إن اعتقال 5 شرطيين في تركيا بتهمة وضع أجهزة تنصّت في مكتب عمل رئيس الوزراء “رجب طيب أردوغان”، ثم الإفراجَ عنهم من قبل المحكمة، أعاد إلى الأذهان حادثةً مشابهة شهدتها البلاد العام المنقضي، والفرق الذي ظهر في طريقة تعامل السلطات مع هاتين الحادثتين، ذلك أن المتهمين في الحادثة الثانية كانوا إيرانيين وأشخاص مرتبطين بجواسيس إيران.
ولذلك نريد عقد مقارنة بين هاتين الحادثتين والمعاملة التي تعرّض لها المتهمون في إطار التحقيق الذي فُتح لتسليط الأضواء على ملابسات الحادثتين.
ونقول إن عملية التفتيش التي قامت بها المخابرات التركية في مكتب أردوغان بمبنى رئاسة الوزراء جاءت كالتالي:
1- كان يجب أن تقوم وحدات المخابرات بالتفتيش مع التسجيل المصوّر، لكنها لم تقم بذلك.
2- كان يجب تحرير محضر بإجراءات التفتيش، وهذا لم يحدث.
3- كان يجب على وحدات المخابرات مصادرة التسجيلات المصوّرة لكاميرات المراقبة التي تصوّر جميع الغادين والرائحين، وهو أيضًا ما لم يحدث. وعندما طُلبت سجلات الكاميرات بعد عامين، قيل إنه تمّ مسحها.
4- كان يجب استدعاء فريق التحقيق بمسرح الجريمة لجمع الأدلة من المكتب مثل بصمات الأصابع وبقايا الحمض النووي، وهو ما لم يحصل، ولم تُجمع الأدلة.
5- كان يجب أن يتواجد مراقبون من الأمن داخل المكتب أثناء القيام بعملية التفتيش. وقد عمد موظفو المخابرات ومستشار رئيس الوزراء “مصطفى فارانك” بإقفال باب المكتب من الداخل، ثم أجروا عملية التفتيش.
وبما أن هذه المعايير الخمسة الحيوية اللازمة لفتح تحقيق حول عملية التنصّت غائبة تماماً، فإن وجود أجهزة تنصّت في مكتب أردوغان لا يعدو عن كونه ادعاء مجرّداً.
ومن الملفت للانتباه أيضًا أن اعتقال الشرطيين الخمسة جاء بعد الانتقاد الذي وجّهه أردوغان إلى القضاء علانية بقوله “كيف لكم أن تطلقوا سراحهم؟”.
لكن عندما يكون المتهمون إيرانيين…
وبينما يُعتقل عناصر الأمن بالجمهورية التركية “دون أدلة”، فإنه عندما يكون المتهمون إيرانيين في واقعة تنصّت أخرى، بالرغم من توافر جميع الأدلة والاعترافات؛ فإن الأمور تسير في اتجاه معاكس تماماً. إذ عُثر على جهاز تنصّت قبل فترة في مقر هيئة المغتربين الأتراك التابعة لرئاسة الوزراء. وعندما عُثر على هذه الأجهزة، أخطر رئيسُ المؤسسة النيابةَ العامة على الفور، وتقدّم بشكوى جنائية، على عكس ما فعله رئيس الوزراء أردوغان حيث اشتكى بعد ثلاث سنوات من وقوع الحادثة.
وتولّت النيابة العامة التحقيق في الواقعة، وحصلت على جميع السجلات المتعلقة ببصمات الأصابع وكاميرات المراقبة داخل مقر الهيئة وخارجها، ثم استجوبت جميع الموظفين والمترددين على المقر، لتتوصّل أخيراً إلى واضعي أجهزة التنصّت في مقر الهيئة خلال فترة قصيرة، حيث اعترفت امرأتان باشتراكهما في عملية وضع أجهزة التنصّت. لكن أظهرت التحقيقات أن رجل أعمال إيراني الجنسية هو الذي يقف وراء هذه الواقعة.
تغير مجرى التحقيقات عندما ظهر أن مدبر الواقعة إيراني الجنسية
لقد تغير مجرى التحقيق في الواقعة ما إن ظهر أنّ من يقف ورائها شخص يحمل الجنسية الإيرانية، إذ تغاضى رئيس الهيئة عن متابعة تطورات التحقيق من جانب، وأدلى أعضاء حزب العدالة والتنمية بتصريحات تفيد بضرورة عدم تضخيم هذه الواقعة من جانب آخر. ثم أطلق سراح المرأتين المعتقلتين في إطار التحقيق، بالرغم من توافر الأدلة والاعترافات القاطعة، ولم يصدر حتى قرار اعتقال بحق رجل الأعمال الإيراني.
طرد الصحَفيّة التي كتبت خبر الواقعة بضغط من الحكومة
وفي الوقت الذي عُطّل فيه ملف التحقيقات، طُردت الصحفية “أرزو يلديز” من عملها بضغط من حكومة حزب العدالة والتنمية، لأنها رصدت تفاصيل الواقعة وصاغتها إخباريًا بعنوان “أجهزة تنصّت إيرانية” ونشرتها في جريدة “تركيا” التي تعمل بها.
وهذا هو الفارق بين الواقعتين!
عُطّل ملف التحقيق في واقعة أجهزة التنصّت الإيرانية، مع أن جميع الأدلة والبراهين كانت حاضرة وملموسة، ولم يُتخذ أي إجراء ضد رجل الأعمال الإيراني، كما أُطلق سراح المرأتين اللتين تقفان وراء عملية زرع أجهزة التنصّت.
وبالرغم من عدم وجود أدلة في واقعة أجهزة التنصّت المزعوم وضعها في مكتب أردوغان، فإن عناصر أمن الجمهورية التركية أُلقي القبض عليهم بضغطٍ واضح من رئيس الوزراء على القضاء.
وباختصار؛ فإن تركيا جميلة للإيرانيين!
ــــــــــــــ
جريدة زمان التركية