مصطفى أونال
مرَّ شهر منذ إجراء الانتخابات التشريعية في تركيا، لكننا لم نشهد إلى اليوم عن تشكيل أية حكومة أو عقْد لقاءات رسمية بين الأحزاب الممثلة في البرلمان لتشكيلها. بيد أن تاريخ 7 يونيو / حزيران الماضي تمخض عن نتائج مهمة، فقد انتهى عهد استئثار حزب العدالة والتنمية بالسلطة بمفرده. واليوم الحكومة التي تزاول مهام الحكم في أنقرة هي حكومة انتهت صلاحيتها ومقبلة على الاستقالة، فهي منتهية الصلاحية لأن الشعب أسقطها؛ لكنها ستتولى تصريف شؤون البلاد لحين تشكيل حكومة جديدة. فضلاً عن ذلك فإن أكثر من نصف وزراء الحكومة (12 وزيرًا) ليسوا نوابا بالبرلمان.
وصف وزير الثقافة والسياحة الأسبق في حكومة العدالة والتنمية، والذي ترك الحزب، أرطغرول جوناي هذه الوضعية بـ”النظام المؤقت”. وبالرغم من هذا لا تزال الحكومة تجري التعيينات الرسمية على أعلى المستويات بأقصى سرعة.
تشير الأرقام إلى تعيين أكثر 600 شخص، غير أنه لا يمكن حتى لحكومة عادية تعيين هذا العدد من الأشخاص خلال هذه الفترة القصيرة، فهذا أمر لا يناسب الأخلاق أو أخلاقيات السياسة. فشرعية هذا النظام تكون مفتوحة للنقاش. وعندما يعود القانون والديمقراطية يومًا سيجري تناول هذه الإجراءات والتعيينات قانونياً.
لا يمكن أن تظلّ السياسة في تركيا هكذا، ولا يمكن أن يتصرّف أردوغان وحزب العدالة والتنمية و”كأن لم يكن شيء” بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية. فلاشك في أن نتيجة الانتخابات الأخيرة ستنفذ حكمها إن عاجلًا أو آجلًا، ولا يمكن لأحد أن يقاوم إرادة الشعب.
من المحتمل أن يكلف داوداوغلو هذا الأسبوع بتشكيل الحكومة، لكن هذا يظل احتمالًا. حسنًا، هل يستطيع أن يحصل على نتيجة من هذه الخطوة؟ لسنا أمام “مصالحة” تلوح في الأفق، فهو سيطرق أبواب أحزاب المعارضة الثلاثة، أما تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي فهو خارج الخيارات المتاحة.
إذن، أصبحنا أمام خيارين، ألا وهما تشكيل حكومة ائتلافية مع حزبي الحركة القومية أو الشعب الجمهوري. يبدو على الورق أن استحالة تشكيل حكومة كهذه أقوى من احتمالية تشكيلها. فحزب الحركة القومية يشرح بالتفصيل منذ شهر لماذا لن ينضم للائتلاف، ورئيس الحزب دولت بهشلي وضع خطوطاً حمراء عريضة بين حزبه والحزب الحاكم. وربما يكون هذا بعد أن تنتهي الاحتمالات كافة ليكون ذلك المخرج الأخير حتى لا تبقى تركيا دون حكومة.
من المؤكد أن اللقاء الأول لن يخرج بنتيجة. فهل من السهل تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري؟ ربما لا يكون صعبًا بقدر حزب الحركة القومية، لكننا هنا أمام عقبات لابد من اجتيازها من أجل الوصول إلى هذه الغاية.
حزب الشعب الجمهوري حذر للغاية؛ إذ إن تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية يعنى “الاشتراك في الجريمة” أمام الرأي العام وأنصار الحزب. ولن يسلم من دفع ثمن باهظ في نهاية المطاف.
إن إجراء انتخابات مبكرة ليس احتمالًا بعيدًا. فكيفما تشكلت الحكومة فلا يمكن أن تكمّل أربع سنوات في حكم البلاد، ولا مفر من إجراء انتخابات مبكرة في غضون عامين.
لايرغب حزب الشعب الجمهوري في أن يخوض انتخابات جديدة وهو في حالة هزيمة. ولاريب في أن هناك لقاءات سرية بين الحزبين (الشعب الجمهوري والعدالة والتنمية)، وسمعت أن مسؤولاً بحزب الشعب الجمهوري التقى داوداوغلو. وإذا كان داوداوغلو من سيقول الكلمة الأخيرة فربما يحصل على نتيجة سهلة.
سيكون أردوغان هو الشريك الثالث في هذا الائتلاف، وهو ليس حكمًا محايدًا، إلا أنه الطرف الأهم في صياغة تشكيل الحكومة التي إذا تشكلت فستكون “ائتلافًا ثلاثيًا”؛ إذ ليس أمام داوداوغلو أية فرصة لأن يخطو خطوة رغمًا عن أردوغان، ولاشك في أنه سيدير مباحثات تشكيل الحكومة الائتلافية بالتنسيق مع هذا الأخير.
ليس من الضروري أن تكون خبيرًا سياسيًا لتقول إن احتمال إجراء انتخابات مبكرة يقوى بمرور الوقت والمشهد كما وصفنا، فهذه قناعة عامة. تحدثتُ قبل يومين مع سياسي مخضرم كان يرى أن ائتلافًا مؤكدًا سيتشكل بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري. غير أن آماله تضاءلت؛ إذ قال: “نبتعد عن تشكيل الحكومة الجديدة ونسير نحو إجراء انتخابات مبكرة”. لكنه لم يتخلَّ عن الاحتياط، وذكّرني بكلمة للراحل سليمان ديميرل. ما ذكّرني به ليس قول ديميرل: “24 ساعة في السياسة فترة طويلة”، بل قولاً آخر شهيراً له، وهو: “في السياسة التركية تكون احتمالية 1% متساوية مع احتمالية 99%”. لم أسمع قوله هذا من قبل. فهناك حقيقة مفادها أن السياسة التركية مليئة بالمفاجآت، كما شاهدنا في نموذج دنيز بايكال الذي صرّح على شاشات التلفزيون بأنه جاءته رسالة من حزب الحركة القومية بأنه سيترك الحرية لمجموعته البرلمانية في التصويت لاختيار رئيس البرلمان الجديد، وما بعد ذلك معلوم للجميع. حيث لم يدعم الحزب أياً من المرشحين للرئاسة وفتح بذلك الطريق لمرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم ليتولى منصب رئاسة البرلمان. بينما كان دنيز بايكال خلد إلى النوم بحلم “رئيس البرلمان” إلا أنه استيقظ بوصفه نائبًا برلمانيًا عن حزب الشعب الجمهوري فقط.
قال ذلك السياسي المخضرم الذي تحدثت معه: “إذا ما أسفرت الجولة الأولى من المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة عن نتيجة سلبية، فربما لا يكلف رئيس الجمهورية رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو بتشكيل الحكومة بحجة أنه لن يحصل على نتيجة. ثم قد يبحث الأمر مع رئيس البرلمان لتبدأ وتيرة الانتخابات”.
لا أدري إن كان أردوغان مدركاً، غير أنه يبدو أكبر عائق أمام تشكيل حكومة جديدة. لكن الانتخابات المبكرة لن تصب في صالح حزب العدالة والتنمية…
كنت كتبت في مقالي السابق “استعدوا لمفاجآت سياسية بعد عيد الفطر”. نعم، استعدوا، فالأمر جد خطير، ورئيس الجمهورية السابق عبد الله جول يتعرض لضغط من مسؤولي الحزب الحاكم منذ وقت طويل، وثمة حركة ملحوظة على خط جول، لكن التفاصيل لن نراها إلا لاحقًا…