علي بولاج
ربما تتعجبون من اقتران التنظيم الذي عُرف باسم تنظيم القاعدة اليوم بأسماء العديد من التنظيمات. فعلى سبيل المثال، نجد أن كلاً من تنظيمي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة الإسلامية، وكذلك انتسابهما الذي أعلناه، مرتبط بتنظيم القاعدة، من حيث ظهورهما الأول على الأقلّ. ولا يخلّان انفصالُ أحدهما عن الآخر، والصراع السائد بينهما بانتمائهما المشترك.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تنظيم القاعدة الذي يظهر اليوم بأثوابه ونسخه المتعددة، فيتبنّى الحرب “الخارجية” والتمرد والتصفوية. كما أن الطابع الوهابي للتنظيم يجعله عدوًا للشيعة والعلويين. غير أن الهدف الرئيس الذي يقصده هذا التمرد الخارجي الحديث هو الهيمنة العسكرية والسياسية والثقافية للغرب في العالم الإسلامي. كما أنه يستهدف الأنظمة الديكتاتورية.[/box][/one_third]هناك عقل مدبر أعلى هو الذي خطّط لتأسيس تنظيم القاعدة. فبعد أن حلّلت مؤسسات المخابرات الأمريكية عقيدة مؤسِّس التنظيم لفترة طويلة، اتخذت قرارًا باغتيال منظّريها وقادتها الأساسيين واحدًا تلو الآخر. فالعقيدة المناسبة لأزمة ما بعد الحداثة هي: تنظيم بلا منظمة!
ترى هذه العقيدة أنه لا داعي من وجود منظمة تسيطر على كل شيء بشكل عضوي وتحدّد آليات التعامل معه. وكلّ المنظمات المركزية يجري السيطرة عليها بشكل من الأشكال من قِبل أجهز المخابرات الوطنية والدولية. تخيلوا أنكم تأكلون في مكان ما، ثم تنهضون بعد الفراغ من الطعام وتغادرون دون أن تنظّفوا مكانكم من بقايا الأكل. حينها سيبدأ النمل بالتوافد بكثرة على هذا المكان بعد فترة قصيرة. فأينما ظهرت مشكلة في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، تبدأ المقاومة هناك دون استئذان المركز. فالنمل يشبه بعضه البعض، وجميع التشكيلات واحدة وتسعى نحو الهدف نفسه.
كان أسامة بن لادن يقول، بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، إن المسلمين فقدوا استقلالهم منذ عام 1918، والأراضي العربية تحت الاحتلال، وإن الغرب دائمًا ما يحتقر هذا العالم. وكان بن لادن يقول: “ستستمر المقاومة حتى يغادر الجنود الأجانب أراضينا ونحصل على الاستقلال وتطبَّق الشريعةُ الإسلامية”.
وترى عقيدة المرجئة، وهي إحدى التيارات السياسية الإسلامية الأربعة الرئيسة، ضرورة طاعة الشعب للحاكم كضرورة تفرضها إرادة الله وأمره. وأما الشيعة فيوصون بالانعزال والتحلّي بالصبر واستخدام مبدأ التقيّة حتى يظهر المهدي المنتظر. فيما يأمر أهل السنة والجماعة بطاعةِ الحاكم والتصرّف بالحيطة والحذر والتمكين – وإن كان ظالماً – حتى يصلوا إلى القوة اللازمة التي تطيح بهذا الحاكم الظالم بشكل مؤكد. هذا في الوقت الذي يذهب فيه الخوارجُ إلى أن الطريق الوحيد المتاح هو الثورة والمقاومة المسلحة مهما كانت الظروف. وتواصِل هذه التيارات الأربعة وجودها في أزمنة ما بعد الحداثة في أشكال وقوالب مختلفة. فالمرجئة تواصِل طريقها في الثقافة الشهيرة. والشيعة جدّدت نفسها باجتهادات الإمام الخميني حول “ولاية الفقيه”. وأهل السنة والجماعة تتردد بين أنظمة الخلافة – السلطنة والديمقراطية. فيما تُعتبر الخارجية – بأيديولوجيتها التمردية والمتسمة بالعنف – مصدر إلهام للمنظمات المتطرفة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن العقليات المؤسِّسة لتنظيم القاعدة وقادته البارزين ليسوا بدوًا جُهّلًا، بل أشخاص تلقوا تعليمًا جيدًا. كما أنهم على دراية باستخدام الوسائل التكنولوجية والإلكترونية والعالم الرقمي. ولقد انخرط قسم كبير منهم في السياسة بصفته قومياً عربياً أو ليبرالياً علمانياً أو ماركسياً، لكنه بعد ذلك تعرّف إلى الإسلام وتَواصل مع القاعدة.[/box][/one_third]تعتمد عقيدة تنظيم القاعدة وهيكله التنظيمي على الخوارج، وأفكارُها على الفكر السلفي والوهابي. وهنا يجب تقسيم السلفية إلى “السلفية العقدية والمعرفية” و”السلفية السياسة الخوارجية”. فالسلفية تتبنّى مبدأ تطهير الإسلام من الرواسب التاريخية، والبدع والخرافات، والمعتقدات الوثنية، وتأثيرات الأديان المحرَّفة. وهذه السلفية خط صحيح، وأصبحت مصدر إلهامٍ لكثير من الحركات التي لا تجيز بأي حال من الأحوال الثوراتِ المسلحةَ أو العنفَ والإرهابَ. فالإمام أحمد بن حنبل قضى نحبه وهو في السجن، لكنه لم يُفتِ بالتمرد المسلح. كما لم يرضَ الإمام ابن تيمية وأتباعُه أبدًا بقتل المدنيين الأبرياء. كما أن تنظيم الإخوان المسلمين هو حركة سلفية، لكنه ابتعد عن الإرهاب.
وأما تنظيم القاعدة الذي يظهر اليوم بأثوابه ونسخه المتعددة، فيتبنّى الحرب “الخارجية” والتمرد والتصفوية. كما أن الطابع الوهابي للتنظيم يجعله عدوًا للشيعة والعلويين. غير أن الهدف الرئيس الذي يقصده هذا التمرد الخارجي الحديث هو الهيمنة العسكرية والسياسية والثقافية للغرب في العالم الإسلامي. كما أنه يستهدف الأنظمة الديكتاتورية التي تعتبر امتدادًا للغرب في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الأنظمة الاستبدادية والمتحالفة مع العالم الغربي. وإن التدخلات العسكرية والاجتماعية – السياسية والثقافية للغرب تغذي نوبات الغضب في أرجاء العالم الإسلامي كافة. ثم سرعان ما ينفجر هذا الغضب المتراكم بعد مدة كبركانِ الكراهية. والموطن الأصلي لتنظيم القاعدة هو شبه الجزيرة العربية، لكنه يمتلك تشابهات مميزة مع جماعات طالبان في أفغانستان، والشباب في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا.
إن العقليات المؤسِّسة لتنظيم القاعدة وقادته البارزين ليسوا بدوًا جُهّلًا، بل أشخاص تلقوا تعليمًا جيدًا. كما أنهم على دراية باستخدام الوسائل التكنولوجية والإلكترونية والعالم الرقمي. ولقد انخرط قسم كبير منهم في السياسة بصفته قومياً عربياً أو ليبرالياً علمانياً أو ماركسياً، لكنه بعد ذلك تعرّف إلى الإسلام وتَواصل مع القاعدة.وهم أيضًا ليسوا بفقراء، فورائهم مصادر دخل ضخمة للغاية. وكذلك يقرؤون القرآن الكريم والحديث الشريف بطريقة سليمة (بمعناهما الحرفي تماماً) ويعملون بهما. وهم يُربكون الأنظمة والحضريين الذين فسدت أنماط حياتهم، من خلال طاقاتهم التي حرّكتها “العصبية البدوية” التي ذكرها ابن خلدون، ويهجمون ويحرقون ويدمرون.