إسطنبول (الزمان التركية) – مَنْ قام بمحاولة الانقلاب في تركيا؟ ولصالح مَنْ؟ ولماذا؟.. هذه بعض الأسئلة التي وجهتها وسائل الإعلام العالمية إلى الأستاذ فتح الله كولن في السابع عشر من شهر يوليو/ تموز الجاري عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التي سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكبار المسؤولين في الحكومة التركية إلى اتهامه بالوقوف وراءها.
ونواصل هنا نشر الحوارات واللقاءات التي أجريت مع كولن والتصريحات التي أدلى بها حول هذه المحاولة الفاشلة واتهامه بالضلوع فيها:
السؤال الثاني: من صحيفة “ديلي تليغراف” الإنكليزية
ذكرت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة من قبل كلامًا حول دعم حكومة أردوغان بشكل خفي لمنظمة “داعش” الإرهابية، فهل ترى أن هذه الحكومة تُناهض “داعش” وتكافحها حقيقة؟ وهل عقدت اتفاقًا بالفعل مع الدول التي تشنّ حربًا ضد هذه المنظمة؟ أم أنها كانت تتظاهر فقط بأنها تؤيد هذه الدول في حربها على الإرهاب إلا أنها تُبطن غيرَ ما تُظهِر؟
الجواب:
أعتقد أن هذا الأمر بات معلومًا وواضحًا لدى الرأي العام العالمي، فلقد انطلقت حكومة أردوغان تدعم هذه المنظمة الإرهابية بشكل سري منذ قيامها وبدايات تشكُّلِها، إلى جانب دعمِها لمنظمة “تحشية” التي تعد امتدادًا لمنظمة القاعدة في تركيا، وخير شاهد على ذلك تلك الشاحنات التي كانت مملوءة بالأسلحة وقبض عليها العسكر وهي في طريقها إلى هذه المنظمة الإرهابية. ويؤكد هذا الكلام ما ذكره أحد الوزراء في هذه الحكومة -وهو “طُغْرُلْ تُركَشْ” مساعد رئيس الوزراء ونجل الرئيس السابق لحزب الحركة القومية “آلب أرسلان تُركش” في أحد البرامج التلفزيونية، وذلك قبل أن يُعيَّن وزيرًا- ؛ حيث أقسم يمينًا مغلَّظًا أن هذه الشاحنات لم تكن متجهة لمساعدة التركمان، بل كانت في طريقها إلى منظمة داعش الإرهابية، وكرر هذا القول مرارًا وتكرارًا.
طالما دعمَتْ هذه الحكومة جبهةَ النصرة ومنظمة داعش الإرهابية، وليس من الصواب التكهّن بدافعهم إلى القيام بهذا الدعم، لكنني أعتقد أن أردوغان كان يأمل في إعلان نفسه أميرًا للمؤمنين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بعد إسقاط نظام “بشار الأسد”، والكلمات التي تفلّتت من لسانه تعبّر عن أشياء ذات مغزى من هذا القبيل، مثل قوله: “سأقرأ الفاتحة عند ضريح صلاح الدين الأيوبي، وأصلي في الجامع الأموي”؛ أي إنني سأجعل كل الشعب يقف ورائي، ولا جرم أن سورية ستتبعها الأردن، ثم دول المغرب العربي، ثم مصر، إلا أن الوضع لمّا تغير في مصر وسارت السفينة ضد ما يشتهي وصفَ “السيسي” بـ”فرعون”، وقال: “لكل فرعون موسى”، معتبرًا نفسه موسى، والسيسي هو فرعون.
كان يعقد آمالًا عريضة حول زعامة العالم الإسلامي، ويحاول تحقيق هذه الآمال عن طريق داعش، ولقد أكدت المعلومات الصادرة عن بعض المؤسسات الإعلامية وأجهزة المخابرات أنه ما زال يدعم هذه المنظمة الإرهابية؛ يمدهم بالأموال، فإن افتضح الأمر يحاولون التستّر على الجريمة ولفتَ الأنظار إلى غيرها.
وثمة أمر آخر يعرفه الجميع وهو: أن أنصار داعش ما زالوا يُعالجون في مستشفيات تركيا، ثم يُرسل بهم إلى أماكن مختلفة من العالم؛ إلى فرنسا وأمريكا وإنجلترا، وليست أجهزة المخابرات فقط هي من لديها علم بهذه الأمور، بل هي معلومات متداولة بين الأطباء والممرضين الذين يعملون في هذه المستشفيات التي تقوم على علاج هؤلاء الإرهابيين.
هناك كثير من الأشخاص انضموا إلى هذه المنظمة الإرهابية، بل إن أكثر أفراد هذه المنظمة من تركيا.. لطالما بكى العديد من الآباء والأمهات وناحوا قائلين: “لقد أبلغنا الحكومة عن اعتزام أبنائنا الانضمام إلى منظمة داعش الإرهابية، ورجونا أن يُثْنوا أبناءنا عن قرارهم هذا، لكنهم مع الأسف اختفوا، وانضموا إلى هؤلاء الإرهابيين”.
إن أنصار داعش ما زالوا حتى الآن يتجولون في شوارع تركيا، تستخدمهم الحكومة للإغارة على بيوت معارضيها من المتدينين، وتعذيبهم وقتلهم.
إن داعش الآن هي أكثر المنظمات التي تستغلها الحكومة التركية وتعتمد عليها.
لكن هذه الحكومة تتظاهر أمام الرأي العام العالمي بأنها تحارب هذه المنظمة، والواقع أنها لم تحاربها قط، قد تكون للمؤسسة العسكرية جهود خالصة في هذا الشأن، لا أستطيع أن أنكر ذلك، فقد كانوا يمطرون داعش أحيانًا بوابل قنابلهم، وكذلك كان يفعل الروس والأمريكان، غير أن الحكومة التركية كانت تتظاهر بحربها ضد داعش حتى لا تقف في موقف المعارض للرأي العام العالمي، ولكنها لم تتخلّ في أي وقت عن دعمها لهذه المنظمة.
قبل بضعة أيام كانوا يدافعون عن داعش في إحدى القنوات التلفزيونية التابعة لهم، فلما قوبلوا بردّ فعل عنيف على ذلك أجروا تحقيقًا صوريًّا في هذا الموضوع، والحال أن مَن زُجّ بهم في السجن من أنصار داعش قد أُفرج عنهم وأخلي سبيلهم، ومن امتثلوا أمام القضاء أُخلي سبيلهم أو رُحّلوا.
وإذ يتمتّع أفراد داعش بكل هذا الدعم والمؤازرة من قِبَلِ الحكومة التركية فإنّ المواطنين الأتراك الذين هم أبناء البلد لا يلاقون ولا يتحصّلون على نفس هذه المعاملة من حكومتهم، فالحكومة الآن تضطهد مواطنيها وتبالغ في أذيتهم وإيذائهم، إن أفراد الحكومة الآن يُغيرون على البيوت، ويكسرون أبوابها ولا يراعون حرمتها، أما موقفهم بالنسبة لهذه المنظمة الإرهابية فلم يتغير.
إن أكثر المدافعين في العالم عن داعش والنصرة هم أصحاب السلطة عندنا، وما رأيناهم أعلنوا الحرب على الإرهاب أبدًا، ربما أعلنوا مؤخرًا الحرب على حزب العمال الكردستاني، وهذا كان في الآونة الأخيرة فقط.
قبل عشر سنوات وجهت كتابًا من بضع مواد إلى السلطة التركية أعرض فيه بعض الحلول لمشكلة الأكراد في جنوب شرق البلاد وما الموقف الذي يجب اتخاذه معهم.. وقد تكلمت في هذا الكتاب عن سبل حلِّ هذه المشكلة، منبِّهًا على ضرورة السماح لهؤلاء الناس باستخدام لغتهم بارتياح، فأمريكا يقطنها (300) مليون نسمة، كلهم يتحدّثون لغتهم الخاصة بهم، كما تطرقتُ في الكتاب للحديث عن مسألة تنظيم العملية الأمنية وتطوير المنظومة القضائية هنالك، وإعمار المنطقة، كما لَفَتُّ أنظار المسؤولين في الحكومة أيضًا إلى تعديل أوضاع من يعيشون في جنوب شرقي تركيا حتى لا ينظروا بغبطة إلى إخوانهم الأكراد الذين يعيشون في شمال العراق، فيتمنوا أن يكونوا مثلهم.. وقد كنت أهدف من وراء كل هذا إلى عدم إفساح المجال ولا إتاحة الفرصة أمام انفصال إخواننا الأكراد عنا.
ولقد بدأت الحكومة منذ خمس إلى ست سنوات مع حزب العمال الكردستاني “با كا كا-PKK” بما عُرِف بوتيرة الحلّ (عملية مفاوضات السلام)، وخلال هذه الوتيرة انتهزت المنظمة الإرهابية “با كا كا” فرصة السلام والمفاوضات فحوّلت كل أنحاء تركيا إلى مستودعات للذخيرة، وتحولت منطقة جنوب شرق تركيا الآن إلى خرابات، وفي الواقع فإن التغاضي والتعامي عن إدخالهم السلاح وإقامة مستودعات الذخيرة خيانةٌ. أجل، إن التغاضي عن إقامة هذه المستودعات خيانة للأمة التركية؛ فقد تحولت هذه المنطقة إلى خرابات، وظهرت الخيانات، وبات الجيش لا يستطيع الوقوف ضد هذه الشناعات والدناءات.. وأعتقد أنهم أعدوا سيناريو هذا الانقلاب حتى يغيروا هذا المشهد، ويصرفوا الأنظار عنه، وربما وجدوا في بعض القوميين أو بعض المتدينين أو بعض المسلمين البسطاء من يعينهم على ذلك، وربما صدّروا المشهد ببعض العسكر من أصحاب الرتب الدنيا، وقالوا لهم قوموا بما يشبه الانقلاب، هذا أمر لا أستطيع أن أعرف ماهيته أو صورته تمامًا، لأنني أعيش هنا في أمريكا، وأتابع الأحداث من خلال التليفزيون والإعلام فقط.
إن هذا الانقلاب كان ضد بضعة أشخاص فقط، قبضوا عليهم، واحتجزوهم كرهائن، والدليل على ذلك أنهم لم يفعلوا شيئًا مع القائمين على أمر البلاد، وما تعرضوا بشيء لأي قناة من قنوات الدولة الرسمية، أو مؤسسات النشر المختلفة.
لقد عاصرتُ كل الانقلابات التي وقعت في تركيا -27 مايو، و12 مارس، و12 سبتمبر، و28 فبراير- وكان الانقلابيون يستغلون كل هذه المنابر الإعلامية في إذاعة بيانات انقلابهم.
لم تكن الحكومة صادقة في التعامل مع قضية داعش كما لم تكن صادقة في التعامل مع قضية حزب العمال الكردستاني “با كا كا”، ولقد ذكرتُ في كتابي الذي اشتمل على بعض النصائح والتوصيات أنه ينبغي للحكومة أن تقضي على مشكلة الأكراد في جنوب شرقي البلاد وتحلها تمامًا، وألا تسمح بانقسام المجتمع التركي، فلم يعوا ذلك، وضربوا بهذه النصائح عرضَ الحائط.
فساقوا الدولة إلى كارثة حقيقية، والآن تريد الحكومة أن تغير المشهد وتصرف الناس عن هذه الكارثة، لا سيما أن هناك معارضين لها داخل الجيش وخارجه من المنتمين لحزب الشعب الجمهوري أو حزب الحركة القومية أو حزب الوطن وغيرهم الكثير؛ ولذا يخيل إليّ أنهم أعدوا سيناريو هذا الانقلاب حتى يتخلصوا من هؤلاء الخصوم جميعهم مرة واحدة، سواء داخل المؤسسة العسكرية أو خارجها؛ مما يتيح لهم فرض الوصاية بارتياح على هذه المؤسسة، والقضاء على معارضيهم خارجها جملة واحدة.
وأعتقد أن الذين يطالعون هذا الملف بشيء من العقلانية معتمدين على مبدإ السبب والنتيجة سيفسرون الوضع هكذا؛ بمعنى أنهم لو نظروا نظرة منصفة إجمالية إلى المسألة دون الانسياق وراء كلام هذا أو ذاك أو حتى كلامي أنا فسيصلون إلى نفس النتيجة التي ذكرناها آنفًا.
كولن يرد على الاتهامات: أرحب بالتحقيق الدولي (1)
كولن يرد على الاتهامات: من دبروا الانقلاب هم المستفيدون منه (2)