القاهرة (أ ب)- تشير التطورات الأخيرة إلى تحرك الرياض في ظل القيادة السعودية الجديدة، باتجاه تحسين العلاقات مع تركيا وقطر وتخفيف موقفها المتشدد السابق تجاه جماعة الإخوان المسلمين بهدف إضعاف إيران. هذا التحول قد يؤدي إلى الضغط على حليفتها مصر لإجراء مصالحة معهما أيضا.
بيد أن الضغط يهدد بإثارة الخلاف داخل التحالف بين القاهرة والرياض، أقوى دولتين سنيتين بالشرق الأوسط. والذي بلغ ذروته بين الدولتين في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، بتشكيل تحالف مشترك لمواجهة التنظيمات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين والنفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لكن يبدو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعارض – حتى الآن – أي مصالحة مع تركيا وقطر، أكبر داعمين لأعداء السيسي، جماعة الإخوان المسلمون. وصعد السيسي إلى السلطة عقب إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي عام 2013. وعقب عزل مرسي قاد السيسي حملة شرسة ضد الإسلاميين، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين واصفا إياها بالمنظمة الإرهابية، فيما اتهمت وسائل الإعلام المصرية تركيا وقطر بمحاولة زعزعة الاستقرار في مصر عبر دعم الثورة.
بيد أن الملك السعودي الجديد، سلمان، يرى خطرا أكبر في إيران والجماعات المتطرفة الأخرى مثل القاعدة والدولة الإسلامية. وأن باستطاعة تركيا وقطر تعزيز الجبهة ضد هؤلاء الخصوم.
وقال بريان دونينغ، المحلل السياسي في واشنطن: “ربما يشعر الملك الجديد والحكومة الجديدة بأن الأساليب القديمة لم تعد مجدية.”
زار الرئيسين المصري، عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان السعودية الأسبوع الماضي، وعقد كلاهما اجتماعا منفصلا مع الملك سلمان. وقال أردوغان عقب الزيارة للصحفيين إن “مصر والسعودية وتركيا – هذا الثلاثي – أهم دول في المنطقة. علينا جميعا التزامات لتنفيذها من أجل السلام وأمن ورفاهية المنطقة”.
وبحسب مسؤولين مصريين اطلعوا على المحادثات ناقش سلمان والسيسي قضية العلاقات المصرية مع قطر وتركيا. وقال السيسي لمضيفه إن سياسات الدولتين لا تزالان داعمتين للعنف والإرهاب في المنطقة. وتحدث المسؤولون شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بالحديث إلى وسائل الإعلام.
وقال السيسي، الذي بدا غاضبا أثناء مقابلته مع قناة العربية: “أريد أن أقول لكل أشقائنا في السعودية الذين يستمعون إلينا، تخيلوا شخصا يحاول تدمير دولة بها 90 مليون شخص. كيف تتصورون رد فعل الشعب؟”، في إشارة إلى الإخوان المسلمين والدول الداعمة لهم.
يذكر أن السعودية ودول الخليج الأخرى منحت مصر، في إطار تعزيز التحالف بينهم، مليارات الدولارات لدعم اقتصادها المتعثر. بيد أنه لا يزال هناك عدد من الخلافات بين مصر والسعودية – أبرزها الملف السوري، حيث تسعى السعودية إلى الإطاحة بالرئيس السوري المدعوم من إيران. وربما كان ذلك أحد أسبابها للتقارب مع قطر وتركيا، اللتين تدعمان الفصائل المعارضة للأسد.
في هذه الأثناء تحاشى الرئيس السيسي الإدلاء بتصريح يعارض بقاء الأسد في السلطة. كما صرح بداية العام الحالي إنه سيقوم بمصالحة شعبية مع قطر إلا أن هذه الجهود عادت لتفتر مجددا.
السعودية عادة ما تعلن القليل بشأن خططها، تاركة مهمة تفسير دوافعها للمحللين القريبين من قادتها، فعلى سبيل المثال، أعلنت صحيفة عكاظ الأسبوع الماضي أن “العلاقات السعودية – المصرية دخلت منعطفا جديدا. مشيرة إلى أن المملكة تحاول تحقيق تقارب في وجهات النظر بين الشقيقة مصر والدول الأخرى في المنطقة لمصلحة وفائدة الجميع.”
محمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السعودي السابق صرح لإحدى الصحف السعودية بأن المملكة تود تحسين العلاقات العربية – التركية بشكل كبير لأن “التقارب في وجهات النظر (مع تركيا) يمكن أن يحد من التوسع الإيراني”.
لكن ثمن أي تحسن في العلاقات مع تركيا وقطر يتوقع أن يخفف من الحملة القمعية بحق الإخوان المسلمين. واتخذ الملك عبد الله خطا متشددا ضد الجماعة، وسار على خطا القاهرة، في إعلان الجماعة التي أسست قبل 87 عاما منظمة إرهابية.
وعقب وفاة الملك عبد الله، سرعان ما بدت نوايا العاهل الجديد، فذكر وزير الخارجية سعود الفيصل لصحيفة الجزيرة السعودية ان المملكة “ليس لديها مشكلة مع الإخوان المسلمين”، عدا من بعض أفراد معينين موالين للمرشد الأعلى للإخوان المسلمين.
من ناحية أخرى حمل أحد مقالات الرأي، في صحيفة الحياة المملوكة للعائلة الحاكمة في السعودية، تحذيرا لمصر بألا تتوقع من السعودية “تفويضا كاملا” أو تجاهلا لمصالح الرياض. فذكر خالد الدخيل في مقاله “أن المصريين لا يستطيعون إجبار السعوديين على عدم تعزيز علاقاتهم مع تركيا لأن انقرة تدعم الإخوان المسلمين”.
وكتب الدخيل: “إن استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة”، وفي انتقاد حاد غير معتاد لمصر في وسائل الإعلام السعودي الحذر، كتب أن القاهرة بالغت في تضخيم قضية الإخوان المسلمين بسبب “الافتقار إلى مشروع فكري قادر على جمع المصريين حوله”.
نفى السيسي بشدة وجود أي مؤشرات على توتر العلاقات مع السعودية عقب وفاة الملك عبد الراحل. وسعى في كلمته للشعب المصري في 22 فبراير / شباط إلى التأكيد للرياض وباقي دول الخليج على احترام وتقدير القاهرة للدعم الاقتصادي الذي قدموه للقاهرة. وبدا أن كلمة الرئيس تهدف إلى إصلاح الضرر في العلاقات الذي نجم عقب تسريب تسجيلات صوتية يسخر فيها السيسي والدائرة المقربة منه من الدولة الخليجية والإشارة إلى ان مصر تستغلهم للحصول على المعونات.
وكان من أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها مع العاهل السعودي الجديد، هو أن المنطقة ككل ستتأثر إذا ترنحت مصر، حيث أكد السيسي خلال المقابلة أن عدم استقرار مصر وسقوطها في دوامة الفوضى يعني سقوط المنطقة العربية أيضا ويهدد الأوروبيين أنفسهم لسنوات عديدة قادمة.