجميع بسبب توافق حزبَي الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضيْن على اختيار الأمين العام السَّابق لمنظمة التعاون الإسلامي البروفيسور “أكمل الدين إحسان أوغلو” كمرشح مشترَك في الانتخابات الرئاسية التركية، المقرر إجراؤها بعد أقل من شهرين من الآن. لقد أقدما على فعل ما لم يكن متوقعًا.
إنّ نماذج “التوافق” نادرة للغاية في السياسة التركية، لا سيما تلك التي يتم الاتفاق فيها على شخصية محددة. ولا ريب أننا اليوم أمام حالة تتخطّى حدودَ التقاليد السياسية التركية، فرئيس حزب الحركة القومية “دولت باهتشلي” بارَك مقترح رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال قيليجدار أوغلو” بترشيح إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية القادمة، فالوضع قد خرج من عباءة “السيناريو” وتحوّل إلى حقيقة، كما أن المشهد اكتمل ليظهر أمامنا “أكمل الدين إحسان أوغلو”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إنّ نماذج “التوافق” نادرة للغاية في السياسة التركية، لا سيما تلك التي يتم الاتفاق فيها على شخصية محددة. ولا ريب أننا اليوم أمام حالة تتخطّى حدودَ التقاليد السياسية التركية، فرئيس حزب الحركة القومية “دولت باهتشلي” بارَك مقترح رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال قيليجدار أوغلو” بترشيح إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية القادمة، فالوضع قد خرج من عباءة “السيناريو” وتحوّل إلى حقيقة، كما أن المشهد اكتمل ليظهر أمامنا “أكمل الدين إحسان أوغلو.[/box][/one_third]لا يمكن التَّخمين بأن يكون اسم “إحسان أوغلو” قد طرُح للتَّوافق بين حزبَي المعارضة الرئيسيَين في تركيا في آخر لقاء عقد بينهما. وليس من الصعب أن نتوقع أن مفاوضات سرية كانت تجري بين الطرفين حتى توصلا إلى الاتفاق على هذا الاسم، وأنّ هناك أسماء أخرى تطرّق إليها الحزبان للحديث عنها، وكان اسم إحسان أوغلو من بين هذه الأسماء، غير أنه لم يكن من الأسماء البارزة في كواليس كلا الحزبين، بيد أن “الرسائل المتفائلة” التي أدلى بها زعيما الحزبين كانت إشارة على أن ترشيح إحسان أوغلو كان قد تم التجهيز له.
لم يكن الأمر مفاجئاً لحزب العدالة والتنمية فحسب، بل كان مفاجئاً للجميع… كما كان كذلك أيضًا على حزبي باهتشلي وقيليجدار أوغلو اللذين أجريا لقاءات حول انتخابات رئاسة الجمهورية مع العديد من الأشخاص والمؤسسات فضلًا عن مناقشتهما للموضوع ذاته خلال اجتماعات حزبيهما. ولو كان اسم إحسان أوغلو قد طُرح خلال هذه اللقاءات، لكان أُعلن للرأي العام،لكنهما لم يتفوّها بشيء حول هذا الموضوع لأحد.
لا يخفى على أحد أن هناك نواب بالبرلمان عن حزب الشعب الجمهوري تكبدوا مشقة كبيرة من أجل قبول مسألة ترشيح إحسان أوغلو، وقد أبدوا “انزعاجهم” بشكل واضح، وعقدت مجموعة من النواب أصحاب الفكر القومي اجتماعًا لتثمين الوضع وليس مفاجئًا أن “يخرجوا بترشيح” اسم من داخل الحزب مثل الرئيس السابق للحزب “دنيز بايكال”. غير أن فرصة نجاحه ضعيفة.
فكيف سينعكس التوافق الحاصل بين إدارة الحزب على قاعدته؟ بمعنى آخر كيف سينعكس المرشح المشترك على قواعد الحزب؟ ليس هناك مشكلة في حزب الحركة القومية ذلك أن إحسان أوغلو ليس اسمًا بعيدًا عن قاعدة الحزب. فزوجته هي بنت شقيقة “سعد الدين بيلجيتش” الملقب باسم “الرئيس الكبير”. وحماه كان صديق المرحوم “ألب أرسلان توركش”الرئيس المؤسس لحزب الحركة القومية، وعليه، فمن السهل على إحسان أوغلو تأسيس علاقات جيدة مع حزب الحركة القومية من خلال زوجته التي تعتبر ابنة عائلة سياسية،كما أن والد إحسان أوغلو وجدّ زوجته كانا عالمي دين.
من الواضح أن حزب الشعب الجمهوري سيستغرق فترة حتى “يهضم” مسألة ترشيح إحسان أوغلو، كما حدث مع ترشيح “منصور ياواش” في الانتخابات المحلية الأخيرة. وليس هناك متسعًا من الوقت؛ إذ بقيت أيام قليلة على فتح قبول ترشيح الأسماء في الانتخابات، فيما سيكون توقيت الدعاية الانتخابية شهرًا واحدًا. ومن المهم أن يتفق الحزبان على اسم إحسان أوغلو حتى “يوحدوا قواهما”. وإذا لم يفقد تكتل حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية أي دعم، فإن ذلك لن يكون كافيًا لفوز إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية.
فالمشكلة ليست سياسية فقط، بل هي في الوقت نفسه مشكلة متعلقة بعدد الأصوات، بحيث أن هناك “ضرورة عددية” لإقرار التوافق على اسم إحسان أوغلو، وإذا نظرنا إلى أوضاع أحزاب المعارضة، فهي واضحة للعيان، وقد تراجع الاتجاه اليساري الذي يقل بمرور الوقت إلى دون الثلاثين بالمئة، كما أن حصول مرشح ذو اتجاه يساري من حزب الشعب الجمهوري على 50% في الانتخابات أمر مستحيل. والوضع لا يختلف كذلك بالنسبة لحزب الحركة القومية، بحيث يحصل المرشح المدعوم من قبل الحزب على ما نسبته 20% من أصوات الناخبين.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]هناك تفسيرات متعددة لقرار توافق المعارضة التركية على اسم إحسان أوغلو، فهناك من وصف هذا الاختيار بـ”الصائب والمتعقل”، وهناك من قال إن “المعارضة وضعت نفسها في موضع خطير سيؤدي إلى خسارتها”. غير أنه من المبكر إطلاق الأحكام الحادة سواء الإيجابية أو السلبية.[/box][/one_third]يجب على إحسان أوغلو أن يحصل على أصوات في الانتخابات الرئاسية كذلك من الناخبين الداعمين لحزبي العدالة والتنمية الحاكم ،والسلام والديمقراطية، وهذا هو الذي دفع قيليجدار أوغلو وباهتشلي للتوافق على ترشيح إحسان أوغلو. إذن، هل سيستطيع الحصول على هذه الأصوات؟ فهو لديه فرصة أكبر من أي اسم حزبي، ذلك أنه من الصعب أن تتجه الجماهير المحافظة والقومية لانتخاب مرشح ذي اتجاه يساري.
هناك تفسيرات متعددة لقرار توافق المعارضة التركية على اسم إحسان أوغلو، فهناك من وصف هذا الاختيار بـ”الصائب والمتعقل”، وهناك من قال إن “المعارضة وضعت نفسها في موضع خطير سيؤدي إلى خسارتها”. غير أنه من المبكر إطلاق الأحكام الحادة سواء الإيجابية أو السلبية.
من الواضح أن اسم إحسان أوغلو لم يكن متوقعًا لدى صفوف حزب العدالة والتنمية، فهو اسم منافس لكنه ليس بعدوٍ. وهو أحد البيروقراطيين في عهد الحزب، والأهم من ذلك أنه ينتمي للتوجّه نفسه، فماذا يمكنهم أن يقولوا عنه؟ ولقد أظهرت ردود الأفعال الأولية أنهم سيواجهون صعاب جمة في مزاولة العمل السياسي أمام إحسان أوغلو. ولم يتطرق رئيس الوزراء “رجب طيب أردوغان” إلى الحديث عن الأمر خلال اجتماع كتلة حزبه البرلمانية، واكتفى في حديثه للصحفيين بقوله “الشعب هو صاحب القرار”.
ليس واضحًا إلى الآن من سيكون منافس إحسان أوغلو في الانتخابات الرئاسية، وكان حزب العدالة والتنمية قد أفاد بأنه سيعلن مرشحه أواسط يونيو/حزيران الجاري، ثم أجل إعلانه حتى نهاية الشهر، فهو سينتظر حتى آخر لحظة، وسيعقد أردوغان اليوم مؤتمرًا مع عالم الأعمال حول “رئاسة الجمهورية”. فالأمور لا تسير على ما يرام في الداخل والخارج، وأحداث منجم “سوما” وديار بكر والموصل أفسدت الأجواء، ولا أعتقد أن الزجَّ بإحسان أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية لن يؤثر في قرار أردوغان الذي يتقدم على منافسه ببضع خطوات، ومن المؤكد أن الانتخابات التي ستجرى يوم 10 أغسطس / آب المقبل ستكون حماسية ومشوِّقة.
ـــــــــــ
جريدة زمان التركية