بقلم : الدكتور مني عبد الرحمن (*)
تأرجحت العلاقات التركية الخليجة منذ تولي حزب العدالة و التنمية في تركيا السلطة في نوفمبر 2002 بين أنماط مختلفة من التعاون و الانغلاق المصحوب بشكوك متبادلة بين الطرفين. هذا التأرجح من وجهة النظر التركية جاء مرتبطا بطبيعة الاهداف السياسية التى تتبنها رؤية حزب الحرية و العدالة و التي تهدف الى وضع تركيا في مركز زعامة العالم الأسلامي. و من المحتمل بشكل كبير ان يستمر هذا النمط من التأرجح بين التقارب و عدم الثقة اخذا في الاعتبار حالة دول المنطقة نفسها التي تشهد انقسامات حادة يتعامل معها الاتراك من منطلق ما يخدم رؤيتها في المنطقة و هو بالتأكيد ما سيؤدي الي حالات تقارب مع دول تتفق معها بشكل كبير و تخدم دورها و قطيعة مع الدول التي تهدد او تشكل تحديا محتملا لما تتطمح الى تحقيقه في المنطقة .
الدور التركي يدخل نشطا في معادلة توزان القوي وهي معادلة اصبحت ترتبط بالقدرات الذاتية و البيئة الاقليمة أكثر من ارتباطما بالتوازنات الدولية حيت بات جليا و بحسب مجمل التطورات الحالية سواء في ملف الخلافات الخلجية – الخلجية او حتى في ملف النزاع السوري أن مسؤلية التأثير و انتاج الحلول لفض المنازعات في المنطقة تقع و بشكل كبير على القوى الاقليمية الفاعلة و ليست القوي الدولية .
لأجل ذلك يجب أن يكون حاضرا وبقوة عند قراءه العلاقات الخليجية التركية بشكل واضح. حيث حرصت تركيا على زيادة نمو و تنوع حجم الاستثمارات و التجارة المشتركة بينها و بين دول المنطقة. طبقا لمؤشرات البنك الدولى ارتفع حجم التجارة المشتركة بين تركيا و دول الخليج لتبلغ حوالى 16 بليون دولار في عام 2014 في مقابل 1.49 بليون دولار فقط في عام 2002 .
التوزيع الجغرافي لهذه الارقام يظهر استحوذ كلا من الإمارات علي ما يقرب من 86% من حجم التجارة المشتركة بين الخليج و تركيا. كما ان كلا الدولتين يستحوذان على اكثر من 5% من اجمالى الصادرات وما يقرب من 2% من الواردات التركية بينما لا يتجاوز نصيب قطر 0.29% من اجمالى الصادرات و0.17 من اجمالى الواردات.
واستحوذت العلاقات الإقتصادية مع الإمارات علي حجم تجارة 31 بليون درهم اماراتي بنمو قدر ب18% خلال عام 2016، إضافه إلي استثمارات في مجال السياحة والبناء داخل تركيا وصل إلي 15 بليون درهم اماراتي خلال العام الماضي.
إضافة إلي ذلك فإن هناك ما يقرب من 10 الاف مواطن تركي موجودون علي الأراضي الإماراتية بشكل واضح مرتبطين إما في وظائف إو في تحركات سياحية داخل الدولة الخليجية، إضافة إلي حجم زيارات سياحية بلغ 300 سائح يتجهون من الإمارات إلي تركيا سنويا أي جزء كبير من الكعكعه السياحية الخليجية المتجهه إلي تركيا بشكل واضح، ومما يزيد عن هذا هو حجم الخدمات التي تقدمها شركة طيران مثل الخطوط الجوية التركية التي تسير تقريبا 24 رحلة أسبوعيا إلي الإمارات .
ما يجب الاشاره الية هنا الى ان تركيا تعتمد بشكل كبير على واردات الهيدروكربونات لتلبية احتيجاتها من الطاقة لذلك يشكل الخليج مصدرا استراتجيا لتلبية هذه الاحتياجات في ظل استراتيجية تنوع مصادر الطاقة التي تسعى من خلالها الي تقليص اعتمادها بشكل كبير علي كلا من ايران و روسيا. يشكل واردات تركيا من الغاز نحو 23% من تجارتها السلعية منذ عام 2012 لذلك ليس من المستغرب ان ان يتحقق العجز التجاري بين تركيا و كلا من قطر و السعودية في الخمس سنوات الاخيره بسبب الواردات الهيدروكربونية. أما بالنسبة للغاز الطبيعي المسال، فإن تركيا تستورد جزء صغير من قطر.
فيما يتعلق بحجم تدفقات الأسثمار الأجنبي المباشر لدول الخليج الى تركيا فطبقا لتقديرات البنك المركزي التركي بلغت هذه التدفقات حوالى 2.8 المليار دولار في الفترة بين عامي 2010 و 2014. كانت الامارات و السعودية و الكويت النصيب الاكبر حجم من هذه التدفقات و يليهم في الاهمية قطر. فيما يتعلق بقطاع الاستثمار العقاري و هو احد اهم القطاعات الجاذبة للاستثمارات في المنطقة، تعتبر الشركات التركية احج اهم اللاعبين في عملية التطوير العقاري . في عام 2013 وحده بلغ اجمالي مشاريع العقارية التركية في السعوديه 193 مشروع تقدر قيمتها بنحو 12.4 مليار، في الامارات تبلغ هذه المشاريع حوالى 99 مشروع قيمتها تبلغ 8.4 مليار دولار. استقطبت قطر ايضا ما يقدر بنحو 11.6 مليار دولار اسثمارات تركية ، يعمل معظمها في مشاريع متصلة بكأس العالم لكره القدم 2022.
كل تلك الأرقام والإحصائيات تجلعنا نطرح سؤال مهم هل هناك خيار أخر في مجال التعاون الخليجي مع تركيا غير إستخدام الأليات العسكرية والتواجد العسكري في المنطقة، وتفضيل خيار أيدولوجي ضيق، علي مصالح إقتصادية واسعه، مع بقية الدول، وخاصة مع تجاهل أردوغان لحجم علاقات إقتصادية يبلغ مداه 80% من حجم السوق التركي الخليجي المشترك، في مقابل 8% فقط هو حجم العلاقات التركية القطرية من حجم العلاقات الاقتصادية في الخليج مع تركيا.
ومن المعلوم إن قيادة كلا من الامارات والسعودية ترغبان في دعم العلاقات علي كافة الأصعدة وخاصة المجالات الإقتصادية، وخاصة مع وجود سوق مفتوح وواعد لديهم أمام الصادرات التركية أكبر بكثير من العلاقات الاقتصادية المرحلية التي اختارها الرئيس التركي أردوغان في إطار العلاقات الأيدولوجية لدعم تيار مثل الإخوان المسلمين .
فدولة الإمارات دائما ما قدمت نموذجا للعلاقات التعاونية مع تركيا، حيث ساعدت علي مستوي العلاقات الدفاعية في شراء منظومات صاروخية مضادة للطائرات من طراز “جيريت” التركية، اضافة إلي تصنيع مدرعات تركية – إماراتية مشتركة في إطار التعاون المتبادل.
وهنا يجب الإشارة إلي أن العلاقات والمصالح الاقتصادية المتبادلة دائما ما تكون الخيار الأفضل في العلاقات دون صراع فرض الإرادات من قبل اي من الجهات في العلاقات الدولية، وإن خيار الشعوب وتحسين التعاون الإقتصادي في أسواق واعدة ومتطورة أفضل بكثير من خيار المواجهه والصوت العالي في العلاقات السياسية، وخاصة مع تطلعات تركيا إلي دور إقليمي واسع، وهو الدور الذي يجب أن يكون مبدأه الاقتصاد وحسن العلاقات وليس أي شيئ أخر .
(*) دكتوراة في العلوم السياسية من كلية الأقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة