بقلم : ممتازار ترك أونه
في الآونة الأخيرة دأبت بعض الصحف الموالية للحكومة على استخدام العبارة المذكورة أعلاه في عناوينها الرئيسية، قاصدةً بذلك أن تقول إه “هذا ما آلت إليه الأمور”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا يبدو أن أي أدلَّةٍ ملموسةٍ أو حتى أي تحقيقاتٍ جدِّيةٍ تلوح في الأفق، وفي الواقع فإن المقالات الإخبارية التي تعجّ بهذه المزاعم (كيان الدولة الموازية) إنما تستند إلى معلوماتٍ لا يؤكِّدها أيٌّ من المصادر أو الجهات الرسمية.[/box][/one_third]أما فحوى المقالات فواحدٌ لا يتغير: “كيان الدولة الموازية” وحركة الأستاذ فتح الله كولن، إذ تُطلَق المزاعم والاتهامات الضخام، ويدور الحديث عن منظمةٍ شيطانيةٍ غير شرعيةٍ نجحت في التسلُّل إلى لُبِّ مختلِف أجهزة الدولة.
وهكذا تشير هذه الادِّعاءات حالَ ثبوت صحتها إلى ما سيُعتبر جرائم بالغة الخطورة، وهي جرائم بذل رئيس الوزراء قصارى جهده للحفاظ على حضورها المتجدِّد في الأخبار منذ السابع عشر من ديسمبر 2013، مُتعهدًا بقوله “سنمضي قُدُمًا في تتبُّع هذه المسألة”.
وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن أي أدلَّةٍ ملموسةٍ أو حتى أي تحقيقاتٍ جدِّيةٍ تلوح في الأفق، وفي الواقع فإن المقالات الإخبارية التي تعجّ بهذه المزاعم إنما تستند إلى معلوماتٍ لا يؤكِّدها أيٌّ من المصادر أو الجهات الرسمية.
وفي جريدة “ستار” نُشر واحدٌ من مثل هذه التقارير الإخبارية حول تحقيقاتٍ مزعومةٍ اضطلع بها رئيس النيابة العامَّة في أنقرة بحقِّ الأستاذ فتح الله كولن، وفي الواقع أن المدَّعي العامَّ لم يؤكِّد هذا التقرير قَطّ، كما كان محتواه بالغ الغرابة في حقيقة الأمر، إذ تناول مزاعم لا أساس لها بدت كأنها ناجمةٌ عن جهودٍ حثيثةٍ للتنقيب بين الملفَّات بحثًا عن أي شيء، وتَمَثَّل واحدٌ من هذه الادِّعاءات في ما يأتي: “تسعى حركة فتح الله كولن إلى إسقاط الحكومة، لتُحِلَّ محلَّها دولةً إسلاميةً تستند إلى أحكام الشريعة”.
ودعونا نقف هاهنا لحظةً لتذكير القراء بأن هذه بالتحديد هي نوعية المزاعم التي لجأت إليها دوائر العسكر إبان عملية الثامن والعشرين من فبراير للإجهاز على الفصائل المحافظة دينيًّا.
وفي الحقيقة أن حكومة حزب العدالة والتنمية ذاتها قد استُهدفت استهدافًا مباشرًا بمثل هذه الادِّعاءات والاتهامات بحذافيرها، رغم أننا ما عدنا نسمع بمثل هذه الأشياء منذ انتهاء الوصاية العسكرية.
ولعل حقيقة صدور مثل هذه المزاعم عن حكومةٍ محافظةٍ (كنوعٍ من الدعاية) تُبيِّن في الحقيقة أن الأشكال والأنماط التي تتخذها المنافسة السياسية لم تتغير فعلًا على الإطلاق.
أما المزاعم الأخرى المتعلقة بارتكاب جرائم فتستند جميعها إلى الفرضية القائلة بأننا بصدد محاولةٍ حقيقيةٍ جدًّا لإقامة ثيوقراطيةٍ إسلاميةٍ في تركيا، وهو ما يُعدُّ موقفًا بالغ الطرافة، أليس كذلك؟
فالحكومة التي سبق لكثيرين اتهامُها بـ”الإسلاموية” ومحاولة إرساء نظامٍ للدولة يقوم على أساسٍ دينيٍّ، تسعى حاليًّا إلى اتهام الأستاذ فتح الله كولن (الرجل الذي صرَّحوا بكونه ألدَّ أعدائهم) بمحاولة إنشاء دولةٍ ثيوقراطية والسعي لانقلاب على الحكومة تحقيقًا لهذه الغاية.
وفي حقيقة الأمر، تُشير عبارة “دولة إسلامية” -إلى جانب بعض الاتهامات الأخرى التي يُقذَف بها هنا وهناك- إلى أن هؤلاء الذين يضطلعون بالكتابة في هذا الموضوع ليسوا على درايةٍ تامَّةٍ بما يتناولونه. فرغم كل شيء، يُمكن سماع كثرةٍ من هذه التعبيرات (من قبيل “استغلال نظام الحكم” و”محاولة الحفاظ على التركيبة السياسية الدينية”) من الطلاب الذين لم يُتقِنوا بعدُ جميعَ أبعاد مسألة الإسلام السياسي. هذه هي نوعية اللغة المسترسلة الفضفاضة التي لا نجدها في النصوص القانونية أو حيثما تُوجَّه اتهاماتٌ حقيقيةٌ تستند إلى أدلَّةٍ ملموسة.
لكنْ دعونا لا ننسَ جانبًا مُهمًّا في هذا الصدد، إذ يُتَّهم الآن زعيم حركةٍ اجتماعيةٍ دينيةٍ غالبًا ما يُنظر إليه في الحقيقة على أنه أحد أكبر الحواجز التي تحول دون “الإسلام السياسي”، بمحاولة “إرساء ديكتاتوريةٍ تستند إلى أسس الشريعة الإسلامية”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تَمَثَّل واحدٌ من هذه الادِّعاءات في ما يأتي: “تسعى حركة فتح الله كولن إلى إسقاط الحكومة، لتُحِلَّ محلَّها دولةً إسلاميةً تستند إلى أحكام الشريعة”.
دعونا نقف هاهنا لحظةً لتذكير القراء بأن هذه بالتحديد هي نوعية المزاعم التي لجأت إليها دوائر العسكر إبان عملية الثامن والعشرين من فبراير للإجهاز على الفصائل المحافظة دينيًّا.[/box][/one_third]غير أن حركة الأستاذ فتح الله كولن هي حركةٌ تتبنى مبدأ النأي عن السياسة، مثلما كانت “النُّورْسِيَّة”، أقوى الحركات الاجتماعية الدينية في عصر الجمهورية. وفي واقع الأمر تتأسس الحركة على فكرة أن تكون منظمةً غير سياسية. ولحقيقةِ أنه من الممكن أن تؤدِّي التصوُّرات السياسية إلى معارك لا تنتهي، فإن الحركة تحصر نفسها في ميدان العمل الاجتماعي. كما أن مبادئها (التي تعتمد على مفاهيمَ مثل الحوار والتسامُح والتوافُق والعيش في وحدةٍ وسلام) تَحظَى بالقبول في جميع أنحاء العالم.
وقد كانت الحركة موضوع عدة دراساتٍ أكاديمية، وفي الحقيقة أنها -بمدارسها الموجودة في 180 دولة في جميع أنحاء العالم- تنقل تجربتها الخصبة وتصوُّرها لتعلُّم العَيش ككيانٍ واحدٍ (مهما كانت اختلافاتنا)، ليس فقط للعالم الإسلامي، بل لشَتَّى البقاع.
لكن في الوقت نفسه يحاول الإسلاميون الراديكاليون تصنيف هذه الحركة الاجتماعية العظيمة باعتبارها “إسلامًا وسطيًّا”، وفي تركيا تهاجمها الحكومة متهمةً إياها بمحاولة إقامة حكمٍ ديكتاتوريٍّ يستند إلى الشريعة الإسلامية.
فهل لا يكفي كل ذلك في حدِّ ذاته لإيضاح كيف حاولت الحكومة قلب كل شيءٍ رأسًا على عقب في أعقاب السابع عشر من ديسمبر 2013، فقط لتتملَّص من التحقيقات؟