بقلم: علي بولاج
واضحٌ أنّنا في حاجةٍ إلى مواجهةٍ شاملةٍ وشجاعةٍ وواسعة لأنفسنا، ولنعْترفْ أنَّ العالم الإسلاميَّ يعاني اليومَ حالة من العجزِ.
إنَّ العالمَ بأسرهِ يشهدُ وقوعَ مَشاكل قلَّ تأثيرُها أو كَثُرَ، والعديدُ من هذهِ المشاكلِ تتحوّلُ إلى صراعاتٍ، لكن لا يمكن عقدُ مقارنةٍ بين المشاكلِ الاجتماعية والسياسية الواقعةِ في أيِّ بُقعة في العالَم مع تلك التي يعيشها العالمُ الإسلاميُّ الّذي يمرُّ بأكملِهِ تقريبًا بأزمة ثقيلةٍ. كما أنَّ بعضَ المناطِق في مُحيطنا تحوَّلت إلى بحيرات من الدماء، ولا يوجد أيُّ مكان مُطمئنٍّ، وإن كان هناك استقرارٌ نسبيٌّ، فما هو إلا استقرارٌ سَطحِيٌّ تمَّ الوصولُ إليه تحت حكمِ الأنظمة القمعيّة. ولقد رأينا من خلال الأحداث الأخيرة زيف الاستقرار الذي حققته الأنظمةُ البعثيّةُ في العراق وسوريا، والفِئاتُ المجتمعيَّةُ التي تبدو كأنها تعيش جنبًا إلى جنب، تنفصِل بعضها عن بعض ما إنْ تقع أيُّ هزّةٍ في النظام القمعيِّ، لتبدأ بعدها حالةٌ من الاستقطاب والصراع. فليس هناك معنى بأنْ نقومَ بعمل دعاية لأنفسنا. ولقد سقطتْ أنظمةٌ قمعيّةٌ كانتْ أكثرُ صلابةً منّا، فترى مثلًا الاتحاد السوفيتي الذي ظلَّ صامدًا خلف “الستار الحديدي” 70 عامًا، وفي النهاية انتهى عهده، و قد وقعتْ مشاكلُ كبيرةٌ. لكنَّ الصِّراعاتِ التي شهدتها أيُّ منطقةٍ في العالم لم تكن وخيمةً وثقيلةً ومُدمّرةً وقاسيةً، كتلك التي وقعت في العالم الإسلاميِّ.
لدينا مشاكلُ كبيرةٌ ينبغي لنا التركيز على حلّها، وإنّ هذه المشاكلَ ضَربتْ بجذورِها في أعْماق تاريخنا، وإذا قارنّا مثلا وضعية غير المسلمين عبر التاريخ في البلاد الإسلامية بوضعيتهم في البلدان الأخرى، سنجد أنهم عاشوا في ظروف جيدة نسبيا في بلاد المسلمين، وأنهم يستطيعون حماية كياناتهم إلى حدّ ما. وكما أنّ أوروبا في الماضي لم تمنحْ لأيِّ شخصٍ ينتسبُ إلى دينٍ غريبٍ عنها حقَّ الحياة، فإنها لم تتحمّلْ لمئاتِ السنين المذهب البروتستانتي الذي خرج من رَحِمِ تفسيرٍ مختلفٍ للنصرانية الغربيّة. فنحن نتمتّعُ بميزة تمتع غيرِ المسلمين بحقوقهم تحت حكم المسلمين. غير أن مواقفَ المسلمين وتصرفاتِهم تُجاهَ بعضهِم البعض ليستْ من النّوعِ الذي يُمدحُ، فعلينا الاعتراف بهذه الحقيقة المرّة. ومِنَ الواضحِ أنّنا نتوارثُ أمورا سيّئة من التاريخ. فالمسلمون اليوم يتعاملون مع بعضهم البعض بالظّلم، كما كان الوضع عليه في الماضي، ولا يروْنَ شرعيةً في وجود كياناتهم، واختلافاتهم الدينية والمجتمعية. فهم يملكون السُّلطة التي وصلوا إليها، ويستغِلّونها لصالح أنفسِهِم، والأوساط المقرّبة منهم. أوَلا يكفيهم خزيا أننا نرى أهلَ السُّنةِ يقتلون الشيعة، والشيعة يقتلون السّلفيين، والوهابيين يقتلون العلويين؟ فصدام حسين قتل 183 ألف كردي في الأنفال دون أن تهتزّ له شعرة، والبشمرجة الكردية تعاونت مع الجنود الأمريكان، وارتكبت مذبحة بحق العرب في الفلوجة، وترى عناصر منتسبين لتنظيم القاعدة يقتلون سائقين علويين جهلاء اقتادوهم للتحقيق معهم، بحجة أنّهم لا يعرفون عدد ركعات الصلاة، وتجد مقاتلات النظام السوري النصيري تقصف مدنًا ومجمعات سكنية وتسويها بالأرض.
وأمّا إيران التي قامت بثورةٍ عظيمةٍ سعيًا نحْوَ جمهورية إسلامية، فقد لعبت دورًا في تحويل دَوْلةٍ جميلةٍ إلى بحيرةٍ من الدماء بحجة أنّ حساباتِها الاستراتيجية تتطلّبُ ذلك. وتركيا التي سعت إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي في الماضي تُسْهمُ في تحولِ سوريا إلى مجزرةٍ يُقتل فيها الناسُ، وذلك من أجلِ تحقيق أحْلامِها الراميةِ للعودةِ إلى السيْطرة على المنطقةِ كما كانت في الماضي لأربعةِ قُرونٍ متواصلة. فيما همّ السعوديون لدعم قادة الانقلاب الدموي في مصر، ولم ينبُسْ أحدٌ بِبِنْتِ شفة عندما أُطيح بنظام الإخوان المسلمين في مصر بانقلاب عسكري، بعدما وصلوا إلى السُّلطة بفوزهم في انتخابات شرعية، وعندها قُتل آلاف الناس في الشوارع.
ولقد انتهت فلسطين، فاقرؤوا على روحها الفاتحة، وانتهى الأمر! وأمّا الذين خرجوا إلى الطريق، وهم يقولون “سنلقِّنُ إسرائيل الدرس، وسنحرّر فلسطين” فقد حوّلوا سوريا “داعمتهم الوحيدة ” إلى خراب، ودمروا حزب الله. وقد قال المرحوم “نجم الدين أربكان” عام 2007 ما مفاده “انتبهوا: إنّ إسرائيل ستنتقم لهزيمتها في حرب لبنان عام 2006. وستفقِد سوريا تأثيرها في المنطقة. كما ستوجِّه ضربة لحزب الله، وسيستخدمون تركيا في هذه العملية، وحينها ستنتهي فلسطين!”. وقد تحقق ما قال. إسرائيل تفعل ما تشاء، وأمّا قطاع غزة فلا حيلة لأهلهِ، وقد أهينوا و لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم. فليذهب إذن قادةُ غزة عديمي البصيرة! وليكونوا مجرد رقعةً في ثوب حركة فتح!
لقد تحولت السلطة التي تم الوصول إليها بعد 150 عامًا من الكفاح في تركيا إلى كابوسٍ بسبب بانعدام البصيرة والجهل وقلة الوعي والجشع والتعصب وشغف امتلاك كلِّ شيء. وجميعنا شركاء في هذه الجريمة بتقصيرنا، ولقد كتبت قبل عدة أشهر في حكاية البقرة الصفراء، والبقرة البيضاء، والبقرة الحمراء، أنه سيحين دورُ البقية بعد القضاء على حركة الخدمة. فهناك استهداف للجماعات كافة في تركيا، فلنجلس إذن ولنفكِّرُ من جديدٍ. ولكن مع الأسف، عندما لا نستطيع حلَّ مشاكلنا، نلجأ إلى الاستقطاب، ونتصارعُ، رغم أننا في قمة العجز.