لقد شدّدت تركيا تدابيرها الأمنية في المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة على حدودها الطويلة مع سوريا، والتي تمتد لمسافة 910 كم من ساحل البحر الأبيض المتوسط غربًا إلى العراق شرقًا. كما بدأت بإغلاق عدد كبير من منافذها الحدودية مع سوريا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن تجدّد الصراع التقليدي بين جهازي المخابرات الوطنية والشرطة في تركيا في الأشهر الأخيرة، جعل تركيا أكثر هشاشة في مواجهة تهديد الجماعات الإرهابية الدينية المتطرفة القادم من سوريا، والآن من العراق. وفي الوقت الذي ركزت فيه تركيا على شبكة الأعداء الداخليين، فشلت في مجاراة التهديدات الخارجية.[/box][/one_third]وفي هذا الإطار، خطّطت الإدارة التركية للحيلولة دون تحقق احتماليةِ تسلّلِ المقاتلين المتشددين أو المجاهدين إلى أراضيها، كنتيجة لخسارة أو انتصارِ أحدِ طرفي الحرب الدائرة في سوريا، وذلك من خلال الجدران العازلة التي بنتها على حدودها مع سوريا، وطائراتها بدون طيار الإسرائيلية الصنع التي تحلق في شمال الأراضي السورية. وقد نجحت هذه التدابير الأمنية، وإن اتُخذت متأخراً جداً، في منع هروب العناصر الجهادية عبر الأراضي التركية في الآونة الأخيرة، بعدما تعرضت للهزيمة وفقدان القوة أمام عناصر النظام السوري التي تحاربها منذ أكثر من ثلاث سنوات، لتبدأ هذه العناصر التوجّه إلى العراق.
ولَمَّا باتت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الإرهابي محصورةً في الحدود التركية عقب هروبها من قوات نظام بشار الأسد في سوريا، تمكّنت من دخول الأراضي العراقية بأريحية تامة، نظراً لأن العراق يملك حدودًا مع سوريا تعتبر كالغربال، فضلاً عن أن الأراضي العراقية تشهد حضوراً كثيفاً لتنظيم داعش. وعليه، فقد استطاع إرهابيو هذا التنظيم تعزيز قوتهم في العراق، وتمكنوا من السيطرة مطلع الأسبوع الجاري على مدينة الموصل؛ ثاني أكبر مدن العراق. هذا إضافة إلى احتجازهم 48 دبلوماسيًا من العاملين في القنصلية التركية، إلى جانب 30 من سائقي الشاحنات الأتراك.
والآن يحتجز تنظيم داعش أكثر من 80 مواطنًا تركيًا، ما دفع الحكومة التركية للدخول في مساومة مع قادة التنظيم لتحرير هؤلاء الرهائن.
والسؤال هنا، كيف لم ترَ أنقرة تقدُّم مقاتلي داعش نحو الأراضي العراقية؟ كيف لم ترَ ذلك وهي التي زادت من تدابيرها الأمنية على حدودها الجنوبية، واعتُبر أنها تتابع مجرى الاشتباكات الواقعة على الجانب الآخر من حدودها مع سوريا، وأحدثت ضجة كبيرة في مواجهة تهديد داعش لضريح “سليمان شاه” جد مؤسس الدولة العثمانية الذي لوّح عناصر داعش بمهاجمته قبل أشهر قلائل وقالت “لا يمكن أن يبقى هذا التهديد دون رد، فجيشنا على أهبة الاستعداد”. وبينما كانت الصحف تنشر الأسبوع الماضي أخباراً عن هجوم محتمل على القنصل التركي، كيف لم تتوقع أنقرة تشكيل داعش خطرًا على المصالح التركية في العراق؟
يجب على الحكومة التركية الاعتراف بأنها وقعت في ضعف استخباراتي شديد للغاية في مواجهة تنظيم داعش. وإن تجدّد الصراع التقليدي بين جهازي المخابرات الوطنية والشرطة في تركيا في الأشهر الأخيرة، جعل تركيا أكثر هشاشة في مواجهة تهديد الجماعات الإرهابية الدينية المتطرفة القادم من سوريا، والآن من العراق. وفي الوقت الذي ركزت فيه تركيا على شبكة الأعداء الداخليين، فشلت في مجاراة التهديدات الخارجية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا بد أن تتجه تركيا للتعاون مع الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة الأخرى في مواجهة التهديدات الخارجية المحيطة بحدودها، والتي انتقلت جزئيًا إلى أراضيها، لكي لا تتحول إلى باكستان ثانية تتخذ المنظمات الإرهابية أراضيها مرتعًا للتدرب على فنون القتال. والأهم من ذلك أنه ينبغي على أنقرة إعادة تنظيم سياستها الخارجية الفاشلة وإعادة النظر في قدرتها على جمع المعلومات الاستبخاراتية.[/box][/one_third]وبالإضافة إلى ضعف العنصر الاستخباراتي، فإننا إذا أخذنا بعين الاعتبار الادعاءات الخطيرة التي تزعم أن الحكومة التركية غضّت طرفها عن عبور عناصر المنظمات الإرهابية الراديكالية عبر الأراضي التركية بهدف الإطاحة بنظام الأسد، الذي تعتبره أنقرة عدوها الأول، وحتى إنها دعمت تنظيم داعش في مواجهة أكراد سوريا؛ نرى كيف أن أنقرة تنتهج سياسات غير مناسبة على الإطلاق.
ومع أن تركيا بدأت تسعى في الأشهر الأخيرة للبحث عن طريق لتحسين علاقاتها مع جارتها العراق، فإنها اهتمت بالتوصل إلى اتفاق مع الحكومة الكردية الإقليمية في شمال العراق لتصدير نفطها عبر أراضيها، وذلك عوضًا عن أن تتعاون مع بغداد بشكل وثيق في المجال الاقتصادي، وبالأخص فيما يتعلق بالمسائل الأمنية التي تهم كلا البلدين.
ولنذكّر بأن احتمالية اضطرار عناصر داعش للتراجع عن تقدّمها في العراق على المدى البعيد كبيرة، لا سيما وأنها لن تستطيع الحصول على الأسلحة اللازمة لمواصلة حربها سواء ضد الحكومة العراقية أو قوات البشمركة الكردية والجيش السوري الحر المعارض المعتدل.
لا بد أن تتجه تركيا للتعاون مع الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة الأخرى في مواجهة التهديدات الخارجية المحيطة بحدودها، والتي انتقلت جزئيًا إلى أراضيها، لكي لا تتحول إلى باكستان ثانية تتخذ المنظمات الإرهابية أراضيها مرتعًا للتدرب على فنون القتال. والأهم من ذلك أنه ينبغي على أنقرة إعادة تنظيم سياستها الخارجية الفاشلة وإعادة النظر في قدرتها على جمع المعلومات الاستبخاراتية.
ــــــــــــ
بقلم لالي كمال