كانت المنظمة الإرهابية “داعش” أحد المواضيع التي تصدرت تحليلات جميع الخبراء المحللين لأحداث سوريا والعراق في الفترة الأخيرة؛ وبيّنت تحاليل الخبراء هذه عدم اتخاذ أنقرة التدابير اللازمة تجاه خطة الداعش لتوسيع رقعة حركتها على طول الحدود الجنوبية التركية. كما سلّطت الضوء على كثير من إهمالات أنقرة في حادث اقتحام القنصلية التركية بالموصل. وانتقدت التحاليل عدمَ اتخاذ وزير الخارجية “أحمد داوود أوغلو” وجهاز المخابرات الوطنية التدابير اللازمة وتجاهلَهما للأزمة مع ظهور بوادرها. وقد أثار تحميل داود أوغلو القنصلَ العام “يلماز أوزتُرك” مسؤوليةَ التأخّر في إخلاء القنصلية ردود فعل الرأي العام الذي اعتبره من قبيل الهروب من تبعات ما وقع. وانتشرت في الكواليس تعليقات تقول إن الدبلوماسيين اهتزّت ثقتهم بالوزير وقد تطرأ آثار جانبية لذلك في الأزمات المحتملة مستقبلاً.
إن اقتحام الإرهابيين ممثليتنا الدبلوماسية في الموصل وأخذهم عشرات الرهائن يوضح لنا مدى تقليل المسؤولين الدبلوماسيين، وعلى رأسهم داوود أوغلو، والمخابرات الوطنية في أنقرة، من خطر تنظيم داعش الذي أظهر نفسه في السنوات القليلة الماضية، ويكشف أيضاً عن مدى اندهاش المسؤولين من هذا الاقتحام غير المتوقع. وحسب الانتقادات، لم يبدِ المسؤولون الاهتمام اللازم بالموضوع، إذ تجاهلوا التحذيرات الأوروبية التي أفادت بأن مسلحين يتسربون إلى سوريا عبر الأراضي التركية. وتساهلت أنقرة مع المنظمات المعارضة لنظام الأسد. كما تجاهلت التهديدات المتصاعدة على الساحة بيد العناصر المتشددة مثل داعش وجبهة النصرة بسبب تركيز كافة الخطط على سقوط نظام الأسد. ولم تتمكن الحكومة من الحصول على معلومات مؤكدة عن هذه العناصر. فضلًا عن ذلك، فإن المزاعم الواردة حول تقديم تركيا دعماً عسكرياً للمعارضين السوريين – وإن لم يتم التأكد من ذلك رسميًا- تأتي ضمن الأخبار الرئيسية لدى الصحف المحلية والأجنبية. وتفيد التقارير بأن هذا الدعم العسكري لم يتم تحت مراقبة كافية، وأن الأسلحة التي دخلت إلى سوريا استولت عليها المنظمات الإرهابية بطرق عديدة. وبهذا تكون قد قدمت أنقرة لتلك المنظمة الإرهابية التي تحتجز مواطنيها كرهائن دعمًا عسكرياً بشكل غير مباشر، حتى وإن لم تكن ترغب في ذلك.
وأفادت تحاليل الخبراء بأن يلماز؛ القنصل العام بالموصل، قدّم إلى أنقرة تقريرًا قبل عدة أسابيع بخصوص الوضع الخطير. وقال فاروق دنيز؛ القنصل المعاون على مواقع التواصل الاجتماعي قبل حدوث الاقتحام بأربعة أيام إن تلك المنظمة التى تُدعى داعش لا تدع الإنسان ينام مطمئنًا. وهذا يكشف لنا عدم ارتياح الدبلوماسيين من التطورات الأخيرة للحادث. وفي هذا السياق، يجب أن لا ننسى رد الحزب الحاكم بطريقة ساخرة على إعراب نائب حزب الحركة القومي المعارض سنان أوغان عن مشاعره تجاه تدهور الوضع على الساحة ومحاصرة القنصلية العامة بالموصل. وإذا كانت لأنقرة مبرّرات مقنعة – سوى الإهمال والتساهل – بخصوص تأخرها في اتخاذ التدابير الكفيلة بإخلاء القنصلية، فيجب عليها أن تفصح عنها للرأي العام على وجه السرعة، خاصة إذا علمنا أن المسؤولين في المدرسة التركية العاملة بالموصل قد أحسّوا بالخطر المتصاعد ونجحوا في إخلاء المدرسة قبل أيام من وقوع الحادث.
داود أوغلو قال “اتخذنا التدابير اللازمة” ثم ذهب إلى نيويورك!
وأحد القضايا الملفتة للانتباه هو وجود أفراد أسر الدبلوماسيين والمسؤولين عن أمن القنصلية بين الرهائن المحتجزين لدى تنظيم الداعش. ولا شكّ أن عدم إجلاء النساء والأطفال من القنصلية في وقت مبكر، بالرغم من تصاعد الخطر إلى أقصاه، يعتبر إهمالاً خطيراً. وكان داود أوغلو يجري مباحثات في صربيا يوم الثلاثاء حين استولى الداعش على مدينة الموصل. وذهب بعدها إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع روتيني، منوهًا على حسابه الشخصي في “تويتر” بأنه تم اتخاذ التدابير اللازمة بخصوص الأحداث الجارية في الموصل. وقد نظر الكثير إلى خروج داود أوغلو لرحلة عابرة للقارات في مثل هذا الظرف كدليل على أنه لم يأخذ المشكلة على محمل الجد وعلى قلة بصيرته وتوقعاته المستقبلية. ومع أنه قال عقب وقوع الهجوم “ليس لأحد أن يختبر قوة تركيا وصبرها”، إلا أنه لم يعد أحد يعير بالاً لمثل هذه التصريحات المتكرّرة.