يمر العالَم الإسلامي والشرق الأوسط وتركيا في الوقت الراهن بفترة عصيبة. نحن بحاجة إلى أن يفهم بعضُنا بعضًا، وأن نتحاور فيما بيننا، وأن نتفق على أهداف مشتركة للخروج من الأزمة المستعصيَة التي دخلناها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]علينا أن نتقبل الحقيقة المرة، نختلف فيما بيننا ونتنازع لأننا بشر. لكن المعضلة هي عدم حلِّنا تلك الاختلافات والنزاعات بالتفاوُض. وسرعان ما نتكتَّل ويصارع بعضنا بعضًا. وأضحينا لا نتحمّل الآخر، ولا نتقبَّل انتقاداته، وعَمِيَت أبصارنا عن رؤية أخطائنا وهفواتنا، وبتنا نستخدم لساننا كسَهْمٍ مَسْمُوم.[/box][/one_third]إن الصراع على السلطة يكون مركَّبًا مُعقدًّا، فيه تنجرح القلوب، وتنكسر الخواطر، وتنقسم الوحدة. إننا نشهد تاريخًا يُقطِّع فيه المسلمون بعضهم بعضًا للوصول إلى سُدَّة الحكم، حتى الصحابة الكرام واجَهَ وقاتَلَ بعضُهم بعضًا نتيجة الاجتهادات التي اختلفوا فيها. ولا أحد منا يرغب في خوض غمار تلك الاختلافات مجدَّدًا. وبطبيعة الحال فهناك شخص مُحِقّ وآخَرُ مُخطئ، وقد نظنّ أن بإمكاننا أن نميِّز بأنفسنا بين الْمُحِقِّ والمخطئ، ولكن الله عز وجل هو وحده القادر على ذلك. يُحكَى أن مجموعة من الخوارج خرجوا على رجل وقطعوا طريقه، وسألوه: “مَن يا تُرَى على الحقّ، هل هو عليُّ بن أبي طالب أم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم؟”، ولأن الرجل لم يعرف إلى أي فريق ينتمي هؤلاء، ورغم أن قلبه يميل إلى سيدنا عليّ، تَوَقَّف قليلاً ثمّ أجاب: “لا شك أن عليًّا على حقّ، ولم يكُن معاوية مُخطئًا”.
إن العالَم الإسلاميّ اليوم مُمَزَّق، ولا يزال يهيم على وجهه في طريق مجهول، يعاني صراعات مذهبيَّة وعرقيَّة، وأنظمة قمعيَّة وديكتاتوريات، وفقرًا يضرب بلادنا وانحطاطًا أخلاقيًّا. المسلمون يقتل بعضهم بعضًا، من الطبيعي أن تكون فئةٌ على حقٍّ، ولكن ينبغي أن يُنظَر أيضًا إلى الفئة الأخرى، فهل هي مُخطئة تمامًا؟
علينا أن نتقبل الحقيقة المرة، نختلف فيما بيننا ونتنازع لأننا بشر. لكن المعضلة هي عدم حلِّنا تلك الاختلافات والنزاعات بالتفاوُض. وسرعان ما نتكتَّل ويصارع بعضنا بعضًا. وأضحينا لا نتحمّل الآخر، ولا نتقبَّل انتقاداته، وعَمِيَت أبصارنا عن رؤية أخطائنا وهفواتنا، وبتنا نستخدم لساننا كسَهْمٍ مَسْمُوم.
إذا كان هناك حزب حاكم فهناك أيضًا قرارات وأعمال، فكل قرار وعمل مِن صنع البشر قد يحتمل الخطأ، فالأنبياء وحدهم المعصومون من الخطأ، وحتى زلاتهم الصغيرة كانت تُصَحَّح بالوحي. لهذا فأكبر معروف يمكن إسداؤه للحزب الحاكم هو انتقاده، كما أن أكبر ضرر نقدمه له هو إظهاره على أنه لا تشوبه شائبة. والحاكم الفَطِن هو ذلك الذي يحترم من ينطق بكلمة الحقّ في وجهه علنًا.
إن الذين يرون الحزب الحاكم على أنه غير مُخطئ ولا تشوبه شائبة، يقيِّمون دومًا الانتقادات الموجَّهة إليهم على أنها هجوم مُدمِّر. ودون أن أتطرق إلى جوهر الموضوع، يمكن القول إن هؤلاء الزعماء يقدِّمون عدّة مُبرِّرات لا تمتّ إلى الموضوع بصلة، كقولهم: إنكَ رجل ذو وجهين.. أنت تحسدنا.. أنت تنحاز إلى الطرف الفلانيّ.. نيَّتك ليست حسنة، وتفعل ذلك قصدًا.. نعرف ماضيك، فحدِّثنا أكثر عنه.. أنت تكتب لهذه الفئة.. لقد كتبت كثيرًا وكثيرًا قبل سنوات، إلخ. فضلاً عن أنهم لا يعطون إجابات صريحة عن الانتقادات الموجَّهة إليهم، ولا يهتمون بالنقاشات والتحاليل. على الحزب الحاكم ألا ينظر إلى الناقد ونيَّته ومقصده، فما يقع على عاتقه في الأساس هو الإجابة عن أسئلته برحابة صدر، وتعليلها ومحاولة إقناعه بها. إن هؤلاء الكتّاب الإيقاعيين (المنحازين للحزب) يُلحِقون ضررًا جسيمًا بتجربة حزب العدالة والتنمية، وبالسَّاسَة الأفاضل لدى الحزب، وبالحزب نفسه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أكبر معروف يمكن تقديمه للحزب الحاكم هو انتقاده، كما أن أكبر ضرر نقدمه له هو إظهاره على أنه لا تشوبه شائبة. والحاكم الفَطِن هو ذلك الذي يحترم من ينطق بكلمة الحقّ في وجهه علنًا.[/box][/one_third]أنتقدُ حزب العدالة والتنمية منذ بزوغه، كما أني أدعمه وأدافع عنه إذا اقتضى الأمر ذلك. وانتقادي للحزب ليس وليد المشاكل التي تشهدها البلاد منذ 6-7 أشهر الماضية، فلله الحمد عقلي ووعيي في محلّهما، لم يبتَعني أيّ شخص بالمال. ولم أهن كرامتي الفكرية لأن أكون نائبًا في الغد، أو لأكون “وزير 1915” (إشارة إلى أحد الأرمنيين المشهورين المقرَّبين من أردوغان). أرى أن الدولة مضت قُدُمًا في الأشهر الستة الماضية في انتكاسات 27 مايو/أيار، و12 مارس/آذار، و12 أيلول/سبتمبر و28 شباط/فبراير، فأنا رجل عاصَرَ الانقلابات التركية كافَّةً، ولا أرى الآن أدنى تغييرات في خطة الانقلاب، ولطالما تحدثت عن الأضرار التي ستلحق المتدينين كافَّةً من هذه العملية الأخيرة، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية. إن الأحداث الراهنة تؤكد قولي؛ كُشِفَ عن “الجناح اليساري القومي” فقط من تنظيم أرغنيكون، بَيْدَ أن “جناح الْمُحافظين/المتدينين الأصليين” لا يزال قائمًا كما هو، ويتلاعب بحزب العدالة والتنمية.
لم يعُد لنا أدنى الاعتبارات في الشرق الأوسط، ولا في أعيُن الأنظمة التي لم ترُق لنا، ولا المثقَّفِين ولا الشعوب. وتبين لاحقًا أن انتقاداتي كافَّةً كانت على صواب، وهذا ما أتعسني، لأنهم لا يزالون يتمادَون في الأخطاء ذاتها. ففي الوقت الذي نقول فيه لهم: “ستقعون في حادثة مُمِيتَة بهذه السيَّارة التي ركبتموها مع سائق لا يحمل رخصة قيادة، انظروا، فقد قتلتم إخوانكم السوريين الذين فتحوا لكم أحضانهم، فرمَّلْتم نساءهم ويتَّمْتُم أطفالهم”، نجدهم يقولون: “ألا نخرج على قارعة الطريق لقيادة سيارتنا، بالمناسبة لقد رأيناك وأنت تحتسي الحساء، وسكبته على نفسك”! إذا ما نظرنا إلى هذا المثال بتمعُّن فإننا لا نجده يمتُّ بصلة إلى جوهر الموضوع، وليس إجابةً صريحة على نقدنا.
وقديمًا، كان لي أناس أقيم لهم وزنًا واحترامًا.. أتطلع إليهم الآن فأجد انغماسهم في نشوة السلطة قد سوَّد ضمائرهم.. يأخذونني بألسنتهم في كل فرصة. أما أنا فليس لَدَيَّ وقتٌ أضيِّعه معهم، أدعو الله أن يُصلِحهم.
ـــــــــــــــــــــ
بقلم علي بولاج، جريدة زمان التركية.